03 نوفمبر 2024
فك ارتباط
قرار الانفصال وفك الارتباط بـ"القاعدة" الذي أعلنه، قبل أيام، أمير جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، ليس مجرّد قرار شكلي، أو تكتيكاً لتجنّب الضربات الروسية المتوقعة بعد التفاهمات الروسية- الأميركية الأخيرة في موسكو، وما نتج عنها من مطالب أميركية للفصائل المسلحة بالتمايز عن الأماكن التي يوجد فيها أعضاء "النصرة"، لكي لا يطاولها القصف المتوقع.
بالضرورة، ثمة ضغوط شديدة من الفصائل الحليفة ـل "النصرة" (خصوصاً حركة أحرار الشام التي تنضوي معها في جيش الفتح) عليها لاتخاذ القرار، بعدما ضاقت الخيارات أمامهم جميعاً، مع التحول في الموقف الدولي، إلا أنّ قرار جبهة النصرة لم يكن ليتحقّق ويُنجز، لولا وجود أسباب وعوامل أخرى، ساعدت على اتخاذه، في مقدمتها موقف "القاعدة" الأم نفسها، التي عبّدت الطريق لقيادات "النصرة" عبر البيان الذي قدمه نائب الظواهري، أحمد أبو الخير، متيحاً المجال للجولاني لإعلان الانفصال.
من زاوية أنّ القرار شكلي، وأنّ أيديولوجيا "النصرة" لن تتغير، قد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، فالتنظيم، كما ذكر الجولاني نفسه، يسعى إلى تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية، ولن يتخلى، بكبسة زر، عن جزءٍ أساسي من بنيته الأيديولوجية الصلبة. لكنّ القرار، في المقابل، بمثابة خطوةٍ أولى في صيرورةٍ جديدةٍ تمرّ بها "النصرة" و"القاعدة" على السواء، في تحولاتهما المشتركة، ولولا التحولات التي حدثت لدى تنظيم القاعدة، لما نتجت "النصرة" ابتداءً بهذه الصورة الجديدة، الأقرب إلى الطابع الشعبوي والتحالف مع الفصائل الإسلامية الأخرى.
المراجعات التي تمت داخل "القاعدة" في مرحلة الربيع العربي، وكشفت لنا وثائق أيوت آباد جزءاً كبيراً منها، هي التي أنتجت "النصرة" السورية بصيغتها الجديدة، وهي التي فتحت الباب للأخيرة للانفكاك لاحقاً عن القاعدة، وهي التي ستقود "النصرة" إلى التحولات والتكيفات اللاحقة نحو السورنة، والتوطين في المجتمع والمشهد السوري، حتى وإن كان كل منهما ("القاعدة" أو "النصرة") يريان أنّ "النصرة" ستبقى مواليةً لـ "القاعدة" ومنتميةً إلى فضائها الأيديولوجي، ومتناغمة معها استراتيجياً، لكن القرار فتح الباب لتحولاتٍ وتطوراتٍ أخرى في مسار "النصرة".
تتمثل النتيجة الأولى المتوقعة لمثل هذا القرار بتحييد أو بانشقاق الجناح المتشدّد من "النصرة"، وانحياز أعضائه إلى تنظيم الدولة، وهو أمر يهدّد بالفعل تماسك "النصرة" وصلابتها التنظيمية الداخلية، لكنه، في الوقت نفسه، يريحها من أزمةٍ رافقتها، منذ البداية، أوقعتها في هويةٍ معقدةٍ ملتبسةٍ بين الانتماءين، المحلي السوري والخارجي، في العلاقة مع "القاعدة"، ما أحدثَ إشكالية كبيرة في تعريف الجبهة، وفي تعريف أعضائها أنفسهم ومهمتهم وأدوارهم، وأوجد صراعاً داخلياً بين الجناحين، السوري والخارجي في الحركة، خصوصاً الأردنيين الذين بدأت أعداد منهم تتسّرب إلى تنظيم الدولة، ولا سيما في محافظة درعا.
اليوم بعد قرار "النصرة"، أصبحت، نظرياً، قريبةً من الخط الأيديولوجي لفصائل سلفيةٍ أخرى، وإن كانت ما تزال (أي النصرة) على خط السلفية الجهادية، لكنّها ستبدأ تأخذ طابعاً محلياً أكثر فأكثر، وستعتمد درجة انتقالها وصيرورتها في هذا المجال، وتدحرجها نحو خطٍّ واقعيٍّ أكثر اعتدالاً على المواقف الدولية والإقليمية، وعلاقتها بالفصائل السورية الأخرى.
صحيح أنّ الولايات المتحدة أعلنت أن لا شيء تغير حتى الآن، وأن "النصرة" ما تزال تعد بالنسبة لهم إرهابية، وصحيح كذلك أن القرار تأخّر كثيراً، حتى فقد الروافع الإقليمية له (خصوصاً الأتراك)، لكن حتى الإدارة الأميركية أبقت الباب موارباً قليلاً ومرتبطاً بسلوك "النصرة" في المرحلة المقبلة، ما يوجِد ولو مساحةً محدودةً جداً، تتيح لجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) التكيّف مع التحولات الجديدة، والمضي أكثر فيها.
أما "القاعدة" فمثل هذه الخطوة تمثل نقطة تحولٍ كبيرةٍ في مسارها أيضاً، وضمن الصراع التراجيدي بينها وبين تنظيم الدولة، وربما ينظر التنظيم إلى أنّ شيخها (القاعدة) أيمن الظواهري خسر رهانه على "النصرة"، وأن ما يحدث يقوّي التنظيم عالمياً، بوصفه حامل مشروع الجهادية العالمية، ويضعف "القاعدة"، وذلك صحيح مبدئياً، لكن ما حدث، في الوقت نفسه، يعزّز ويجذّر من التحولات التي تمر بها "القاعدة" التي بدأت مع أسامة بن لادن، وتحمّل احتمالاتٍ كبيرة، من بينها استقلال المنظمات والفصائل المختلفة التابعة لها، وربما اختفاء "القاعدة" راعياً لهذه المنظمات لاحقاً.
بالضرورة، ثمة ضغوط شديدة من الفصائل الحليفة ـل "النصرة" (خصوصاً حركة أحرار الشام التي تنضوي معها في جيش الفتح) عليها لاتخاذ القرار، بعدما ضاقت الخيارات أمامهم جميعاً، مع التحول في الموقف الدولي، إلا أنّ قرار جبهة النصرة لم يكن ليتحقّق ويُنجز، لولا وجود أسباب وعوامل أخرى، ساعدت على اتخاذه، في مقدمتها موقف "القاعدة" الأم نفسها، التي عبّدت الطريق لقيادات "النصرة" عبر البيان الذي قدمه نائب الظواهري، أحمد أبو الخير، متيحاً المجال للجولاني لإعلان الانفصال.
من زاوية أنّ القرار شكلي، وأنّ أيديولوجيا "النصرة" لن تتغير، قد يكون ذلك صحيحاً جزئياً، فالتنظيم، كما ذكر الجولاني نفسه، يسعى إلى تحكيم الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية، ولن يتخلى، بكبسة زر، عن جزءٍ أساسي من بنيته الأيديولوجية الصلبة. لكنّ القرار، في المقابل، بمثابة خطوةٍ أولى في صيرورةٍ جديدةٍ تمرّ بها "النصرة" و"القاعدة" على السواء، في تحولاتهما المشتركة، ولولا التحولات التي حدثت لدى تنظيم القاعدة، لما نتجت "النصرة" ابتداءً بهذه الصورة الجديدة، الأقرب إلى الطابع الشعبوي والتحالف مع الفصائل الإسلامية الأخرى.
المراجعات التي تمت داخل "القاعدة" في مرحلة الربيع العربي، وكشفت لنا وثائق أيوت آباد جزءاً كبيراً منها، هي التي أنتجت "النصرة" السورية بصيغتها الجديدة، وهي التي فتحت الباب للأخيرة للانفكاك لاحقاً عن القاعدة، وهي التي ستقود "النصرة" إلى التحولات والتكيفات اللاحقة نحو السورنة، والتوطين في المجتمع والمشهد السوري، حتى وإن كان كل منهما ("القاعدة" أو "النصرة") يريان أنّ "النصرة" ستبقى مواليةً لـ "القاعدة" ومنتميةً إلى فضائها الأيديولوجي، ومتناغمة معها استراتيجياً، لكن القرار فتح الباب لتحولاتٍ وتطوراتٍ أخرى في مسار "النصرة".
تتمثل النتيجة الأولى المتوقعة لمثل هذا القرار بتحييد أو بانشقاق الجناح المتشدّد من "النصرة"، وانحياز أعضائه إلى تنظيم الدولة، وهو أمر يهدّد بالفعل تماسك "النصرة" وصلابتها التنظيمية الداخلية، لكنه، في الوقت نفسه، يريحها من أزمةٍ رافقتها، منذ البداية، أوقعتها في هويةٍ معقدةٍ ملتبسةٍ بين الانتماءين، المحلي السوري والخارجي، في العلاقة مع "القاعدة"، ما أحدثَ إشكالية كبيرة في تعريف الجبهة، وفي تعريف أعضائها أنفسهم ومهمتهم وأدوارهم، وأوجد صراعاً داخلياً بين الجناحين، السوري والخارجي في الحركة، خصوصاً الأردنيين الذين بدأت أعداد منهم تتسّرب إلى تنظيم الدولة، ولا سيما في محافظة درعا.
اليوم بعد قرار "النصرة"، أصبحت، نظرياً، قريبةً من الخط الأيديولوجي لفصائل سلفيةٍ أخرى، وإن كانت ما تزال (أي النصرة) على خط السلفية الجهادية، لكنّها ستبدأ تأخذ طابعاً محلياً أكثر فأكثر، وستعتمد درجة انتقالها وصيرورتها في هذا المجال، وتدحرجها نحو خطٍّ واقعيٍّ أكثر اعتدالاً على المواقف الدولية والإقليمية، وعلاقتها بالفصائل السورية الأخرى.
صحيح أنّ الولايات المتحدة أعلنت أن لا شيء تغير حتى الآن، وأن "النصرة" ما تزال تعد بالنسبة لهم إرهابية، وصحيح كذلك أن القرار تأخّر كثيراً، حتى فقد الروافع الإقليمية له (خصوصاً الأتراك)، لكن حتى الإدارة الأميركية أبقت الباب موارباً قليلاً ومرتبطاً بسلوك "النصرة" في المرحلة المقبلة، ما يوجِد ولو مساحةً محدودةً جداً، تتيح لجبهة فتح الشام (النصرة سابقاً) التكيّف مع التحولات الجديدة، والمضي أكثر فيها.
أما "القاعدة" فمثل هذه الخطوة تمثل نقطة تحولٍ كبيرةٍ في مسارها أيضاً، وضمن الصراع التراجيدي بينها وبين تنظيم الدولة، وربما ينظر التنظيم إلى أنّ شيخها (القاعدة) أيمن الظواهري خسر رهانه على "النصرة"، وأن ما يحدث يقوّي التنظيم عالمياً، بوصفه حامل مشروع الجهادية العالمية، ويضعف "القاعدة"، وذلك صحيح مبدئياً، لكن ما حدث، في الوقت نفسه، يعزّز ويجذّر من التحولات التي تمر بها "القاعدة" التي بدأت مع أسامة بن لادن، وتحمّل احتمالاتٍ كبيرة، من بينها استقلال المنظمات والفصائل المختلفة التابعة لها، وربما اختفاء "القاعدة" راعياً لهذه المنظمات لاحقاً.