فضيحة الزعيم الشعبوي بالنمسا ترتدّ على يمين ألمانيا قبيل انتخابات أوروبا

21 مايو 2019
يعتبر حزب الحرية نموذجاً لحزب البديل (Getty)
+ الخط -
يحاول حزب البديل من أجل ألمانيا التقليل من فضيحة زعيم حزب الحرية اليميني الشعبوي ونائب المستشار في النمسا هاينز كريستيان شتراخه، التي هزت الوسط السياسي والرأي العام في فيينا نهاية الأسبوع الماضي، وانسحبت آثارها السلبية على باقي الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا، رغم أن الفضيحة أدت إلى استقالة جميع وزراء حزب الحرية في الحكومة، وأدت إلى انهيار الائتلاف الحكومي في البلد المجاور.

وكان زعيم تيار اليمين القومي النمساوي كريستيان شتراخه قد قدم استقالته، السبت، مضطراً إثر فضيحة مقطع الفيديو الذي يظهر فيه ويتضمن مساومات روسية له، قبل أن يعلن حزب الحرية، أمس، استقالة جميع وزرائه من الحكومة التي شكلت في كانون الأول/ديسمبر 2017 مع المحافظين بزعامة المستشار سيباستيان كورتز، وذلك بعد إقالة وزير الداخلية هيربرت كيكل في وقت سابق.

ويبدو أن حزب "البديل" من أكثر المتضررين مما حصل في النمسا قبل أيام من الانتخابات الأوروبية التي تبدأ الأحد القادم، وسط توقعات بنتائج سيئة الأحد المقبل، بعدما نجح الحزب الألماني في استراتيجيته لقياس الاستفزاز والبراغماتية السياسية.

وفي هذا الإطار، توقع زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي السابق والرئيس السابق للبرلمان الأوروبي أولاف شولتز، في حديث مع صحيفة نوين أوسنابروكر تسايتونغ "أن تحصل التعبئة في أوروبا ضد اليمين الشعبوي بعد الزلزال الذي شهدته فيينا، والضربة التي طاولت حزب الحرية اليميني الشعبوي هناك".

وأضاف شولتز أن قضية شتراخه "رمزية تعكس مدى قدرة الأحزاب اليمينية الشعوبية على تولي الحكم"، مشيراً إلى أن الناخبين، الأحد، سيرون بوضوح أكبر من أمامهم، عندما يكون هناك أشخاص أمثال يورغ مويتن رئيس حزب البديل، وشتراخه، ورئيس حزب "الرابطة" الإيطالي ماتيو سالفيني، وهم المرشحون الأساسيون للأحزاب الشعبوية في ألمانيا والنمسا وإيطاليا على لوائح الاقتراع".

وبين أن "هناك إمكانية لإعطاء الشعبويين المكان الذي يستحقونه".

تصريحات شولتز شدد عليها أيضاً وزير الخارجية الألماني هايكو ماس في حديثه مع القناة الأولى في التلفزيون الالماني أخيرا، فقال إن "الواقعة تمثل انحطاطا جديدا للثقافة السياسية"، قائلاً إن حزب الحرية النمساوي "شرع في فعل كل شيء يناقض الأحزاب السياسية التقليدية، محذراً من نشاط تلك الأحزاب، بينهم البديل من أجل ألمانيا".

وتابع في هذا الصدد "على كل واحد منا أن يتوقع ماذا يعني عندما يصبح هؤلاء أقوى من اللازم في انتخابات أوروبا، وهذا ما لا يمكن السماح به، وأتمنى أن يستخلص الناخبون النتائج السليمة من ذلك".

فيما اعتبر خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أن فضيحة النمسا سوف تبطئ من تقدم الشعبويين. وأبرز الباحث السياسي فيرنر باتزيلت لـ"تاغس شبيغل" ذلك، قائلا: "سوف يفكر الناخبون مرتين في ما إذا كانوا سيعطون أصواتهم لهؤلاء المرشحين".

وللحد من تداعيات الفضيحة على جمهوره، عمد البديل لتبسيط أهمية نهاية ائتلاف يمين الوسط في فيينا بعد فعلة حليفه، حزب الحرية الشريك في الائتلاف مع المستشار النمساوي سيبستيان كورس، في إشارة منه للتعتيم على فشل حلفائه الشعبويين في النمسا في تحمل مسؤولية الحكم.


حزب الحرية نموذجاً للبديل

وعن الربط بين الحزبين، يعتبر حزب الحرية النمساوي نموذجا يحتذى به للحزب اليميني الشعبوي البديل من أجل ألمانيا، لاعتبارات عدة، بينها ما كان قد أعلنه صراحة قادة البديل وبينهم زعيمه ألكسندر غاولاند، الذي قال العام الماضي في مقابلة صحافية: "النمساويون بالنسبة لي ألمان، حزب الحرية هو الحزب الذي أظهر كيفية القيام بذلك".

وتشير تصريحات غاولاند إلى أن الحزب فعلها ووصل إلى الحكم، والأخير كان مثالا للبديل في طريقة مقاربة ساسته لواقعية تحقيق طموحاتهم وشعاراتهم للمزيد من الاستقطاب بين المواطنين، بينها مطالباتهم بحصول اللاجئين على أموال وإعانات اجتماعية أقل، أو حظر الحجاب في المدارس الابتدائية، إلى تعبئة الخوف الاقتصادي، أي أن الأجانب من المسلمين يسلبون وظائف الألمان، إلى التعميم بأن الاسلام لا يناسب ألمانيا وأوروبا، وله مظاهر حياة مختلفة.

في المقابل، يرى محللون أن فضيحة البلد المجاور النمسا، لا تعني أن ناخبي البديل في ألمانيا سيبدلون آراءهم ويصوتون ضده، فـ"هذا رأي ساذج"، مبرزين الفضائح التي طاولت البديل في الفترات السابقة، وأهمها فضيحة الدعم المالي الذي تلقته أليس فايدل، رئيسة كتلة الحزب في البوندستاغ (البرلمان)، خلال الانتخابات البرلمانية العامة من قبل شركة أدوية في سويسرا مخالفة بذلك القانون الألماني، حتى أن الأمر وصل ببعض النواب للمطالبة بإقالتها لأنها أخفت عن رئاسة البوندستاغ ذلك.

الأمر نفسه أشار إليه الباحث السياسي فرانك ديكر في حديث مع صحيفة "راينشه بوست"، فاعتبر أنه ينبغي للمرء ألا يبالغ في تقدير تأثير القضية على البديل في ألمانيا، فـ"بعد كل شيء، يتم اختيار الأحزاب الشعبوية في المقام الأول كأحزاب معارضة وليس لأنها تقدم مثالا مقنعا أو تعد بديلا أفضل للحكم".

وشكلت فضيحة الفيديو الذي يظهر فيه بالإضافة إلى شتراخه ساعده الأيمن نائب عمدة فيينا سابقا، يوهان غودينوس، صدمة غير مسبوقة في فيينا. وعلى ضوء ذلك، انهار الائتلاف الحكومي في النمسا بين اليمين واليمين المتطرف قبل ثلاثة أيام من الانتخابات الأوروبية.

ويظهر في الفيديو غودينوس وهو يتلقى عرضا باستثمار مالي من قبل سيدة روسية، تظاهرت أنها قريبة أحد أثرياء النخبة الروسية في موسكو، لتعزيز حظوظ اليمين القومي المتعصب أثناء الانتخابات النمساوية العام الماضي.

وعنونت صحيفة دير شبيغل الألمانية، مساء الجمعة: "هل نائب المستشار النمساوي للبيع؟"، وفي الفيديو يظهر شتراخه وهو يجلس في إحدى الفلل السياحية الصيفية على جزيرة إبيثا الإسبانية مع "سيدة الأعمال" الروسية وساعده الأيمن مسترخيا في مفاوضات تلقي المال الروسي لتعزيز حظوظه في الحملة الانتخابية.

ويظهر التسجيل، بحسب ما ذهبت إليه الصحف الألمانية والنمساوية، مفاوضات حول استثمارات كبيرة تتعلق بالحصول على رخص بناء كازينو وبيع فندق فخم وبناء طريق سريع بأموال مستثمرين روس. بل ذهب النقاش إلى إمكانية استحواذ هؤلاء على أشهر وأكثر الصحف النمساوية توزيعا، كرونن زايتونغ.

وحسبما ذكرت "دير شبيغل"، فإن ذلك الاجتماع جاء قبل أسابيع من توجه النمسا لانتخابات برلمانية، وأن ساعده الأيمن غودينوس جرت ترقيته بعد الانتخابات، ليكون رئيس المجموعة البرلمانية للحزب اليميني المتطرف، حزب الحرية.

وما يكشف عنه في فضيحة الفساد السياسي والمالي هذه أن حديث الطرفين، سيدة الأعمال وساسة حزب الحرية، ورئيس مجموعته البرلمانية غودينوس، كان يدور حول الملايين من اليوروات، وهو ما يرمي بالظنون اليوم إلى أن ذلك الحديث ربما أنتج عمليا شيئا ما جعل شتراخه رجلا قويا في إيصال المستشار سيباستيان كورتز إلى منصبه.

وقدمت المرأة الروسية نفسها على أنها أليونا ماكاروفا، وأنها مواطنة من لاتفيا (دولة من دول البلطيق وفيها أقلية روسية كبيرة)، وتحدثت عن استثمارات واعدة لمستثمر متعطش للعمل في فيينا بقيمة 250 مليون يورو، وأكدت أن "المبلغ لا يمكن أن يودع في البنك لأنه في الواقع غير قانوني تماما"، وفقا لشبيغل.