25 فبراير 2022
فلسطين في يونسكو مجدداً.. ودائماً
اعتمد المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري قرارين بخصوص فلسطين: القدس وتنفيذ القرار 38/م 52)؛ وتنفيذ القرار 38/م 72 بشأن المؤسسات التعليمية والثقافية في الأراضي العربية المحتلة. والمقصود بالقرار 38 في عنوان القرارين الإحالة إلى قرار المؤتمر العام السابق (2015) الذي يطلب من المديرة العامة إدراجَ بنديْ القدس والمؤسسات التعليمية والثقافية على جدولي أعماله وأعمال المؤتمر العام اللاحق، من ناحية، وإلى إنجاز جملة من المهمات والمطالب، وتقديم تقرير عنها إلى المؤتمر العام. وتضمنت صياغة القرارين أمرين مركزيين. أولهما أن القضية ستظل تُطرَحُ على جدول أعمال الهيئات القيادية ليونسكو (المؤتمر العام والمجلس التنفيذي)، حين "يذكِّر بأن هذا البند مدرجٌ في جدول أعمال الدورة الرابعة بعد المائتين للمجلس التنفيذي (أي التالي في ربيع العام 2018)، ويقرّر إدراج هذا البند في جدول أعمال الدورة الأربعين للمؤتمر العام (خريف 2019). الأمر الثاني يحدد فحوى النقاش (و/أو السجال والتحرّكات) الذي سيجري في المستقبل بشأن القدس، وهو حمايتها وصون تراثها خصوصاً، من جهة، ويحبط سلفاً كل محاولة ممكنة لتغيير محتواه وأغراضه، من جهة ثانية. ومن الغني عن القول إن هذا الطرح الدائم للموضوع الفلسطيني يزعج الإسرائيليين والأميركان، ويُحبط مساعيهم التي لم تتوقف، منذ عشرات السنين، من أجل شطبه من جدول الأعمال، وسحبه من التداول نهائياً. أليس هذا هو السبب الذي من أجله أعلن الأميركان قبيل أقل من شهر أنهم سينسحبون من "يونسكو"؟
هذا من حيث الشكل، وهو شديد الأهمية، لأنه يضع موضوع القدس، كما موضوع المؤسسات التعليمية والثقافية، في دائرة الضوء، (ويونسكو كما نعلم جزء مرموق من المجتمع الدولي وتتحلى برمزية عالية)، ويحبط بذلك استراتيجية إسرائيل والولايات المتحدة الهادفة، كما نعلم، إلى الاستفراد بالفلسطينيين كي تفرض عليهم، في ظل اختلال موازين القوى لصالحها، الحلول التي تريد.
من حيث المضمون، وهو وثيق الصلة بالشكل، فتقتصر هذه القراءة على ملاحظتين:
أولاهما، أن القرارين المذكورين يضعان قضية القدس العتيقة (بما تشتمل عليه من مقدسات إسلامية ومسيحية) وأسوارها على جدول أعمال "يونسكو" الدائم، ويحدّد للمنظمة الأممية مجموعة واجباتها، وما عليها فعله: صون التراث، حمايتها من العدوان، والتذكير بضرورة تحاشي انتهاكها، وشجب هذا الانتهاك، ومسؤوليات قوة الاحتلال بهذا الخصوص. ويشير إلى "الحفائر الأثرية والأشغال الإسرائيلية في مدينة القدس القديمة، وعلى جانبي أسوار مدينة القدس القديمة". ويتحدث عن "الامتناع عن اتخاذ أية تدابير يمكن أن تنال من أصالة الموقع وسلامته"، و"يعرب عن قلقه المستمر من أي أعمالٍ تنال من التراث الثقافي والطبيعي، ومن المؤسسات الثقافية والتعليمية.."؛ ولا يخفى أن المقصود بذلك كله إسرائيل، وإسرائيل فقط.
هكذا، يمكن القول، من غير عناء، إن استصدار القرارين يتيح فتح الملف بصورة دائمة، لكنه يسهّل، فضلاً عن ذلك، من مهمة الفلسطينيين والعرب في تذكير هيئات "يونسكو" بواجبها، ويوفّر إمكانية حثّ الأمانة العامة على متابعة الملفات الكثيرة المتصلة به.
ثانية الملاحظتين بيانها أن لغة قرار (القدس) تعمّدت التذكير بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالوضع القانوني للقدس الشرقية (كمدينة محتلة، بحسب قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص)، وباعتبارها جزءاً من الضفة الغربية المحتلة؛ وبإدانة ضمها، والقول إنها العاصمة الأبدية لإسرائيل. كما تعمدت الإحالة إلى اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها بخصوص واجبات الاحتلال تجاه المناطق المحتلة وتجاه سكانها، وحظر المساس بهذه المناطق (من تغيير المعالم، أو تهجير للسكان، أو تعطيل لمصالح الناس، أو المساس بأمنهم، أو حرمانهم من التنقل والتعليم... إلخ). وذلك كله تمارسه إسرائيل، كما يعرف الجميع.
ينبغي القول إن الإدراج الدائم للبند الفلسطيني على جدول أعمال هيئات "يونسكو" القيادية يُلزم الأمانة العامة للمنظمة الأممية بجعل الأمر شغلاً وانشغالاً دائماً لها. هذا ما يزعج بوضوح إسرائيل ويثير حنق مناصريها الأميركان. ونعرف أن الولايات المتحدة أعلنت انسحابها من يونسكو بزعم أن يونسكو "تعادي" إسرائيل.
والحقيقة أن القراريْن يفتحان الملف، و/أو يجدّدان فتحه، على مصراعيه، وبضمان عدم إغلاقه في المقام الأول، أي بخلاف الرغبة الأميركية والإسرائيلية بطبيعة الحال (بدعوى عدم تسييس "يونسكو" باعتبارها ليس المنبر المناسب لتناول القضية الفلسطينية التي هي، كما يقولون، قضية سياسية). يتحاشى الأميركان طبعاً الإقرار بحقيقة أن "يونسكو" تلتزم بقرارات مجلس الأمن، ولا تحلّ مكانه، وأنها تُقارب القضايا كلها، وليس الموضوع الفلسطيني فحسب، من منظار ولايتها التي خصّها المجتمع الدولي بها، أي التربية للجميع والثقافة للجميع وصيانة الممتلكات الثقافية من السرقة والاتجار غير المشروع، والتدمير والتلاعب. وكلها قضايا تمس بالضرورة السياسة، ولا تنفصل عنها إلا في كيفية المقاربة. تُقاربُ يونسكو قضية القدس من منظار حمايتها وصون تراثها، وتطلب من القوة المحتلة احترام ميثاق المنظمة والمواثيق الدولية المتعلقة بذلك، وضمان التعليم وعدم المساس بالبنى التحتية والاجتماعية.. إلخ. وبالمناسبة، نعت إسرائيل بالقوة المحتلة قانوني، غرضه، بحسب لغة القانون الدولي فائقة الدقة، التعريف بها من حيث هي قوة احتلال، والتعريف بوضعها وبدورها الذي عليها القيام به، كما حدّدته اتفاقيات جنيف الأربع وغيرها. وهو بهذا لا يشكل سبةً أو وصمةً على الإطلاق، بدليل أن مندوبي الولايات المتحدة الأميركية في "يونسكو"، على سبيل المثال، طالبوا بهذه الصفة (أي نعت القوة المحتلة) في العام 2004 ومن غير تلعثم، بعد احتلالهم العراق سنة 2003.
هكذا يفتح القراران صفحة للسجال في دورة المجلس التنفيذي القادمة (ربيع 2018)، باعتبار أن عليه بحسبهما متابعة تنفيذهما، وضمان هذا التنفيذ. وفي هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن قرارات "يونسكو"، مثل غيرها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ليست نهائية، أي قابلة للمراجعة والتعديل وللتراجع بالضرورة عنها، إن جدّ جديد، أي إن طرأ ما يستوجب التخلي عنها، إن من حيث الشكل، مثل عدم إدراج الموضوع في جدول الأعمال، أو أن يُصارَ إلى صياغته (أو إعادة صياغته بالأصح) بكيفية تفقده مدلولاته، أو، من حيث المضمون، في حال حدوث تغيير في طبيعة الموضوع نفسه، كأن تُسترد القطعة الأثرية المنهوبة، مثلاً، أو أن تكفّ الجهةُ المنتهكة عن انتهاكها. وهذا كله غير متوفر في الموضوع الفلسطيني، ولا يبدو أنه سيتوفر في الأمد القريب؛ فلا إسرائيل توقفت عن الانتهاكات، إنْ لم تكن تفاقم منها، ولا يتوفر أي مسوّغ، مهما كان واهياً، للتغيير في مضمون القرارات، لا من حيث الشكل، أو من حيث الموضوع.
ملف فلسطين مفتوح في "يونسكو" لأنه مفتوح في التاريخ. وعبثاً يحاول الإسرائيليون تشييد
وطن أركيولوجي، لا أثر له، ويجهدون بالزعيق وبالزعبرة إبراز هذا الوطن الذي يتعذّر إبرازه من بين الأنقاض، وتجافيه وقائع الحياة على أرض فلسطين، وطن الفلسطينيين التاريخي والحيّ بهم.
تبقى قضية اللغة التي أثار حولها رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وأصدقاؤه، قبل قرابة سنتين، لغطا كثيرا بشأن إنكار "يونسكو" علاقة اليهود بالقدس، وأن "يونسكو" تعيد كتابة التاريخ بما يتناسب مع الرواية الإسلامية والعربية، وتنكر كل حق لليهود في القدس.، .. إلخ.
يكرر القراران الحاليان حرفياً تقريباً لغة القرارات السابقة الصادرة عن المؤتمر العام منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتستخدم المديرة العام في تقريرها (وهي وثيقة يحيل إليها القرار، أي يعتمدها) التعبيرات نفسها التي احتج الإسرائيليون عليها أخيرا، مثل "الحرم الشريف"، و"الحرم الشريف في القدس"، إلخ. هكذا توقعوا في مستقبلٍ قد لا يكون بعيداً ضجيجاً مماثلاً في توقيت تختاره إسرائيل.
.. غرضي الأول من هذا النص التحذير من السقوط في إغواء "الزعبرة" الإسرائيلية التي سقط فيها كثيرون، باسم الوطنية والقومية، بخفةٍ لا تليق بمؤسسات إعلامية، يفترض في عملها التدقيق بالمعلومات (وهي في متناول كل من يريد) التي تقدمها أو توفرها للناس. مثال: ملأت إسرائيل، قبل حوالي سنتين، الدنيا زعيقاً بخصوص انحياز "يونسكو"، كما أشرت قبل قليل. تمثلت الغواية في تسرّع كثيرين في تبني الرواية الإسرائيلية، ظناً منهم أنهم ينتصرون لفلسطين، فروّجوا من غير تبصّر أقوال نتنياهو ومقالات الصحافة الإسرائيلية وأنصارها في أوروبا وأميركا. ولكن غايتهم هي بالضبط النيل من مكانة "يونسكو" والمس برمزيتها، فضلاً عن إحراج الفرنسيين الذين كانوا يعدّون لمؤتمر لا يناسب الإسرائيليين الذين لا يريدون سوى الاستفراد بالفلسطينيين.
هذا من حيث الشكل، وهو شديد الأهمية، لأنه يضع موضوع القدس، كما موضوع المؤسسات التعليمية والثقافية، في دائرة الضوء، (ويونسكو كما نعلم جزء مرموق من المجتمع الدولي وتتحلى برمزية عالية)، ويحبط بذلك استراتيجية إسرائيل والولايات المتحدة الهادفة، كما نعلم، إلى الاستفراد بالفلسطينيين كي تفرض عليهم، في ظل اختلال موازين القوى لصالحها، الحلول التي تريد.
من حيث المضمون، وهو وثيق الصلة بالشكل، فتقتصر هذه القراءة على ملاحظتين:
أولاهما، أن القرارين المذكورين يضعان قضية القدس العتيقة (بما تشتمل عليه من مقدسات إسلامية ومسيحية) وأسوارها على جدول أعمال "يونسكو" الدائم، ويحدّد للمنظمة الأممية مجموعة واجباتها، وما عليها فعله: صون التراث، حمايتها من العدوان، والتذكير بضرورة تحاشي انتهاكها، وشجب هذا الانتهاك، ومسؤوليات قوة الاحتلال بهذا الخصوص. ويشير إلى "الحفائر الأثرية والأشغال الإسرائيلية في مدينة القدس القديمة، وعلى جانبي أسوار مدينة القدس القديمة". ويتحدث عن "الامتناع عن اتخاذ أية تدابير يمكن أن تنال من أصالة الموقع وسلامته"، و"يعرب عن قلقه المستمر من أي أعمالٍ تنال من التراث الثقافي والطبيعي، ومن المؤسسات الثقافية والتعليمية.."؛ ولا يخفى أن المقصود بذلك كله إسرائيل، وإسرائيل فقط.
هكذا، يمكن القول، من غير عناء، إن استصدار القرارين يتيح فتح الملف بصورة دائمة، لكنه يسهّل، فضلاً عن ذلك، من مهمة الفلسطينيين والعرب في تذكير هيئات "يونسكو" بواجبها، ويوفّر إمكانية حثّ الأمانة العامة على متابعة الملفات الكثيرة المتصلة به.
ثانية الملاحظتين بيانها أن لغة قرار (القدس) تعمّدت التذكير بقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالوضع القانوني للقدس الشرقية (كمدينة محتلة، بحسب قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص)، وباعتبارها جزءاً من الضفة الغربية المحتلة؛ وبإدانة ضمها، والقول إنها العاصمة الأبدية لإسرائيل. كما تعمدت الإحالة إلى اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها بخصوص واجبات الاحتلال تجاه المناطق المحتلة وتجاه سكانها، وحظر المساس بهذه المناطق (من تغيير المعالم، أو تهجير للسكان، أو تعطيل لمصالح الناس، أو المساس بأمنهم، أو حرمانهم من التنقل والتعليم... إلخ). وذلك كله تمارسه إسرائيل، كما يعرف الجميع.
ينبغي القول إن الإدراج الدائم للبند الفلسطيني على جدول أعمال هيئات "يونسكو" القيادية يُلزم الأمانة العامة للمنظمة الأممية بجعل الأمر شغلاً وانشغالاً دائماً لها. هذا ما يزعج بوضوح إسرائيل ويثير حنق مناصريها الأميركان. ونعرف أن الولايات المتحدة أعلنت انسحابها من يونسكو بزعم أن يونسكو "تعادي" إسرائيل.
والحقيقة أن القراريْن يفتحان الملف، و/أو يجدّدان فتحه، على مصراعيه، وبضمان عدم إغلاقه في المقام الأول، أي بخلاف الرغبة الأميركية والإسرائيلية بطبيعة الحال (بدعوى عدم تسييس "يونسكو" باعتبارها ليس المنبر المناسب لتناول القضية الفلسطينية التي هي، كما يقولون، قضية سياسية). يتحاشى الأميركان طبعاً الإقرار بحقيقة أن "يونسكو" تلتزم بقرارات مجلس الأمن، ولا تحلّ مكانه، وأنها تُقارب القضايا كلها، وليس الموضوع الفلسطيني فحسب، من منظار ولايتها التي خصّها المجتمع الدولي بها، أي التربية للجميع والثقافة للجميع وصيانة الممتلكات الثقافية من السرقة والاتجار غير المشروع، والتدمير والتلاعب. وكلها قضايا تمس بالضرورة السياسة، ولا تنفصل عنها إلا في كيفية المقاربة. تُقاربُ يونسكو قضية القدس من منظار حمايتها وصون تراثها، وتطلب من القوة المحتلة احترام ميثاق المنظمة والمواثيق الدولية المتعلقة بذلك، وضمان التعليم وعدم المساس بالبنى التحتية والاجتماعية.. إلخ. وبالمناسبة، نعت إسرائيل بالقوة المحتلة قانوني، غرضه، بحسب لغة القانون الدولي فائقة الدقة، التعريف بها من حيث هي قوة احتلال، والتعريف بوضعها وبدورها الذي عليها القيام به، كما حدّدته اتفاقيات جنيف الأربع وغيرها. وهو بهذا لا يشكل سبةً أو وصمةً على الإطلاق، بدليل أن مندوبي الولايات المتحدة الأميركية في "يونسكو"، على سبيل المثال، طالبوا بهذه الصفة (أي نعت القوة المحتلة) في العام 2004 ومن غير تلعثم، بعد احتلالهم العراق سنة 2003.
هكذا يفتح القراران صفحة للسجال في دورة المجلس التنفيذي القادمة (ربيع 2018)، باعتبار أن عليه بحسبهما متابعة تنفيذهما، وضمان هذا التنفيذ. وفي هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن قرارات "يونسكو"، مثل غيرها من هيئات الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، ليست نهائية، أي قابلة للمراجعة والتعديل وللتراجع بالضرورة عنها، إن جدّ جديد، أي إن طرأ ما يستوجب التخلي عنها، إن من حيث الشكل، مثل عدم إدراج الموضوع في جدول الأعمال، أو أن يُصارَ إلى صياغته (أو إعادة صياغته بالأصح) بكيفية تفقده مدلولاته، أو، من حيث المضمون، في حال حدوث تغيير في طبيعة الموضوع نفسه، كأن تُسترد القطعة الأثرية المنهوبة، مثلاً، أو أن تكفّ الجهةُ المنتهكة عن انتهاكها. وهذا كله غير متوفر في الموضوع الفلسطيني، ولا يبدو أنه سيتوفر في الأمد القريب؛ فلا إسرائيل توقفت عن الانتهاكات، إنْ لم تكن تفاقم منها، ولا يتوفر أي مسوّغ، مهما كان واهياً، للتغيير في مضمون القرارات، لا من حيث الشكل، أو من حيث الموضوع.
ملف فلسطين مفتوح في "يونسكو" لأنه مفتوح في التاريخ. وعبثاً يحاول الإسرائيليون تشييد
تبقى قضية اللغة التي أثار حولها رئيس حكومة إسرائيل، بنيامين نتنياهو، وأصدقاؤه، قبل قرابة سنتين، لغطا كثيرا بشأن إنكار "يونسكو" علاقة اليهود بالقدس، وأن "يونسكو" تعيد كتابة التاريخ بما يتناسب مع الرواية الإسلامية والعربية، وتنكر كل حق لليهود في القدس.، .. إلخ.
يكرر القراران الحاليان حرفياً تقريباً لغة القرارات السابقة الصادرة عن المؤتمر العام منذ أكثر من ثلاثين سنة، وتستخدم المديرة العام في تقريرها (وهي وثيقة يحيل إليها القرار، أي يعتمدها) التعبيرات نفسها التي احتج الإسرائيليون عليها أخيرا، مثل "الحرم الشريف"، و"الحرم الشريف في القدس"، إلخ. هكذا توقعوا في مستقبلٍ قد لا يكون بعيداً ضجيجاً مماثلاً في توقيت تختاره إسرائيل.
.. غرضي الأول من هذا النص التحذير من السقوط في إغواء "الزعبرة" الإسرائيلية التي سقط فيها كثيرون، باسم الوطنية والقومية، بخفةٍ لا تليق بمؤسسات إعلامية، يفترض في عملها التدقيق بالمعلومات (وهي في متناول كل من يريد) التي تقدمها أو توفرها للناس. مثال: ملأت إسرائيل، قبل حوالي سنتين، الدنيا زعيقاً بخصوص انحياز "يونسكو"، كما أشرت قبل قليل. تمثلت الغواية في تسرّع كثيرين في تبني الرواية الإسرائيلية، ظناً منهم أنهم ينتصرون لفلسطين، فروّجوا من غير تبصّر أقوال نتنياهو ومقالات الصحافة الإسرائيلية وأنصارها في أوروبا وأميركا. ولكن غايتهم هي بالضبط النيل من مكانة "يونسكو" والمس برمزيتها، فضلاً عن إحراج الفرنسيين الذين كانوا يعدّون لمؤتمر لا يناسب الإسرائيليين الذين لا يريدون سوى الاستفراد بالفلسطينيين.