عندما تقصد "بيت التضامن العالمي" في كوبنهاغن، تقابلك تلك اللوحات التي تغطي جدران "البيت" معبّرة عن شعوب الأرض، خصوصاً تلك التي يرى جمهور هذا المركز أنها تختبر مراحل تحرّر وطني في ظل اضطهاد واستغلال من قبل الأنظمة والاحتلال. ولفلسطين حصّة كبيرة فيه.
ويعود نشاط هذا "البيت" إلى بداية انطلاق "المنتدى الدولي" ذي التوجّه الثوري في العام 1971، والذي تعاقبت عليه أجيال عدّة اعتبرته جزءاً من نضال الشعوب التحرّري. فمنه انطلقت تلك الأجيال نحو أميركا اللاتينيّة وأفريقيا والمنطقة العربيّة، وفيه استقبل ضيوف من مناطق العالم.
لفلسطين في "بيت التضامن العالمي"، مكانة خاصة. في واجهته تعرض كتب وملصقات عنها، وفي مدخله يقابلك علمها، وكيفما تحرّكت فيه تطالعك زجاجات زيت الزيتون الفلسطيني البكر وصابون مصنّع هناك، بالإضافة إلى مطرّزات فلسطينيّة على الرفوف وقمصان تحمل عبارات التضامن معها.
أما في الممرّ الذي يؤدّي إلى قاعات المركز، فتجد ملصقات تعود إلى الزمن الثوري من تشيلي إلى السلفادور وكردستان... لكن تبقى تلك المتعلقة بفلسطين الأكثر انتشاراً على جدرانه. منها القديم ومنها الحديث، الذي يحكي قصّة نضال الشعب الفلسطيني ومراحله. وليس غريباً أن تجد جدران هذا البيت وقد غطّتها ملصقات التضامن مع الأسرى الفلسطينيّين ومع غزّة مؤخراً.
مقاطعة إسرائيل
وللمركز مطبعته وإصدارته. فدار "تضامن" للنشر تصدر كل ما يتعلق بنضال الشعوب حول العالم بالإضافة إلى العديد من الدراسات الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة المميّزة. كذلك، تلتقي فيه مجموعات "المنتدى الدولي" ذات التوجه اليساري العالمي، وهي من أنشط الحركات المنظمة للتضامن بشكله العملي، فتقيم أسواقاً تضامنيّة لمنتوجات مزارعي القهوة الكولومبيّة والمكسيكيّة، يبتاعها المستهلك مباشرة، وأسواق أخرى يبيع فيها المواطنون ما لديهم من أدوات وملابس يذهب ريعها كله اليوم إلى أطفال فلسطين وغزّة. لكنها في السابق كانت تذهب أيضاً إلى تمويل مشاريع شبابيّة دنماركيّة خاصة بمخيمات اللاجئين أينما كانوا.
وفي "بيت التضامن العالمي" أيضاً، تعقد اجتماعات عمليّة لتنظيم التظاهرات المندّدة بالاحتلال الإسرائيلي ومواقف الحكومات الغربيّة من العدوان على غزّة. كذلك تنشط فيه لجنة "مقاطعة إسرائيل"، ومنه تتواصل وتنسّق مع حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (بي دي أس) أو الحملة الدوليّة لمقاطعة إسرائيل والشركات التي تتعامل معها بما فيها مجموعة الحماية والأمن "جي فور أس" المتعدّدة الجنسيات التي كان للشباب الدانماركي دور كبير في الضغط عليها من خلال الرأي العام لتلغي عقودها الموقّعة مع دولة الاحتلال.
علي يونس أو "أبو سمرة"، فلسطيني دنماركي من طولكرم، يتحدّث عن أهميّة هذا "البيت" لـ"العربي الجديد"، قائلاً "فيه نقوم بالعديد من النشاطات الداعمة لشعبنا بشكل عملي مع الأصدقاء الدنماركيّين. وتشارك هنا نحو 15 منظمة في النشاطات. ونحن نحضر منتجات فلسطينيّة غذائيّة وحرفيّة ونعرضها على الدنماركيّين".
يضيف "إنه لأمر مهم جداً أن تجد دار نشر هنا تصدر الملصقات والكتب والنشرات التي تعرّف بالشعب الفلسطيني وأحواله وتظهر حقيقة الاحتلال. فهذا يساهم في توعية الرأي العام بشكل تراكمي على القضايا العربيّة".
المنتدى الدولي
من جهتها تشرح الناشطة اليساريّة وأمينة سر "بيت التضامن" ماريا هاينسن أن "البيت يسمّى التضامن لأن المنظمات والأشخاص فيه يقومون بعمل تضامني دولي يقضي بدعم الحركات الشعبيّة في جميع أنحاء العالم، في كفاحهم من أجل الحريّة". تضيف أن "المنتدى الدولي الذي أمثله بدأ نشاطه التضامني الشامل في سبعينيات القرن الماضي. والبداية كانت بدعم حركات التحرّر في أميركا اللاتينيّة. أما اليوم، فأقوى المجموعات في مركزنا هي تلك التي تعمل من أجل فلسطين".
وتوضح ماريا أن "تلك المجموعات تعمل بالتعاون والاشتراك مع مجموعات سياسيّة وثقافيّة مختلفة في مخيمات الضفّة وغزّة. والمجموعة الناشطة الأكبر هي مجموعة مقاطعة إسرائيل، وهي جزء من الحركة الدوليّة للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال (بي دي أس). إلى ذلك، نقوم بالتعريف بالمنتجات الفلسطينيّة وتسويقها في مركزنا وخارجه في أثناء النشاطات".
و"بيت التضامن"، يؤمّن الناشطون تكاليفه. وذلك "حتى لا يكون لأي كان تأثير علينا أو يتمكّن من إخراجنا منه نتيجة نشاطنا"، بحسب ما تقول الناشطة ماريا هاينسن التي تشرح أن "جبهة الشباب الاشتراكي" (أس يو أف) هي واحدة من الحركات الشبابيّة الأكثر نشاطاً في مجال دعم الشعب الفلسطيني.
و"المنتدى الدولي" الذي يشرف على "بيت التضامن" يعرّف عن نفسه بأنه "منتدى تضامني بلا حدود بين الثورات. ونحن نكافح من أجل عالم تتقاسم فيه الموارد بالتساوي بيننا ويضمن الحكم الذاتي والتنوّع لجميع شعوب العالم بلا إمبرياليّة. والتضامن الدولي أمر حيوي في النضال من أجل عالم أفضل يدعم حقوق الشعوب في النضال من أجل الحريّة ومقاومة الظالمين، وعلى سبيل المثال: المزارعون المعدمون في البرازيل والمتمرّدون على الواقع في جبال كولومبيا والناشطون السياسيّون في فلسطين ونساء الشعوب الأصليّة في تشياباس وطالبو اللجوء في أوروبا".
ويشير هنا بيتر، وهو شاب دنماركي في التاسعة عشرة من عمره، إلى أنه بدأ نشاطه مبكراً في نصرة القضيّة الفلسطينيّة والإعداد للتظاهرات وتنسيقها في لجنة المقاطعة. ويخبر أنه انضم في العام 2012 إلى لجنة مقاطعة إسرائيل بعدما شارك في العديد من النشاطات السياسيّة هنا.