تعوّل برلين على أن يساهم هذا التعاون في تعقب مواطنيها الملتحقين بتلك الجماعات والذين وصل عددهم إلى 650 شخصاً، حسب ما أعلن وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير الأسبوع الماضي. مراقبون يرون أن تركيا قد تعمد إلى استغلال ورقة المقاتلين الأجانب لصالحها بالضغط مجدداً في اتجاه تحقيق هدفها بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، أي أن الاتفاق بين ألمانيا وتركيا سيؤثر إيجابياً في العلاقة وربما يخدم موقف الأخيرة أمام دول الاتحاد.
وكانت قد سجلت انتقادات تركية للموقف الغربي من إقصاء أنقرة عن اجتماعات الاتحاد الأوروبي، ولعدم الأخذ بعين الاعتبار الحجم والدور المهم الذي يمكن أن تؤديه تركيا في هذا الملف بحكم موقعها الاستراتيجي. كذلك ترى بعض الصحافة التركية أنّ هناك تناقضاً في الموقف، ولا سيما أنّ أنقرة عضو في حلف شمال الأطلسي. في موازاة ذلك، يقلل كثيرون من أهمية التعاون بين الطرفين، معتبرين أنّ الأمن القومي التركي أساسي، ولغاية الآن لا يوجد خطر جدي على مصالح أنقرة، وهذا التعاون سيجلب الويلات وسيكون بمثابة دعوة للقيام بأعمال تخريب داخل تركيا.
لا يغفل المطلعون أن هناك اعتبارات عدّة لكل من أنقرة وبرلين من شأنها أن تساهم في إنجاح هذا التعاون، ولا سيما في ظل الوضع المتأزم الذي يعصف بالمنطقة برمتها وتداعيات الأحداث على القارة الأوروبية وألمانيا خصوصاً. ويأتي ذلك بعدما كشفت أجهزة الاستخبارات الألمانية عن نية جدية لقيام متشددين بتنفيذ عمليات على أراضيها. كان آخر ما حُكي في هذا السياق، وصول تحذيرات أوائل شهر مارس/آذار من الأمن الفدرالي في برلين إلى ولاية بريمن (شمال) من خطر هجوم وشيك يعتزم إسلاميون تنفيذه في المدينة، مع العلم أن الشرطة كانت قد أفادت في وقت سابق عن مغادرة 16 شخصاً من بريمن للقتال إلى جانب المجموعات "الإرهابية" في العراق وسورية. وترجّح المعلومات أن يكون قد عاد منهم أربعة أشخاص أخيراً. كما تم منتصف الشهر الماضي إلغاء مهرجان في مدينة برونشفايغ (شمال) للأسباب نفسها. وكان متوقعاً أن يُشارك فيه أكثر من 250 ألف شخص.
اقرأ أيضاً: تركيا مُطالبة بمكافحة الإرهاب... ومستبعدة عن القرارات
وفي حال أخذ التعاون بين برلين وأنقرة طريقه نحو التنفيذ، فإن أبرز ما سيتم العمل عليه هو حصول الاتحاد الأوروبي وألمانيا من تركيا على بيانات حركة الجهاديين، وهو ما سيمكّن أنقرة أيضاً من الاطّلاع على بيانات الأوروبيين الواصلين إلى أراضيها. أمر يواجه برفض أوروبي ناتج عن تحريض البعض ضد تركيا من بوابة تنظيمَي "داعش" و"جبهة النصرة". وكان رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، كان قد نفى كل هذه الاتهامات خلال زيارته الأخيرة لألمانيا، بقوله إن السلطات التركية قامت بوضع أكثر من 7000 من المقاتلين الأجانب على اللائحة السوداء للإرهاب في كل من سورية والعراق، إضافة إلى ترحيل 2000 منهم إلى بلدانهم الأصلية.
ويعتبر محللون أن تركيا تريد أن تفرض أجندتها ضمن حلف شمال الأطلسي ومنها إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية مثلاً. كما أنّ لتركيا أوراق قوة ضد تنظيم "داعش"، إلا أنها لم تستخدمها لغاية اليوم، والسبب أنها لم تتعرض لاعتداء مباشر على أراضيها، مع العلم أنها ألقت القبض على عدد من قيادات التنظيم، بحسب ما أفصحت عنه وسائل الإعلام.
في المحصلة، يمكن القول إن ألمانيا ستستفيد من خبرة الاستخبارات التركية في حال انطلاق عملية التعاون بينهما، إذ إن أنقرة على دراية تامة بتركيبة تلك الجماعات وأيديولجيتها، ومنها قيام "داعش" بتحالفات "ظرفية" مع النصرة في سورية ومن ثم الانقلاب عليها. أما سير تركيا في اتفاق كهذا، فمن الممكن أن ينزع ألغاماً عدة من طريقها الأوروبي، إضافة إلى حصولها على معلومات عن نشاط حزب العمل الكردستاني في ألمانيا وأوروبا. كما يرى بعض المتابعين، أنه من خلال مفاوضات انضمام تركيا، يمكن تعزيز القيم التي يطالب بها المعارضون ومنظمات المجتمع المدني، ويساهم ذلك أيضاً في زيادة الحريات العامة في البلد.
اقرأ أيضاً: ألمانيا: مئة "خلية نائمة"... والأمن الإلكتروني بالمرصاد