عصفت الاحتجاجات والعصيان المدني بمظاهر الحياة في العديد من المدن اليمنية الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، في ردود فعل غاضبة على انهيار العملة المحلية وتزايد وطأة الغلاء، حيث أغلقت غالبية المتاجر ومحلات الصرافة أبوابها.
وتواصلت، أمس الأربعاء، عمليات الاحتجاج وقطع الطرق في مدينة عدن (جنوب)، التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة لها، ليدخل العصيان المدني في المدينة يومه الرابع على التوالي.
وفي مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (جنوب شرق)، قال شهود إن محتجين غاضبين قطعوا الشوارع الرئيسية بالمدينة مواصلين الاحتجاجات لليوم الثاني على التوالي، لافتين إلى أن الكثير من المحال التجارية أغلقت أبوابها، فيما لم يتمكن الكثير من موظفي المؤسسات الحكومية والخاصة من الوصول إلى أماكن عملهم.
وفي مدينة سيئون، ثاني أكبر مدن حضرموت، تواصلت الاحتجاجات أيضا لليوم الثالث على التوالي، وسط شلل شبه تام للحركة بالمدينة.
ويأتي تصاعد الاحتجاجات، قبل يوم من المفاوضات المرتقبة بين الحكومة وجماعة الحوثيين في مدينة جنيف السويسرية برعاية الأمم المتحدة، الخميس، حيث رجحت مصادر في تصريحات لـ"العربي الجديد" حضور الملف الاقتصادي على طاولة المفاوضات لكنه لن يكون الحضور البارز مقابل القضايا السياسية والأمنية، رغم سيطرة الأزمات الاقتصادية والمعيشية على مختلف المناطق سواء الخاضعة للحكومة أو الحوثيين.
وسيناقش الطرفين بحسب المصادر خطة الأمم المتحدة المعروفة بمبادرة "الحديدة والرواتب"، التي تتضمن وضع ميناء الحديدة على ساحل البحر الأحمر (غرب اليمن) والخاضع للحوثيين تحت إشراف دولي بإدارة يمنية من الحكومة والقطاع التجاري الخاص، وإعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات التجارية وصرف رواتب موظفي الدولة في صنعاء وبقية مناطق الحوثيين والمتوقفة منذ نحو عامين مقابل تسليم فرع البنك المركزي بالعاصمة اليمنية.
واصطدمت المبادرة سابقا بموقف الحوثيين الذين أبدوا موافقة مشروطة، حيث رفضوا تسليم فرع البنك المركزي بصنعاء على أن يخضع في المقابل لإدارة قيادة البنك المركزي في عدن والتابع للحكومة الشرعية، كما جددوا رفضهم تحويل إيرادات الدولة في مناطقهم إلى حساب الحكومة في البنك المركزي بعدن، ورفضوا أن تخضع الرحلات التجارية من مطار صنعاء للتفتيش في مطار بيشة السعودي.
وتهدف مبادرة الأمم المتحدة لتحقيق تسوية اقتصادية تنهي حالة الانقسام في النظام المالي والمصرفي من خلال توحيد عمل البنك المركزي، وسيمهد نجاح التسوية الاقتصادية لتسوية سياسية تتضمّن وقف الحرب وتشكيل حكومة ائتلاف وطنية من جميع الأطراف، بما فيها الحوثيون، وفقاً لإحاطة المبعوث الأممي إلى مجلس الأمن، في منتصف إبريل/نيسان الماضي.
وقرر الرئيس اليمني في 18 سبتمبر/ أيلول 2016، نقل المقر الرئيس للبنك المركزي وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكن الحوثيين احتفظوا بالبنك المركزي في صنعاء، كبنك موازٍ خاص بهم، ما تسبب في زيادة أضرار الاقتصاد الوطني، وحصول أزمات متلاحقة، منها أزمة الرواتب وتهاوي قيمة العملة اليمنية.
ويرى خبراء اقتصاد أن انقسام البنك المركزي واحد من الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مؤكدين أن إنقاذ العملة المحلية مرهون بتوحيد عمل البنك. وقال حسام السعيدي، الخبير الاقتصادي، لـ"العربي الجديد" إن من المتوقع أن يحتل الملف الاقتصادي مساحة صغيرة في مفاوضات جنيف، رغم أن الوضع المعيشي المتردي هو الأكثر حضورا على الساحة، وباسمه يتم الترويج للمفاوضات بشكل أكبر.
ويشهد الريال اليمني تراجعا حادا وسريعا في قيمته أمام الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى منذ عدة أيام، ليصل إلى أكثر من 620 ريالاً للدولار الواحد في عدن، مقارنة بنحو 513 ريالا منتصف أغسطس/آب الماضي. وكان الدولار الأميركي مطلع العام 2015، يساوي 215 ريالا.
وقال عبد المجيد البطلي، رئيس دائرة الدراسات والتوقعات في وزارة التخطيط، إن غياب سلطة نقدية موحدة وفعالة تركت تداعيات خطيرة على الجهاز المصرفي في كافة مناطق البلاد، مما تسبب في تدهور ثقة المواطن في العملة الوطنية والمؤسسات المصرفية ، وبالتالي، تفضيل حيازة العملات الأجنبية وسحبها خارج الجهاز المصرفي.
وقال البطلي :" هذا الانقسام تسبب في إرباك البنوك التجارية بتعليمات سلطتين نقديتين غير منسجمتين وغير فاعلتين، ونتج عنه تعذر استخدام أدوات السياسة النقدية الملائمة للتخفيف من أزمة سعر الصرف مثل سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي القانوني".
وشدد على أهمية تحييد الاقتصاد، من خلال إعطاء الملف الاقتصادي الأولوية التي يستحقها في أجندة مفاوضات التسوية السياسية، من خلال تخصيص جلسات حول إنقاذ الوضع الاقتصاد وتبني إجراءات لبناء الثقة الاقتصادية.
وتعد التسوية الاقتصادية أبرز مطالب القطاع التجاري الخاص، الذي دعا مراراً إلى تحييد الاقتصاد وتوحيد المصرف المركزي.
وأكدت الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء، خلال فعالية عن تحييد الاقتصاد نهاية يوليو/تموز الماضي، أن التسوية الاقتصادية تعد ضرورية لحماية العملة المحلية، ولمنع تدهورها الذي يترك انعكاسات سلبية كبيرة على معيشة الناس وأنشطة القطاع الخاص وقيمة إنتاجه القومي.
وتكبد الاقتصاد اليمني خسائر فادحة بسبب الحرب، وضاعف الوضع الاقتصادي المتدهور معاناة اليمنيين ، وينذر استمرار القتال بتفاقم المعاناة الإنسانية وارتفاع نسبة انعدام الأمن الغذائي ويهدد بظهور مجاعة في مناطق الساحل الغربي للبلاد حيث يعيش نحو مليونين من الأكثر المواطنين فقرا في البلد الأفقر عربيا.
وتركت الحرب المستمرة، إلى جانب عدم استقرار الأوضاع السياسية الممتد، والأزمة الاقتصادية الناشئة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود، وارتفاع معدلات البطالة، أكثر من نصف السكان البالغ عددهم 27 مليون نسمة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وفق تقارير الأمم المتحدة. وجعلت قفزة الأسعار بعض السلع الأساسية في غير متناول كثير من اليمنيين.
وانعكس تهاوي الريال على قيمة راتب الموظف، الذي تآكل وفقد ثلثي قيمته. وقبل الحرب، كان متوسط راتب الموظف يبلغ 60 ألف ريال (280 دولارا) بسعر صرف 215 ريالا للدولار الواحد، لكن بعد ثلاث سنوات ونصف بات الراتب نفسه يساوي 100 دولار فقط، بينما قفزت الأسعار بنحو حاد.