حلّت في منتصف هذا الشهر الذكرى المتعارف والمتفق عليها لبداية نكبة الشعب الفلسطيني المستمرة، هذا إن كان المتفق أساساً على بدايتها في منتصف القرن العشرين، إذ كثرت وتكالبت نكبات هذه الأرض العربية منذ ما قبل مطلع القرن العشرين، ولكن فيما يختص ببدء الإعلان عن كيان المشروع الصهيوني في فلسطين دولة، وتقديم الاعتراف الدولي، متمثلاً باعتراف الأمم المتحدة وغالبية الدول الأعضاء بهذه البنية الاستعمارية الإحلالية دولة، كاملة الحقوق معفية من الواجبات، كانت البداية للنكبة الفلسطينية المستمرة من هناك، وكذلك للتغريبة ذات النهايات غير المعلومة لمئات آلاف من الفلسطينيين أمسوا بالملايين اليوم.
لا تمثل إسرائيل حالة استعمار كلاسيكي لبقعة عربية تسمى فلسطين فقط، بل تتجاوز الحالة الاستعمارية، لتدخل في معادلة صياغة الاحتلال الاستيطاني والبنية الدولتية العنصرية، التي تعتمد الفصل العنصري ضد من تبقى من عرب فلسطين، بعد أن أبادت ما أبادت، وهجرت ونفت من طردت من فلسطين قسرياً.
وإذ نقف أمام حالة قديمة معاصرة في آن، بل يصح القول إنها مستمرة، والتشظي والشتات الذي خلقته وتخلقه مستمر، فيتوجب الانتباه أن تمثيلات هذه الحالة وامتدادتها لا تطال الفلسطيني فقط، وكذلك ليس العربي فقط، بل تمتد لتشمل كل من هو موجود في هذا المدى، وليس مصادفة أن يكون هذا الموجود فوق رقعة النقمة الشرق أوسطية، متناحراً على تعدديته وتفرده وخصوصيته العرقية والدينية والطائفية، بل والثقافية، في ظل وجود هكذا بنية استعمارية بين ظهراني طبوغرافيته وجغرافيته السياسية والطبيعية. ولا نخال "فرّقْ تسدْ" حكمة أو مقولة قروسطية بادت أو زال مفعولها.
لكن، ما يهم، والأنكى أن يكون في المقلب المقابل، حالة شتات ليس فقط نتيجة الفعل الاستعماري، بل وحالة شتات حول الفعل المضاد للاستعمار، وأن يكون كل هذا البون والتباين سائداً حول المقاومة مقولة وفعلاً وهوية. وهذه الحالة، ضمن المصفوفة الإقليمية وانعكاساتها الاجتماعية السياسية ليست بالمستغربة قط. خاصة أن الافتراق في الخنادق واقع بين من يحملون المقاومة شعاراً خطابياً، وبين من يمارسونها غاية ووسيلة مترابطتين ضمن بوصلة التحرر من العبودية والنظر إلى الظلم بمنظار واحد.
ومن هنا يبدأ البون بالاتضاح، بين من يحمل فلسطين أهزوجة ومبرراً لقتل شعبه وناسه، وللتدخل ضد ثورات الشعوب العربية بداعي حماية المقاومة والحرص على أن لا يطال لوجستيات هذه المقاومة ضير نتيجة مطالبة الناس بحريتها وحرصها على كرامتها، وبين من أفلح في المزج بين معطى الكرامة والحرية والديمقراطية وكذلك رفض الاستعمار والظلم من الغريب والقريب معاً.
وعندما تتحول القضايا الكبرى شعارات تكتيكية في خدمة أنظمة وبنى سياسية لا قضايا تفصيلية تصب في منحى العدالة المؤسس للاصطفاف في خندق القضايا الكبرى، هنا يتوجب استحضار العلم والتاريخ، بل والأخلاق الإنسانية قبل كل شيء، فكيف لرفض قتل شعب وتجريده حق تقرير مصيره بحرية واستقلال أن يكون قائماً على سلب الحق عينه من شعب آخر شقيق، وكيف للحرية ولرفض القهر أن تتكئ على القهر وقمع الحرية.
لا يمكن أن نكون مع فلسطين ونحن بممارستنا وأفعالنا واصطفافاتنا ضد الشعوب العربية، وهي الحاضن الأول لفلسطين وأهلها، لا الأنظمة ولا أساطيرها، ولا يمكن أن نكون ضد الاستعمار والظلم في مكان، وأن نكون معه في موضع آخر، كيف لنا أن نرفض قتل الغزّي، ونقبل قتل الحلبي أو الحمصي، كيف لنا أن نرفض اعتقال الفلسطيني، ونقبل إعدام المصري. عفواً.. لكن الحرية لا تتجزأ، وكذلك الكرامة الإنسانية، فمن يكن مع فلسطين إنما هو مع حرية العرب، ومن هو على التضاد مع دولة مواطنة ومجتمع حر يعيش فيه العرب، فهو بالضرورة مسخر في خدمة دولة استعمار وقهر تغلي نارها حلوق الفلسطينيين في نكبتهم المستمرة، حسبنا أن تكون فلسطين حجّة ومُحاججة.
راسلونا على: jeel@alaraby.co.uk
لا تمثل إسرائيل حالة استعمار كلاسيكي لبقعة عربية تسمى فلسطين فقط، بل تتجاوز الحالة الاستعمارية، لتدخل في معادلة صياغة الاحتلال الاستيطاني والبنية الدولتية العنصرية، التي تعتمد الفصل العنصري ضد من تبقى من عرب فلسطين، بعد أن أبادت ما أبادت، وهجرت ونفت من طردت من فلسطين قسرياً.
وإذ نقف أمام حالة قديمة معاصرة في آن، بل يصح القول إنها مستمرة، والتشظي والشتات الذي خلقته وتخلقه مستمر، فيتوجب الانتباه أن تمثيلات هذه الحالة وامتدادتها لا تطال الفلسطيني فقط، وكذلك ليس العربي فقط، بل تمتد لتشمل كل من هو موجود في هذا المدى، وليس مصادفة أن يكون هذا الموجود فوق رقعة النقمة الشرق أوسطية، متناحراً على تعدديته وتفرده وخصوصيته العرقية والدينية والطائفية، بل والثقافية، في ظل وجود هكذا بنية استعمارية بين ظهراني طبوغرافيته وجغرافيته السياسية والطبيعية. ولا نخال "فرّقْ تسدْ" حكمة أو مقولة قروسطية بادت أو زال مفعولها.
لكن، ما يهم، والأنكى أن يكون في المقلب المقابل، حالة شتات ليس فقط نتيجة الفعل الاستعماري، بل وحالة شتات حول الفعل المضاد للاستعمار، وأن يكون كل هذا البون والتباين سائداً حول المقاومة مقولة وفعلاً وهوية. وهذه الحالة، ضمن المصفوفة الإقليمية وانعكاساتها الاجتماعية السياسية ليست بالمستغربة قط. خاصة أن الافتراق في الخنادق واقع بين من يحملون المقاومة شعاراً خطابياً، وبين من يمارسونها غاية ووسيلة مترابطتين ضمن بوصلة التحرر من العبودية والنظر إلى الظلم بمنظار واحد.
وعندما تتحول القضايا الكبرى شعارات تكتيكية في خدمة أنظمة وبنى سياسية لا قضايا تفصيلية تصب في منحى العدالة المؤسس للاصطفاف في خندق القضايا الكبرى، هنا يتوجب استحضار العلم والتاريخ، بل والأخلاق الإنسانية قبل كل شيء، فكيف لرفض قتل شعب وتجريده حق تقرير مصيره بحرية واستقلال أن يكون قائماً على سلب الحق عينه من شعب آخر شقيق، وكيف للحرية ولرفض القهر أن تتكئ على القهر وقمع الحرية.
لا يمكن أن نكون مع فلسطين ونحن بممارستنا وأفعالنا واصطفافاتنا ضد الشعوب العربية، وهي الحاضن الأول لفلسطين وأهلها، لا الأنظمة ولا أساطيرها، ولا يمكن أن نكون ضد الاستعمار والظلم في مكان، وأن نكون معه في موضع آخر، كيف لنا أن نرفض قتل الغزّي، ونقبل قتل الحلبي أو الحمصي، كيف لنا أن نرفض اعتقال الفلسطيني، ونقبل إعدام المصري. عفواً.. لكن الحرية لا تتجزأ، وكذلك الكرامة الإنسانية، فمن يكن مع فلسطين إنما هو مع حرية العرب، ومن هو على التضاد مع دولة مواطنة ومجتمع حر يعيش فيه العرب، فهو بالضرورة مسخر في خدمة دولة استعمار وقهر تغلي نارها حلوق الفلسطينيين في نكبتهم المستمرة، حسبنا أن تكون فلسطين حجّة ومُحاججة.
راسلونا على: jeel@alaraby.co.uk