انتهت حياة السوريين الهاربين من الكارثة التي يعيشها بلدهما، محمد الصفدي (36 عاماً) وإياد الريابي (31 عاماً) في بريطانيا، غرقاً في نهر التايمز، لتنضم قصتهما إلى سلسلة من مآس شهدتها عدد من بلاد المهجر، وراح ضحيتها عشرات السوريين، من كندا إلى السويد وبريطانيا وسويسرا وألمانيا. وعن غرق محمد وإياد في التايمز البريطاني يروي لـ"العربي الجديد" أحد أقارب الضحيتين، محمود (25 عاما)، مفضلا عدم الكشف عن اسمه كاملا، قصة المأساة التي فجعت الأسرة وسوريي بريطانيا.
ويذكر محمود بالتفصيل ما حدث يوم وفاة محمد وإياد، قائلا إنه "قبل يوم، كنّا قد اجتمعنا مساء كشباب في منزلي، قضينا سهرتنا وقرّرنا الذهاب عصر اليوم التالي إلى ضفاف النهر، بعد أن علمنا أن الطقس سيكون حاراً. ذهبنا إلى النهر ومرحنا ولعبنا وسبحنا".
يلفت محمود إلى أنّها ليست المرّة الأولى التي يسبح فيها في النهر بل هو يسبح فيه منذ أربع سنوات، كونه مقيما في بريطانيا منذ فترة طويلة. لكنّه يشير إلى أنّه كان يجهل ما يحمله هذا النهر من مخاطر، ويؤكّد على أنّ أحداً لم يبلغهم بذلك، على الإطلاق.
ويضيف: "بينما كنا نسبح، كان محمد واقفاً في المياه، لم يغطس فيها كما فعلنا. خرجنا جميعنا إلى ضفاف النهر، باستثناء محمد الذي بقي واقفاً في مكانه. ثم رأيته يتوجّه إلى مكان آخر حيث تيار المياه قوي. لاحظت أنّه ليس على ما يرام، فسألته إن كان يحتاج إلى مساعدة. هزّ رأسه بالإيجاب، فغطس في النهر خلفه مباشرة إياد وبعده سعد (أحد الشباب الذين كانوا موجودين معهم) لكن إياد اختفى في المياه، يبدو أنّ التيار سحبه إلى قاع النهر بالقرب من الجسر. بعدها غطس أخي محمد وبدأنا بالبحث عنهما. عثرنا على محمد وأخرجناه من المياه وهو في غيبوبة".
ويردف محمود عن يوم المأساة أنه "كان هناك مراهقون بريطانيون يساعدوننا على سحبه إلى ضفاف النهر. ورحنا نفتّش عن إياد، لكنّنا لم نعثر عليه. وفي هذا الوقت، وصلت الشرطة وسيارات الإسعاف، فأخبرناهم مراراً وتكراراً أنّ إياد غطس في المياه ولم يخرج، لكنّهم أصرّوا على إبعادنا عن المكان. ولم يجرؤ أي منهم على القفز في المياه خلفه. وفي اليوم التالي جاء سبّاح متخصّص من فريق الإنقاذ وأخرج إياد من المكان ذاته الذي اختفى فيه".
مأساة عائلية
إياد أب لخمسة أطفال، وصل إلى بريطانيا منذ حوالي ثمانية أشهر، بعد رحلة معاناة استمرّت عاما تقريباً، حيث انتقل في دول عديدة، بداية من تركيا وصولاً إلى مرفأ دوفر في قارب مطاطي. وقدّم طلب لجوء على الفور وما إن حصل على حق الإقامة، حتى بدأ معاملات جلب عائلته بموجب "لمّ شمل أسر اللاجئين". وكانت زوجته التي تقيم حاليا في سورية مع أطفالها الخمسة، على موعد مع السفارة البريطانية في لبنان في غضون أسبوعين. ويلفت محمود إلى أنّه على الرغم من معاناتها من حالة نفسية مؤلمة، قرّرت الاستمرار في إجراءات السفر إلى بريطانيا، حيث لديها أقارب وكي تتمكّن من زيارة قبر زوجها.
ولا تختلف مأساة محمد كثيراً، يقول محمود إنّه "غادر سورية بعد اعتقاله وتعذيبه، متوجهاً إلى لبنان. مكث هناك مع زوجته وطفليه حوالي سبع سنوات، بانتظار موافقة الأمم المتحدة على طلبه للسفر إلى بريطانيا بموجب برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين. ووصل مع عائلته إلى مطار هيثرو، حيث كان يقيم في منطقة هنسلو منذ عامين تقريباً. وهو لا يزال يتعلّم اللغة الإنكليزية حوالي خمسة أيام في الأسبوع، ولم يبدأ العمل بعد". قد تكون مشيئة القدر أن ينجو هذان الرجلان، من حرب سورية وجحيمها ويصلا إلى بريطانيا أملاً في حياة أفضل لهما ولعائلتيهما، لتنتهي مسيرتهما عند ضفاف نهر التايمز. فما إن قفز إياد في النهر حتى اختفى ولم يطف على السطح مجدّداً.
تكرار التحذيرات وتزايد الضحايا
ربّما لو أدرك هذان الرجلان مخاطر نهر التايمز لما غرقا، لكنّهما قفزا عن غير دراية. فلم يعرفا أنّه ينبغي تجنّب وسط النهر بسبب النقاط الساخنة، وغطسا في التيار. وربما كان الجزء الذي قفزا إليه، هو المكان الأكثر خطورة بحسب ما قال شهود عيان. فرغم التحذيرات التي تداولها السوريون في ما بينهم على وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصا مع بداية ظهور حوادث غرق بعضهم صيفا، بالحذر من أنهر وبحيرات أوروبية، إلا أن العشرات فقدوا أرواحهم منذ 2015، حيث تتكرر المآسي أحيانا في ذات المكان الذي فقد فيه أصدقاء عزيزا لهم، كما في حالة ألمانيا التي شهدت أغلب حوادث غرق الشبان. لكن المآسي المؤلمة لسوريي المهجر لم تقتصر على أوروبا. فقد فجعت الجالية السورية في كندا مؤخرا بغرق محام سوري ناشط في الجالية (46 عاما) ووالده (73 عاما) أثناء رحلة صيد.
ومنذ صيف 2019 وحده، سجلت عشرات حالات غرق السوريين في عدد من الدول الأوروبية، من السويد حتى سويسرا. ففي الأخيرة وقبل أسابيع قليلة غرق أيضا الشاب السوري منار خزنوي في بحيرة فالس السويسرية. وفجعت أسر سورية كثيرة بوفاة أبنائها في المهاجر غرقا، كما حدث مع الشاب معن عساف في ألمانيا. هناك، صُدم السوريون بتزايد وفيات الغرق، فقد شهد صيف العام الفائت غرق 5 سوريين في شهر واحد، بينهم طفل في هامبورغ وآخر في دورتموند. ولعل الفاجعة الكبيرة التي عاشتها الجالية السورية في البلد الذي استقبل في 2015 نحو 750 ألفا من سورية، هي قصة ذلك الأب السوري (46 عاما) الذي قفز إلى نهر الدانوب لإنقاذ أطفاله في مدينة ميتين، وسط ذهول وصراخ الزوجة والأطفال الذين تم إنقاذهم. ولم تستطع السلطات انتشال جثته بعد أن جرفت إلى مدينة فيلسهوف على بعد 40 كيلومترا من المكان.
وعاد السوريون مجددا صيف العام الحالي إلى حملة تحذير من السباحة في عدد من البلدان الأوروبية بسبب مخاطر التيارات واختلاف السباحة في المسابح عن الأنهر والبحيرات والبحار المفتوحة.
خطورة نهر التايمز
نحو 5 آلاف سوري استقبلتهم بريطانيا منذ 2011، معلنة نيتها استضافة 20 ألفا آخرين خلال السنوات الـ5 المقبلة. وتحذر السلطات من مخاطر دخول المياه والتعرض لصدمة تيار ماء بارد، حتى لو كان الجو حارا. ويضاف إلى ذلك جهل الناس بما يمكن أن يصطدموا به تحت المياه، حيث من الممكن أن تسحبهم التيارات بعيدا. وتؤكّد دراسات رسمية أن نهر التايمز من الأنهار الخطيرة في بريطانيا، حيث غرق فيه في عام 2018، 30 شخصًا، وهو ما يمثل 8 في المائة من الوفيات الناجمة عن الغرق على الصعيد الوطني. كذلك هدّد أشخاص بالانتحار في هذا النهر. وكتبت الصحف البريطانية، عن هذه الحادثة المأساوية، حيث ذكرت أن الشابين كانا مع مجموعة من الأصدقاء في 23 يونيو/حزيران، في منطقة لولي بروك في كوكهام، بيركشاير، للاستمتاع بالطقس الجيد، بالقرب من مجرى مياه متصلة بنهر التايمز، قبل أن يغرقا فيه.