تولى حشمت الله فلاحت بيشه رئاسة لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني أخيراً خلفاً لعلاء الدين بروجردي الذي بقي في منصبه لـ14 عاماً. فلاحت بيشه سياسي من أكراد إيران، مثّل منطقته إسلام أباد غرب الواقعة في كرمانشاه، غربي البلاد، لثلاث دورات في مجلس الشورى الإسلامي، نجا من محاولة اغتيال تعرض لها قبل عامين، وقتل شخصان كانا برفقته، ووجهت أصابع الاتهام لحزب الحياة الحرة الكردستاني (بيجاك)، فيما اتهم فلاحت بيشه جهات خارجية بالتخطيط لذلك. الرجل معروف بتصريحاته الجدلية والصريحة، فقد انتقد أكثر من مرة السياسات الروسية ورئيس النظام السوري بشار الأسد متخوفاً من التآمر على إيران، كما يعتبر أن التفاوض مع أميركا ليس محرماً.
* التفاوض مع الولايات المتحدة الذي لا ترى أنه محظور، وأنه ممكن إذا ما حقق مصالح إيران القومية، فما هي هذه المصالح؟
الحوار بين إيران وأميركا ليس محرّماً بالفعل، وشهد العالم عليه خلال المباحثات النووية، المرشد الأعلى علي خامنئي أعلن من جهته أن التفاوض لن يحصل وأن الحرب لن تقع، ما يعني أن هذا الخيار غير متاح في الوقت الراهن ولا مع الحكومة الأميركية الحالية. سندخل في مفاوضات حين نشعر بالقدرة على طرح المواقف من منطلق قوة وهذا يعني انتصاراً دبلوماسياً، فإذا ما شعرنا مجدداً أن مصالحنا ستتحقق من خلال هذه المعادلة سندخل في الحوار.
إيران بلد يختلف عن غيره، وأميركا تدرك ذلك، إذا ما كان هناك خياران ألا وهما الحرب أو الدبلوماسية، أعتقد أن الطرفين سيتجهان في النهاية نحو الخيار الدبلوماسي، لكن ذلك سيستند لمنطق قوة إيران التي لن تدخل في الحوار لأنها ضعيفة.
* كيف ستتحقق أرضيات ذلك في ظل هذه الظروف؟
الأجواء الحالية أفضل بكثير مما كانت عليه قبل التوصل للاتفاق النووي، في السابق خضعت إيران لستة قرارات عقوبات أممية، وكان مجلس الأمن يقدم تقارير دورية حول وضع الحظر المفروض عليها. في الوقت الراهن لا يوجد أي قرار أممي يستهدفنا، بعض الأطراف ما زالت تفرض عقوبات متفرقة مرتبطة بالخزانة الأميركية، هذا يعني أنه إذا ما تصرفت إيران بالشكل الصحيح فستكون قادرة على عزل الإدارة الأميركية الحالية عن المجتمع الدولي، وأن تودع مرحلة الشيطنة والعزلة التي كانت تتعرض لها بدورها. أما عن مواجهة العقوبات الحالية فالبلاد بدأت باتباع خيارات داخلية، من قبيل الحرب على الفساد، تنظيم وتحسين الإدارة، تقوية الروابط مع الآخرين والاستفادة من العلاقات الدبلوماسية.
* التهديد النفطي الذي صدر عن الرئيس حسن روحاني سابقاً في ما يخص الرد على سيناريو تصفير صادرات إيران النفطية، هل يعني إغلاق مضيق هرمز؟ وإذا لم يكن كذلك فما سبب إجراء مناورات بحرية في تلك المنطقة أخيراً؟
حين قال روحاني إنه في حال مُنعت إيران من تصدير نفطها فالآخرون لن يكونوا قادرين على ذلك، كان يقصد أن توتر الأجواء في المنطقة سينعكس بشكل سلبي على كل من يمر نفطه عبر المضيق، ولا يعني أن طهران ستغلق المضيق بوجه الناقلات، لا يمكن لأحد أن يفصل إيران عن معادلات الإقليم. والمقصود أنه إذا حوصرت البلاد نفطياً فالأمور ستتجه نحو مشاحنات وستتعطل منطقة هرمز إثر التوتر. على مسؤولي إيران توخي الحذر وألا يصدروا تصريحات تعبّر عن التشدد، وهو ما يوقعهم في فخ المثلث الإسرائيلي الأميركي السعودي.
وفي ما يخص الشق الثاني، فالقوات المسلحة الإيرانية تجري مناورات بشكل اعتيادي ووفق برامج معدة مسبقاً، والكل يعلم أن إيران دافعت عن أمن واستقرار هرمز تاريخياً وأنها تؤمن ثلثي منطقة المياه الخليجية والمضيق، فمن الهام إجراء مناورات للتحقق من الجهوزية دائماً، وفي بعض الأحيان تشعر البلاد باحتمال وقوع تهديد ضدها في تلك المنطقة فتقوم بتطوير قدراتها واختبارها لتتناسب والتهديدات القائمة.
لا، الجهات العسكرية تصدر تصريحاتها ويتوجب عليها أن تتحدث عن قدراتها وأن تتأكد من جهوزيتها، هذا طبيعي في الساحة العسكرية، خصوصاً في معرض رد قادتها على الأطراف التي تهدد إيران، لكن على المسؤولين السياسيين أن يتحدثوا بلغة الدبلوماسية.
* الحرب الاقتصادية الأميركية التي اتسعت دائرتها وصلت اليوم إلى تركيا، شريكة طهران التجارية، كيف ستتعاملون مع ذلك؟ وهل من المحتمل تشكيل تحالف بين الأطراف التي تتعرض للضغط الأميركي الاقتصادي؟
الخطوات الاقتصادية الأميركية تتسع يوما بعد يوم وأصبحت تستهدف دولاً عدة، ومع ذلك فالإرادة السياسية لتلك الأطراف ما زالت غائبة، فالدول الخاضعة للعقوبات، من قبيل إيران وتركيا والصين وروسيا، عليها أولاً أن تسير نحو التعاون للوقوف بوجه سياسات الحظر، وإذا ما قررت هذه الأطراف أن تتحرك سياسياً فهذا قد يوصل الجميع إلى تحالف دولي مبني على الاقتصاد. هذا السيناريو إن حصل، سيزيد من قدرة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وحتى مع أميركا، لأن المشهد الدولي سيخرج من شكل وجود قوة واحدة تدير الجميع وتتحكم بالأمور.
* البرلمان كان قد صوّت على قانون يكلّف الحكومة بالرد على انتهاك الاتفاق النووي، وهو ما حصل مرات عدة وفقاً للإدارة الإيرانية، هل من المتوقع اتخاذ خطوات حقيقية في هذا الصدد؟
تتابع لجنة الأمن القومي مع وزارة الخارجية وضع الاتفاق النووي دائماً، وسيقوم أعضاؤها بتفقد المنشآت النووية. لقد خُرق الاتفاق وانتهكت بنوده مرات عدة من قبل الآخرين. ما نفعله أننا نقدم تقريراً حول ذلك، لكن اتخاذ القرار يشمل مستويات أوسع، ولدى بعض أعضاء لجنة الأمن القومي تحفظات ووجهات نظر مختلفة، أرى من جهتي أنه على إيران أن تحافظ على الاتفاق النووي.
الحزمة ليست سرية وتم التأكيد فيها على ضرورة استمرار شراء النفط والغاز الإيراني، وتنمية الحقول، والسماح بالحصول على العائدات، وجذب التقنيات والاستثمارات وضمان التعاون المصرفي والمالي مع البلاد. كل ما طرح فيها كان مذكوراً بشكل عام. ما يريده المسؤولون هو أن تتحول الحزمة إلى خطة عمل واضحة، فكما يحوّل الأميركيون تهديدهم إلى واقع عملي وببرنامج زمني دقيق، يتوجب على الأوروبيين ضمان مواجهة ذلك عبر وضع جدول زمني للحزمة التي يجب أن تكون موضوعية وعملية. الأوروبيون بدأوا بمناقشة المقترحات بشكل تفصيلي مع عودة العقوبات الأميركية لإيران الأسبوع الماضي، وهو ما يعني مصداقيتهم، نحن نرحب بهذه الخطوة، لكننا ما زلنا نصنفها كخطوة غير مكتملة.
* إلى أي حد تعولون على أوروبا وقدرتها على تحقيق مطالب طهران في ظل وجود تهديدات أميركية باستهداف المتعاونين معكم اقتصادياً؟
أعتقد أن كل الدول تتحرك في علاقاتها وفق مصالحها القومية، الاتحاد الأوروبي يدرك أن استقرار إيران يعني عدم حصول أزمات ونزاعات جديدة تتسبب بدورها بزيادة التسلح وتصدير الإرهاب وخلق موجات هجرة جديدة. هذا ما حرّك بوصلة مصالح إيران وأوروبا نحو بعضهما البعض، وتجاوزت العلاقة مسألة التعاون الاقتصادي. أعتقد أن الحوار مع أوروبا والتعاون معها سيستمران، فالمستقبل يتطلب ذلك وأن تتعامل إيران مع العالم من دون أميركا التي يتوجب عليها مراجعة سلوكها والانضمام للموجة ذاتها.
* بالتالي هل نتوقع حواراً إيرانياً أوروبياً حول عناوين إقليمية ودور إيران فيها والذي ينتقده كثر؟
نعم، إيران متعاونة وترحب بالتعاون حول مسائل المنطقة مثل اليمن، لقد حاورنا الأوروبيين حتى يؤدوا دوراً مؤثراً في تلك الساحة، ونحن الذين قدمنا المبادرة وفتحنا هذه القناة بوجه الأوروبيين، وعلى الآخرين أن يتنبهوا لهذا التحرك.
لا أعتقد أن روسيا تقوم بالألاعيب حالياً، لكن هناك واقعاً مفاده أن كل طرف يلاحق مصالحه، طهران وموسكو تقاربتا أكثر بسبب ملف طرف ثالث، وتطورت العلاقات لأسباب ترتبط بكليهما، هذا وحده ليس كافياً. على إيران أن تلاحق مصالحها أيضاً، وألا تحصر تعاملاتها مع روسيا التي تتعامل بدورها مع أطراف مختلفة، على إيران كذلك أن تحذر وألا تربط مصيرها بجهة واحدة على كل المستويات وأن تتحرك نحو أطراف مختلفة.
العتب الموجه للرئيس السوري بشار الأسد يتعلق بمواقف صرّح بها سابقاً، فطالب بعدم جر نزاع بعض الأطراف للداخل السوري وكان المقصود إسرائيل التي تستهدف إيران في سورية، لكنه عاد وعدّل موقفه. أعتقد أن الأسد يعلم أن إيران هي حليفه الاستراتيجي الوحيد والذي وقف بوجه تقسيم بلاده، ويسعى اليوم للحفاظ على العلاقات معه.
* الاتفاق الأخير في كازاخستان حول بحر قزوين، والذي أشعل خلافاً جديداً وانتقادات لروسيا في الداخل الإيراني، بسبب تأكيد تقسيم البحر وأعماقه وتوزيع ثرواته وفقاً للبعض، وخسارة إيران لحصتها المرجوة، بينما أكدت الخارجية الإيرانية وجود ملفات عالقة ستطرح لاحقاً ونفت التقسيم، ما الذي حصل وما موقفكم من ذلك؟
لم يحضر ممثل من لجنة الأمن القومي في هذا الاجتماع وكان من المفترض أن يحضر أحد الأعضاء. في الحقيقة، المسؤولون الإيرانيون أكدوا عدم التقسيم وسيعقد البرلمان جلسة مع وزير الخارجية لنطلع على التطورات عن كثب. بحر قزوين وتقسيمه والمسائل القانونية المتعلقة به، كلها عناوين ترتبط بملف الحدود الايرانية، هذا أمر محكوم بالدستور ويحتاج لرأي البرلمان الإيراني ولا يمكن صكه من دون الرجوع إليه، سنطلب تقريراً من الخارجية وسنتصرف على أساسه، كل ما وصلنا حتى الآن هو ما تم تداوله في وسائل الإعلام.
نسعى حالياً في لجنة الأمن القومي لتخفيف حدة التوتر السياسي بين إيران والآخرين، ولدينا مشكلات دبلوماسية مع هذه الدول الثلاث. نحن جميعاً محكومون بضرورة التعاون، زرنا السفارة المصرية في طهران أخيراً ونسعى في البرلمان لتحقيق التقارب والتقليل من التشنجات. الحكومة الإيرانية من جهتها تتخذ إجراءات أخرى وسترسل وفوداً إلى دول المنطقة لتبحث وإياهم مواضيع التعاون ومسألة العقوبات النفطية الأميركية التي ستصل إيران بعد فترة، وهذا بهدف القيام بإجراءات للتحكم بتبعات العقوبات بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي.
* إيران متهمة بالتدخل في شؤون دول عربية وإقليمية، كيف يمكن لكم أن ترمموا العلاقات إذا لم تحل هذه النقطة؟
معنى التدخل يختلف كثيراً عن معنى توجيه دعوة لإيران لمساعدة إحدى الدول، ومع ذلك لا أؤمن من جهتي بوجود أي أزمة عصية على الحل، لا يوجد ما لا يمكن التفاهم حوله بين إيران والسعودية والإمارات وغيرها، لذا نقترح أن ندخل جميعاً في حوار.
* تصريحات رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تسببت بإحباط إيراني كونها لوحت بالتزامه بالعقوبات الأميركية على طهران رغم رفضه لمبدئها وانتقاده لها، ما موقفكم من ذلك، وهل بالفعل تم إلغاء زيارته لطهران لهذا السبب؟
العبادي أصدر أكثر من تصريح وحاول تعديل موقفه الذي لاقى انتقادات إيرانية وحتى عراقية، باعتقادي موقفه ذاك يرتبط بمعادلات داخلية عراقية وبمسألة تشكيل الحكومة المرتقبة. لا أظن أن العراق سيقبل مسألة العقوبات على إيران عملياً ونظرياً، فهذا غير قابل للتحقق، أما في ما يتعلق بزيارته لإيران فقد وصلتنا المعلومات ذاتها التي تتداولها وسائل الإعلام، سمعنا أولاً أنه آت ووصلنا بعدها أن الزيارة قد ألغيت.
لا شك في أن البعض يحصل على مساعدات للقيام بعمليات في الداخل الإيراني يذهب ضحيتها جنود وحرس الحدود، وكلهم لا ذنب لهم. لا يمكن لنا أن ندعم هذه العمليات، وهناك دول تدعم هذه التوجهات، أما عن توجيه ضربات عسكرية فلا علم لدي بذلك، ولكنني أعلم أن بعض المجموعات الإرهابية نشطة على ذاك الشريط الحدودي وتدخل إلى إيران عبره.
* ما سبب استمرار إغلاق بعض المنافذ الحدودية بين إيران وكردستان العراق رغم أن البلاد أعلنت أن الأمور ستعود لحالها منذ مدة وهو ما يترك تأثيراً على الحركة التجارية ويعطل الكثير من الأمور؟
فتحت مناطق محددة وجزئية من الحدود في تلك المناطق، بعضها الآخر سيفتح قريباً، العامل الرئيس الذي يعطل هذا الأمر يتعلق بخلافات بين إقليم كردستان وأطراف كردية من جهة، وحكومة بغداد من جهة أخرى.
* في ملف داخلي، ماذا حل بقضية إلغاء الإقامة الجبرية عن رموز الحركة الخضراء إثر احتجاجات عام 2009؟ يدور الحديث منذ مدة عن حصول تطورات وأن مجلس الأمن القومي وافق على إطلاق سراحهم لكن الانفراجة لم تحصل بعد، فما السبب؟
هذا الملف موجود على طاولة المجلس الأعلى للأمن القومي وصدور القرار الخاص به من صلاحياته وحسب. تابعت بشكل شخصي وبصفة غير رسمية هذه القضية، أؤكد لكم صدور قرار بحق زهرا رهنورد، زوجة زعيم الحركة مير حسين موسوي، وقد ألغيت الإقامة الجبرية المفروضة عليها بالفعل، أما في ما يخص هذا الأخير ومهدي كروبي، فالتطورات الحقيقية تتعلق بصدور قرار يسمح لأقاربهم الراغبين بزيارتهم بأن يلتقوهم في مقر إقامتهم، وكل ما يتعلق بشأن أوسع من ذلك لم يصدر بعد.