كيف لامرأة عربية أن يبزغ نجمها ليصل إلى العالمية في مجال مخصوص للغرب؟ حين أفكر في أعمال فضيلة الكادي وإبداعاتها ومسيرها الصاعد ترد إلى الذهن شخصيات عربية من قبيل زها حديد... بيد أن الاختلاف والبون شاسعان، وإن كان المجالان متقاربين. فإذا كانت الأولى قد جعلت من مشاريعها فضاء للمتعة الجمالية تشهد على مخيلتها المغامرة، فإن الثانية قد حولت متخيل طفولتها ومحيطها إلى أفق لارتياد العالمية.
أتت فضيلة إلي مجال صناعة الموضة من عشق دفين حملته في جسدها الأسمر الضامر منذ الطفولة. فهذه الفتاة ذات الأصول المتاخمة للصحراء، الفارعة الطول وذات البسمة الذكية، سوف تجد في دروب مدينة سلا العتيقة مجالًا للبحث عن هويتها وهوايتها. كانت في أوقات فراغها تتعلم فنون الطرز التقليدية وكأنها كانت تعرف القدر الذي ستحمله لها أناملها ونظرتها الثاقبة. أكانت تحس بأن تلك الأنامل سوف تحملها بعيدًا في مجال الإبداع كأجنحة ترتاد الآفاق القصية للنظر؟ وحين ارتادت مدرسة متواضعة بالرباط كي تستكمل فيها تعليمها، بل حين بدأت تصنع نماذجها، كانت على حدس بأن كل مستقبل عملها الدؤوب يوجد في مجاهدتها كما في مهارة يديها.
اقــرأ أيضاً
لم توقف مفاجآت الحياة تلك الرغبة النابضة بين ضلوعها. فلا فقدان الأب والأخ في حادث سير أليم، جعلها المعيلة الوحيدة لأسرتها، جفف منابع الإبداع في مخيلتها؛ ولا الأفق الغائم لفن الموضة ببلاد تعتبر أن الإبداع في اللباس أشبه بالبدعة، ثبط من عزمها الداخلي. كانت وضعية الإبداع في هذا المجال بالمغرب لا تزال جنينية في نهاية القرن الماضي. فالبلاد كانت تتأرجح بين موروث مظهري متواتر لا يمسه التجديد إلا في الألوان وبعض التفاصيل البسيطة، وبين تقليعات يستوردها الميسورون وعشاق الموضة من العواصم الغربية لكريستيان ديور وإيف سان لوران وغيرهما.
في هذا السياق ستسعى فضيلة الكادي إلى الخروج من حصار هذه الشيزوفرينيا المغربية التليدة بقدراتها الذاتية، لتبدأ في "تسويق" منتجاتها الإبداعية في إيطاليا. فهذا البلد الذي يرمي بكعبه في الحضارة العربية يعرف معنى تجديد التقاليد الزخرفية، وهو أمر يذكرني بلقاءاتي بالسيد غوبيون (الذي تتخصص شركته العائلية الشهيرة بميلانو - عاصمة الموضة الإيطالية - في صناعة أقفاص حماية الأعمال الفنية، والذي بدا لي عارفًا بالميكانيكا العربية وعاشقا لها حدّ الشغف). إلى أن جاء لقاؤها بإيف سان لوران في إحدى أمسيات 1999 بطنجة، كي تتغير حياتها الإبداعية ويكون تعاونهما والاحتضان الذي حظيت به من لدنه - هو العاشق الكبير للمغرب وتراثه - محفزًا لها على مركزة منتجاتها الإبداعية بباريس.
اقــرأ أيضاً
ولفضيلة الكادي هويتها الفنية والجمالية من ثلاثة أوجه: أولًا لأنها استنبتت فنها من الفنون التقليدية المغربية وبالأخص من فن الطرز باعتباره فنًا نسائيًا بامتياز، وباعتباره أيضًا فنًا زخرفيًا يتوسل بمجمل التعبيرات التشكيلية والرسْمية والزواقية التقليدية. إنها تسير على خطى فنانين مغربيين هما أحمد الشرقاوي في تحويله للوشم إلى علامة فنية، وفريد بلكاهية في تحويله للجلد والحناء إلى معطيين فنين خالصين منزاحين عن مراميهما الأصلية. وثانيًا لأنها لم تسقط في اللعبة البسيطة، والكثيرة التهافت، التي سقط فيها العديد من "الستايليستس" Stylists الكامنة في إدخال بعض التعديلات على القفطان المغربي لمنحه مسحة معاصرة إضافية.
اقــرأ أيضاً
في المعرض الاستعراضي الأخير الذي نظم لها بالمركز الثقافي بالرباط (كما في المحلات التي أنشأتها بالرباط ومراكش وغيرهما)، يمكن أن نقف باندهاش أمام ألبستها ذات التصاميم المنسابة، التي تتخللها تدخلات تطريزية وتفاصيل تمنحها روعة استثنائية. في هذا المعرض سمعت أحدهم يقول هامسًا لصديقه: "كم أتمنى لو خلقت امرأة لأتمتع بارتداء هذه الحلة". أثمة رغبة أكثر عمقًا من هذه، تخلقها فينا هذه الإبداعات اللباسية، التي يكاد الأبيض والأسود فيها يحملنا إلى عمق العتمة والنور؟ أما الألوان فإنها تتعامل معها بخفة فنان تشكيلي، تراكب بينها لتمنحها مسحة جديدة تكاد تكون من خلقها هي. ففي هذا التعامل مع الفن التشكيلي تخلق فضيلة الكادي جسورًا وتهدم الحواجز بين الإبداع التشكيلي والإبداع في الموضة باعتبارهما معًا تركيبة بصرية.
اقــرأ أيضاً
لم توقف مفاجآت الحياة تلك الرغبة النابضة بين ضلوعها. فلا فقدان الأب والأخ في حادث سير أليم، جعلها المعيلة الوحيدة لأسرتها، جفف منابع الإبداع في مخيلتها؛ ولا الأفق الغائم لفن الموضة ببلاد تعتبر أن الإبداع في اللباس أشبه بالبدعة، ثبط من عزمها الداخلي. كانت وضعية الإبداع في هذا المجال بالمغرب لا تزال جنينية في نهاية القرن الماضي. فالبلاد كانت تتأرجح بين موروث مظهري متواتر لا يمسه التجديد إلا في الألوان وبعض التفاصيل البسيطة، وبين تقليعات يستوردها الميسورون وعشاق الموضة من العواصم الغربية لكريستيان ديور وإيف سان لوران وغيرهما.
في هذا السياق ستسعى فضيلة الكادي إلى الخروج من حصار هذه الشيزوفرينيا المغربية التليدة بقدراتها الذاتية، لتبدأ في "تسويق" منتجاتها الإبداعية في إيطاليا. فهذا البلد الذي يرمي بكعبه في الحضارة العربية يعرف معنى تجديد التقاليد الزخرفية، وهو أمر يذكرني بلقاءاتي بالسيد غوبيون (الذي تتخصص شركته العائلية الشهيرة بميلانو - عاصمة الموضة الإيطالية - في صناعة أقفاص حماية الأعمال الفنية، والذي بدا لي عارفًا بالميكانيكا العربية وعاشقا لها حدّ الشغف). إلى أن جاء لقاؤها بإيف سان لوران في إحدى أمسيات 1999 بطنجة، كي تتغير حياتها الإبداعية ويكون تعاونهما والاحتضان الذي حظيت به من لدنه - هو العاشق الكبير للمغرب وتراثه - محفزًا لها على مركزة منتجاتها الإبداعية بباريس.
هناك ضرب غريب من التبخيس الجمالي لدى العرب للموضة. لسبب عقدي آت من الأحاديث التي تحرم الحرير والذهب وتبرج النساء وتشبه الرجال والنساء في الزينة. فزينة المسلم مرتبطة بما كان يرتديه ويستعمله رسول الأمة، وأول ذلك العطر. ولسبب حداثي آت من تنميط الجسد النسائي وجعله مطية للاستعراض النمطي (وهذا ما جعل بعضهن يصبن بالرقة المرضية ، الأنوركسيا). بيد أن هذه الأمور صارت من باب الأعراض، في وقت صار فيه اللباس والزينة أمورًا لا تدخل فقط في مظهرية المرأة وإنما موطنًا للإبداع. وهذا الجانب له ارتباط بالفن من جوانب عدة، بالشكل نفسه الذي صار فيه الديزاين (أي فن التصميم) كما العمارة بالرغم من طابعهما الاستعمالي، مجالًا لتداخل الفنون البصرية بكاملها.
ولفضيلة الكادي هويتها الفنية والجمالية من ثلاثة أوجه: أولًا لأنها استنبتت فنها من الفنون التقليدية المغربية وبالأخص من فن الطرز باعتباره فنًا نسائيًا بامتياز، وباعتباره أيضًا فنًا زخرفيًا يتوسل بمجمل التعبيرات التشكيلية والرسْمية والزواقية التقليدية. إنها تسير على خطى فنانين مغربيين هما أحمد الشرقاوي في تحويله للوشم إلى علامة فنية، وفريد بلكاهية في تحويله للجلد والحناء إلى معطيين فنين خالصين منزاحين عن مراميهما الأصلية. وثانيًا لأنها لم تسقط في اللعبة البسيطة، والكثيرة التهافت، التي سقط فيها العديد من "الستايليستس" Stylists الكامنة في إدخال بعض التعديلات على القفطان المغربي لمنحه مسحة معاصرة إضافية.
فالعكس هو الذي تقوم به تمامًا فضيلة الكادي. إنها تمنح لإبداعاتها المعاصرة مسحة تقليدية محلية مبنية على الطرز التقليدي باليد والتوشية وغيرها من التقنيات التي تسبغ على ملبوساتها طابعًا خاصًا هو طابعها (أو توقيعها). وثالثًا لأنها أضافت إلى تجربتها الفنية المحايثة هذه، النابعة من صلب نظرتها وممارستها، تعاملًا مباشرًا وتفاعليًا مع فنانين شباب من المغرب. فلقد اختارت الفنانة ثلاثة أسماء من الفنانين هم شروق هرييش برسومها بالأبيض والأسود التي تنطبع على إبداعاتها اللباسية والأكسسوارية فتمنحها بهاءً ما بعد حداثيًا. ومحمد الباز برسومه المستقاة من أوراق اللعب ذات الأصول الإسبانية بألوانها الناصعة. وحسن حجاج بتركيباته الفانتازية التي نشتم منها رائحة ساحة جامع الفنا بمراكش.
في المعرض الاستعراضي الأخير الذي نظم لها بالمركز الثقافي بالرباط (كما في المحلات التي أنشأتها بالرباط ومراكش وغيرهما)، يمكن أن نقف باندهاش أمام ألبستها ذات التصاميم المنسابة، التي تتخللها تدخلات تطريزية وتفاصيل تمنحها روعة استثنائية. في هذا المعرض سمعت أحدهم يقول هامسًا لصديقه: "كم أتمنى لو خلقت امرأة لأتمتع بارتداء هذه الحلة". أثمة رغبة أكثر عمقًا من هذه، تخلقها فينا هذه الإبداعات اللباسية، التي يكاد الأبيض والأسود فيها يحملنا إلى عمق العتمة والنور؟ أما الألوان فإنها تتعامل معها بخفة فنان تشكيلي، تراكب بينها لتمنحها مسحة جديدة تكاد تكون من خلقها هي. ففي هذا التعامل مع الفن التشكيلي تخلق فضيلة الكادي جسورًا وتهدم الحواجز بين الإبداع التشكيلي والإبداع في الموضة باعتبارهما معًا تركيبة بصرية.