عام آخر جديد يضاف لسنوات الانقسام الفلسطيني ولا يبدو في الأفق ما يوحي بأننا كفلسطينيين قريبون من المصالحة، لا سيما بعدما تلاشى الحديث عن مبادرة الفصائل الفلسطينية الثمانية للمصالحة والتي قُدمت في أيلول/ سبتمبر الماضي، كآخر محاولات المصالحة؛ وحل محلها الحديث عن الانتخابات التي بدت كما لو أنها مسار آخر للانقسام ليبدأ التراشق أيهما أولا الانتخابات الرئاسية أم التشريعية أم كلاهما معا؟ وعندما نتفق نعود للسؤال أي الطرق أفضل وأي النسب نعتمد، أنذهب بالقائمة أم بالنسبة؟
الاستغراق في التفاصيل
هكذا حتى غرق المشهد الفلسطيني في تفاصيل الانتخابات واخُتصرت كل الحكايات في إجراء الانتخابات وعدمها، وبات الشغل الشاغل أين المرسوم الرئاسي كأبرز هاشتاغ يُنهي به الفلسطينيون عامهم، وفي أفضل الأحوال وأعمقها يُستدعى سيناريو هل يمكن إجراء الانتخابات في القدس، وهل توافق إسرائيل على إجراء الانتخابات هناك، ويغيب السؤال كيف نوقف ما يحدث في القدس كيف نتصدى لممارسات الاحتلال؟ ويتقدم ويُقدم موضوع الانتخابات كما لو أنه هو كل الشرعيات، وكأن موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات ستوقف كل الاعتداءات.
مقابل ذلك يُدرك الوعي الفلسطيني بحسه وحدسه أن الحديث عن الانتخابات مجرد هروب من الاستحقاقات الوطنية الكبيرة والكثيرة، وهذه معادلة يكشفها أخر استطلاع للرأي، أعده المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في الفترة ما بين 11 -14 كانون الأول /ديسمبر 2019، ووفقا لنتائج الاستطلاع، فإن ما نسبته 64% يرون أنه لن يكون ممكنا للقوائم الانتخابية كافة، وخاصة قائمة حماس أن تجري حملتها الانتخابية في الضفة الغربية دون قيود من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فيما يشكك 42% من الفلسطينيين بنزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة.
بل إن الجمهور الفلسطيني وفق الاستطلاع يرى أنه لا يمكن لأي حكومة تفرزها الانتخابات المقبلة أن تحل المجموعات المسلحة في قطاع غزة وجمع سلاحها، لأن الحفاظ على هذا السلاح أهم من الشرعية الانتخابية من وجهة نظر الجمهور.
وما بين انتخابات تشريعية وانتخابات رئاسية؛ نعود بين الفينة والأخرى لنتراشق إعلاميا حول تبعات المستشفى الميداني الأميركي بغزة ويُشيطن بعضنا بعضا ولا نلتفت للمسافات التي تبعدنا أكثر. والتآكل الذي تتعرض له القضية الفلسطينية بشكل أكبر.
كثيرة هي التساؤلات التي بحث لها الفلسطينيون عن إجابات طوال هذا العام، الذي انتهى دون مصالحة ودون انتخابات أيضا، على الرغم من أن الأصل أن تكون الانتخابات أداة تداول ومؤشرا لتحول ديمقراطي يُسفر عن استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي، هذا لم يحدث وغادرنا العام بعام جديد من الانقسام. وبمصالحة تراوح مكانها وبأفق لا يبدو فيه أننا قريبون من الانتخابات، حتى خيار التسوية الذي راهن عليه البعض واتخذه كخيار استراتيجي وحيد لا يبدو هو الآخر أنه قادر على تقديم إجابات أو تحريك مسارات. والوسيط الأميركي لم يعد وسيطا بقدر ما بدا منحازا للاحتلال حد التماهي معه.
الأرض والإنسان
لا يُراد هنا استحضار اليوميات الفلسطينية طوال العام وتفاصيلها، بقدر ما نسعى لتقديم قراءة في الوقائع التي شهدها العام علها تنجح في تقديم توصيف موضوعي للمشهد الفلسطيني في عام مُنته، وتقدم رؤية ممكنة لاستشراف عام قادم. وهنا نكتفي بالتوقف عند قضيتين مركزيتين تتعلقان بالأرض والإنسان؛ ونقصد الأسرى والاستيطان.
في الاستيطان يُشير التقرير الأخير الذي عرضه الأمين العام للأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، تزايد الاستيطان في عام 2019 بمعدل أعلى من العامين الماضيين. وتُشير المعلومات والمعطيات التي ترصد موازنات الاستيطان في الضفة الغربية، إلى ارتفاع نسب الأموال التي ضخت من أجل تصعيد الاستيطان. بل إن الميزانيات التي استثمرتها الحكومة الإسرائيلية في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس بلغت 390 مليون شيكل (107 ملايين دولار) في الربع الأول من العام 2019، وفقا لمعطيات زودتها الحكومة لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية وللإدارة الأميركية.
وقبل أن يُسدل الستار على العام 2019 بأيام يُظهر تقرير رسمي فلسطيني أن جرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين كانت الأكثر حدة خلال العام 2019، حيث سجل 256 هجوماً، من بينها 50 نفذتها عصابات "تدفيع الثمن". وقال التقرير الذي نشره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن هذه الهجمات رافقتها تصريحات ومواقف من قادة الاحتلال ومسؤولين حكوميين، والتي وفّرت الأجواء للمستوطنين وأعطتهم الضوء الأخضر لارتكاب المزيد بحق الفلسطينيين، وبما أن المشهد في إسرائيل ذاهب لانتخابات ثالثة فإن الهجمات ستستمر، فدوما كانت الأرض الفلسطينية والإنسان الفلسطيني هما رافعة المزاد السياسي عند أي انتخابات إسرائيلية، ما يعني أن العام الجديد القادم لن يكون أوفر حظا.
لم يكن حظ الإنسان الفلسطيني أفضل حالا من أرضه وفي حين كنا نستغرق في تفاصيل الانتخابات والمبادرات والمناكفات كانت إسرائيل تستفرد بالأسرى الفلسطينيين في سجونها، ومن أجهزة التشويش ومنع الزيارات وتفتيش الغرف، والتنقلات المفاجئة بين المعتقلات والإهمال الطبي المتعمد، قتلت خلال العام 2019 خمسة أسرى معتقلين لديها يضافون لشهداء الحركة الأسيرة.
وهؤلاء الأسرى الشهداء هم الأسير فارس بارود، من غزة، الذي قتله الاحتلال على مدار 28 عاماً من الاعتقال والإهمال الطبي، وقد استشهد في السادس من فبراير/ شباط 2019. وفي 27 إبريل/ نيسان 2019، أطلق الاحتلال النار على الشاب عمر عوني يونس (20 عاما)، من قلقيلية، واعتقله وأبقى على احتجازه خلال وجوده في المستشفى، ولم يسمح لعائلته بزيارته، إلى أن أُعلن عن استشهاده. وفي تاريخ 16 يوليو/ تموز 2019، استشهد الأسير نصار ماجد طقاطقة (31 عاماً)، من محافظة بيت لحم، بعد تعرضه للتعذيب في مركزي تحقيق "المسكوبية" من قبل المحققين الإسرائيليين، ما أدى إلى استشهاده في معتقل "نيتسان الرملة". وفي تاريخ الثامن من سبتمبر/ أيلول 2019، استشهد الأسير بسام السايح (46 عاماً)، من نابلس، بعد تعرضه لعملية قتل بطيء استمرت منذ اعتقاله عام 2015، إذ اعتقله الاحتلال وهو مصاب بالسرطان. وفي 26 نوفمبر 2019 استشهد الأسير سامي أبو دياك (36 عامًا)، بعد عملية قتل بطيء استمرت منذ عام 2015، إذ تعرض لخطأ طبي عقب خضوعه لعملية جراحية في مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي. هؤلاء هم الشهداء الأسرى فقط ولم نأت على ذكر واقع أكثر من خمسة آلاف أسير ما زالوا يقبعون في السجون الإسرائيلية ليضاف لأعمارهم عام جديد من الأسر.
تجاوز التحديات
قد يبدو من حصاد ما سبق في العام أن المشهد الفلسطيني قد قبل بالاحتلال وأقر به وتعايش معه، وان المعطيات كانت لصالح الاحتلال وممارساته، وقد يقول البعض إن العام كان عام الاستيطان والتهويد والأسر والاعتقال، ويتساءل أين الفعل الفلسطيني المشتبك مع الاحتلال، وهذا تساؤل مشروع لا سيما في ظل ما شهدته الساحة الفلسطينية طوال العام 2019.
الاستغراق في تفاصيل الانتخابات ومقتضياتها وإمكانية إجرائها من عدمها، والبقاء في مربع الانقسام الذي يراوح مكانه، لم يمنعا تكون وتبلور فعل فلسطيني آخر يُكمل المشهد ويواجه الاحتلال ربما بمعطيات غير مسبوقة أيضا وربما كانت مفاجئة للاحتلال والمتابعين، ففي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، ضبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية خلية عسكرية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وتحديدا في محافظة طولكرم وكانت الخلية قد بدأت في تصنيع صواريخ بدائية، وقد وجد بحوزتها أنبوب مجوف وكميات من مسحوق نترات البوتاسيوم.
لم يكن هذا المؤشر الوحيد الذي يوفر قراءة استشرافية للمشهد الفلسطيني، فعندما قامت إسرائيل باغتيال بهاء أبو العطا من قادة سرايا القدس بغزة، خرجت حركة الجهاد الإسلامي في معركة صيحة الفجر فأدخلت إسرائيل في منع تجول عطلت بموجبه المدارس ونصف الحياة توقفت، وهذه غزة التي يُحاصرها الاحتلال ويعد أنفاس سكانها قد خرجت لتثبت قواعد الاشتباك وترسم ملامح مشهد فرضيته الأساسية ماذا لو خرجت كل فصائل المقاومة مجتمعة، ولم تكن الجبهة الشعبية لتقبل أن ينتهي العام دون أن تُسجل حضورها ففي الثلث الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأول وتحديدا في اليوم الثامن عشر أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن اعتقال خلية نوعية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية المحتلة.
ضبط الخلية تم في ضوء معطيات أمنية إسرائيلية تقول إنه يصعب تشكيل خلايا عسكرية في الضفة، فكانت خلية الشعبية بعد خلية الجهاد الإسلامي وما قبلهما من خلايا عسكرية لحماس، وهو ما يعني أن هناك قدرة فلسطينية قادرة رغم كل المعيقات والتحديات على اختراق الإجراءات الأمنية الإسرائيلية حتى وإن كانت بالتنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، بل وتعكس هذه الخلايا إصرارا على العمل والتمكين والاختفاء والتمويل والتجهيز والتشكيل. وإن ما تراه إسرائيل هو الجزء الظاهر من جبل الجليد بينما هناك جزء يرسم ويخطط ويعمل لتشكيل خلايا مستقبلية تتجهز لتقول إن الاشتباك هو الأصل في المشهد الفلسطيني وإن الهدنة أو التهدئة هي الاستثناء. سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
قد ينتهي هذا العام الجديد أيضا دون مصالحة ودون انتخابات؛ لكن المعطيات تقول إن كل التحولات والمتغيرات لن توقف الاشتباك مع الاحتلال، وهو ما يرسم واحداً من أبرز ملامح العام 2020.
الاستغراق في التفاصيل
هكذا حتى غرق المشهد الفلسطيني في تفاصيل الانتخابات واخُتصرت كل الحكايات في إجراء الانتخابات وعدمها، وبات الشغل الشاغل أين المرسوم الرئاسي كأبرز هاشتاغ يُنهي به الفلسطينيون عامهم، وفي أفضل الأحوال وأعمقها يُستدعى سيناريو هل يمكن إجراء الانتخابات في القدس، وهل توافق إسرائيل على إجراء الانتخابات هناك، ويغيب السؤال كيف نوقف ما يحدث في القدس كيف نتصدى لممارسات الاحتلال؟ ويتقدم ويُقدم موضوع الانتخابات كما لو أنه هو كل الشرعيات، وكأن موافقة إسرائيل على إجراء الانتخابات ستوقف كل الاعتداءات.
مقابل ذلك يُدرك الوعي الفلسطيني بحسه وحدسه أن الحديث عن الانتخابات مجرد هروب من الاستحقاقات الوطنية الكبيرة والكثيرة، وهذه معادلة يكشفها أخر استطلاع للرأي، أعده المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في الفترة ما بين 11 -14 كانون الأول /ديسمبر 2019، ووفقا لنتائج الاستطلاع، فإن ما نسبته 64% يرون أنه لن يكون ممكنا للقوائم الانتخابية كافة، وخاصة قائمة حماس أن تجري حملتها الانتخابية في الضفة الغربية دون قيود من الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فيما يشكك 42% من الفلسطينيين بنزاهة الانتخابات التشريعية المقبلة.
بل إن الجمهور الفلسطيني وفق الاستطلاع يرى أنه لا يمكن لأي حكومة تفرزها الانتخابات المقبلة أن تحل المجموعات المسلحة في قطاع غزة وجمع سلاحها، لأن الحفاظ على هذا السلاح أهم من الشرعية الانتخابية من وجهة نظر الجمهور.
وما بين انتخابات تشريعية وانتخابات رئاسية؛ نعود بين الفينة والأخرى لنتراشق إعلاميا حول تبعات المستشفى الميداني الأميركي بغزة ويُشيطن بعضنا بعضا ولا نلتفت للمسافات التي تبعدنا أكثر. والتآكل الذي تتعرض له القضية الفلسطينية بشكل أكبر.
كثيرة هي التساؤلات التي بحث لها الفلسطينيون عن إجابات طوال هذا العام، الذي انتهى دون مصالحة ودون انتخابات أيضا، على الرغم من أن الأصل أن تكون الانتخابات أداة تداول ومؤشرا لتحول ديمقراطي يُسفر عن استقرار سياسي واجتماعي واقتصادي، هذا لم يحدث وغادرنا العام بعام جديد من الانقسام. وبمصالحة تراوح مكانها وبأفق لا يبدو فيه أننا قريبون من الانتخابات، حتى خيار التسوية الذي راهن عليه البعض واتخذه كخيار استراتيجي وحيد لا يبدو هو الآخر أنه قادر على تقديم إجابات أو تحريك مسارات. والوسيط الأميركي لم يعد وسيطا بقدر ما بدا منحازا للاحتلال حد التماهي معه.
الأرض والإنسان
لا يُراد هنا استحضار اليوميات الفلسطينية طوال العام وتفاصيلها، بقدر ما نسعى لتقديم قراءة في الوقائع التي شهدها العام علها تنجح في تقديم توصيف موضوعي للمشهد الفلسطيني في عام مُنته، وتقدم رؤية ممكنة لاستشراف عام قادم. وهنا نكتفي بالتوقف عند قضيتين مركزيتين تتعلقان بالأرض والإنسان؛ ونقصد الأسرى والاستيطان.
في الاستيطان يُشير التقرير الأخير الذي عرضه الأمين العام للأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، تزايد الاستيطان في عام 2019 بمعدل أعلى من العامين الماضيين. وتُشير المعلومات والمعطيات التي ترصد موازنات الاستيطان في الضفة الغربية، إلى ارتفاع نسب الأموال التي ضخت من أجل تصعيد الاستيطان. بل إن الميزانيات التي استثمرتها الحكومة الإسرائيلية في المستوطنات في الضفة الغربية والقدس بلغت 390 مليون شيكل (107 ملايين دولار) في الربع الأول من العام 2019، وفقا لمعطيات زودتها الحكومة لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية وللإدارة الأميركية.
وقبل أن يُسدل الستار على العام 2019 بأيام يُظهر تقرير رسمي فلسطيني أن جرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين كانت الأكثر حدة خلال العام 2019، حيث سجل 256 هجوماً، من بينها 50 نفذتها عصابات "تدفيع الثمن". وقال التقرير الذي نشره المكتب الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، إن هذه الهجمات رافقتها تصريحات ومواقف من قادة الاحتلال ومسؤولين حكوميين، والتي وفّرت الأجواء للمستوطنين وأعطتهم الضوء الأخضر لارتكاب المزيد بحق الفلسطينيين، وبما أن المشهد في إسرائيل ذاهب لانتخابات ثالثة فإن الهجمات ستستمر، فدوما كانت الأرض الفلسطينية والإنسان الفلسطيني هما رافعة المزاد السياسي عند أي انتخابات إسرائيلية، ما يعني أن العام الجديد القادم لن يكون أوفر حظا.
لم يكن حظ الإنسان الفلسطيني أفضل حالا من أرضه وفي حين كنا نستغرق في تفاصيل الانتخابات والمبادرات والمناكفات كانت إسرائيل تستفرد بالأسرى الفلسطينيين في سجونها، ومن أجهزة التشويش ومنع الزيارات وتفتيش الغرف، والتنقلات المفاجئة بين المعتقلات والإهمال الطبي المتعمد، قتلت خلال العام 2019 خمسة أسرى معتقلين لديها يضافون لشهداء الحركة الأسيرة.
وهؤلاء الأسرى الشهداء هم الأسير فارس بارود، من غزة، الذي قتله الاحتلال على مدار 28 عاماً من الاعتقال والإهمال الطبي، وقد استشهد في السادس من فبراير/ شباط 2019. وفي 27 إبريل/ نيسان 2019، أطلق الاحتلال النار على الشاب عمر عوني يونس (20 عاما)، من قلقيلية، واعتقله وأبقى على احتجازه خلال وجوده في المستشفى، ولم يسمح لعائلته بزيارته، إلى أن أُعلن عن استشهاده. وفي تاريخ 16 يوليو/ تموز 2019، استشهد الأسير نصار ماجد طقاطقة (31 عاماً)، من محافظة بيت لحم، بعد تعرضه للتعذيب في مركزي تحقيق "المسكوبية" من قبل المحققين الإسرائيليين، ما أدى إلى استشهاده في معتقل "نيتسان الرملة". وفي تاريخ الثامن من سبتمبر/ أيلول 2019، استشهد الأسير بسام السايح (46 عاماً)، من نابلس، بعد تعرضه لعملية قتل بطيء استمرت منذ اعتقاله عام 2015، إذ اعتقله الاحتلال وهو مصاب بالسرطان. وفي 26 نوفمبر 2019 استشهد الأسير سامي أبو دياك (36 عامًا)، بعد عملية قتل بطيء استمرت منذ عام 2015، إذ تعرض لخطأ طبي عقب خضوعه لعملية جراحية في مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي. هؤلاء هم الشهداء الأسرى فقط ولم نأت على ذكر واقع أكثر من خمسة آلاف أسير ما زالوا يقبعون في السجون الإسرائيلية ليضاف لأعمارهم عام جديد من الأسر.
تجاوز التحديات
قد يبدو من حصاد ما سبق في العام أن المشهد الفلسطيني قد قبل بالاحتلال وأقر به وتعايش معه، وان المعطيات كانت لصالح الاحتلال وممارساته، وقد يقول البعض إن العام كان عام الاستيطان والتهويد والأسر والاعتقال، ويتساءل أين الفعل الفلسطيني المشتبك مع الاحتلال، وهذا تساؤل مشروع لا سيما في ظل ما شهدته الساحة الفلسطينية طوال العام 2019.
الاستغراق في تفاصيل الانتخابات ومقتضياتها وإمكانية إجرائها من عدمها، والبقاء في مربع الانقسام الذي يراوح مكانه، لم يمنعا تكون وتبلور فعل فلسطيني آخر يُكمل المشهد ويواجه الاحتلال ربما بمعطيات غير مسبوقة أيضا وربما كانت مفاجئة للاحتلال والمتابعين، ففي نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي، ضبطت أجهزة الأمن الإسرائيلية خلية عسكرية تابعة لحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية وتحديدا في محافظة طولكرم وكانت الخلية قد بدأت في تصنيع صواريخ بدائية، وقد وجد بحوزتها أنبوب مجوف وكميات من مسحوق نترات البوتاسيوم.
لم يكن هذا المؤشر الوحيد الذي يوفر قراءة استشرافية للمشهد الفلسطيني، فعندما قامت إسرائيل باغتيال بهاء أبو العطا من قادة سرايا القدس بغزة، خرجت حركة الجهاد الإسلامي في معركة صيحة الفجر فأدخلت إسرائيل في منع تجول عطلت بموجبه المدارس ونصف الحياة توقفت، وهذه غزة التي يُحاصرها الاحتلال ويعد أنفاس سكانها قد خرجت لتثبت قواعد الاشتباك وترسم ملامح مشهد فرضيته الأساسية ماذا لو خرجت كل فصائل المقاومة مجتمعة، ولم تكن الجبهة الشعبية لتقبل أن ينتهي العام دون أن تُسجل حضورها ففي الثلث الثالث من شهر ديسمبر/ كانون الأول وتحديدا في اليوم الثامن عشر أعلن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) عن اعتقال خلية نوعية تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الضفة الغربية المحتلة.
ضبط الخلية تم في ضوء معطيات أمنية إسرائيلية تقول إنه يصعب تشكيل خلايا عسكرية في الضفة، فكانت خلية الشعبية بعد خلية الجهاد الإسلامي وما قبلهما من خلايا عسكرية لحماس، وهو ما يعني أن هناك قدرة فلسطينية قادرة رغم كل المعيقات والتحديات على اختراق الإجراءات الأمنية الإسرائيلية حتى وإن كانت بالتنسيق الأمني مع أجهزة السلطة، بل وتعكس هذه الخلايا إصرارا على العمل والتمكين والاختفاء والتمويل والتجهيز والتشكيل. وإن ما تراه إسرائيل هو الجزء الظاهر من جبل الجليد بينما هناك جزء يرسم ويخطط ويعمل لتشكيل خلايا مستقبلية تتجهز لتقول إن الاشتباك هو الأصل في المشهد الفلسطيني وإن الهدنة أو التهدئة هي الاستثناء. سواء كان ذلك في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.
قد ينتهي هذا العام الجديد أيضا دون مصالحة ودون انتخابات؛ لكن المعطيات تقول إن كل التحولات والمتغيرات لن توقف الاشتباك مع الاحتلال، وهو ما يرسم واحداً من أبرز ملامح العام 2020.