30 مارس 2020
فوز "جوكر"... عراقياً
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
ما أن ظهر خبر فوز الممثل الأميركي، واكين فينيكس، بجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسي، حتى توالت ردود الفعل من العراقيين، مشيرة إلى الرمزية التي باتت الشخصية تحتلها في سياق الحركة الاحتجاجية في العراق، وهي رمزية تحتاج وقفة مع فوز فينيكس الذي كان متوقعا، لا بسبب أي مؤامرة جوكرية مزعومة، ولكن بسبب أدائه الذي لا يُنسى في تجسيد هذه الشخصية المركّبة.
يروي فيلم "جوكر" الذي أخرجه تود فيليبس قصة الإنسان الضعيف المهمّش الذي يحوله الألم والاضطهاد مجرما. يستخدم القناع نفسه، قناع المهرّج الذي يسعد الناس، في تحوّله إلى قاتل يقضي على من يظلمونه، ولكن أيضا على من يحبّونه ومن يحبهم. ثم يرتقي، ليتصدّر ثورة شعبية، تتوجه نحو تدمير كل ما حوله. بالنسبة للعراق، يبدو أن بداية رمزية الجوكر بدأت مع رفع بعض الشباب صورة "جوكر" على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ليتلقفها الطرف الآخر المؤيد لبقاء الوضع السياسي في العراق، وعلاقته الخاصة مع إيران. لم يكن الجوكر يصلح لأن يكون بطلا أبدا، فهو شخصية مجرمة، وهو كما هو معروف يمثل الشخصية الشريرة في سلسلة أفلام باتمان أو الرجل الوطواط أو الرجل الخفاش. ولكن الفيلم روى قصة حياته قبل أن يصل إلى تلك المرحلة من تربّعه على عرش الشر في أفلام باتمان، وكان فيلما رائعا.
لم يحصل أي تبنٍ، أو تأييدٍ، من الحركة الاحتجاجية في العراق للجانب الشرير للجوكر، ولكن انفتاح هذه الحركة على الثقافة الغربية جعلها متصلة بالنزعات التي تحصل في العالم، ومتفاعلة معها. أما الأطراف العراقية المتحالفة مع إيران، فهي، مثل إيران، ومثل قوى كثيرة في العالم الثالث، تنظر بعين الريبة لكل الرموز الغربية، وقد أعطاها الجوكر عنوانا، لكي تقود به حملاتها التشويهية ضد المتظاهرين. أصبح الجوكر، الذي يمثل في الفيلم ثورة على الحضارة الغربية، رمزا لتدخّل الغرب المزعوم في الاحتجاجات في العراق. وأصبحت كلمة "الجوكرية" (جمع جوكر) وصفا يستخدمه معارضو الاحتجاجات وقامعوها ضد المتظاهرين. يوصف المتظاهرون بأنهم "جوكرية" وأتباع للسفارات الغربية التي لم يحصلوا منها ومن حكوماتها سوى على بيانات تأييد لم تصل إلى مرحلة الضغط الحقيقي على النظام السياسي العراقي بأن يتغير فعلا، لأن موقف الدول الغربية هو في الحقيقة مؤيد ومساند لذلك النظام.
لم تكن احتجاجات العراق ثورة فوضوية تدميرية إجرامية، على غرار ثورة الجوكر في نهاية الفيلم، فعلى الرغم من حملات الشيطنة التي شنتها أطراف عديدة في الحكومة والنظام السياسي في العراق، والاتهامات التي انصبت على المتظاهرين، واتهمتهم بالتخريب ونشر الفوضى، فإن الواقع أظهر غير ذلك، فما عدا استهداف مقرّات الأحزاب السياسية التي وضعت نفسها ضد التظاهرات، لا بل واستخدم بعضها العنف ضد المتظاهرين، فلم تهاجم التظاهرات، ولم تحرق الممتلكات العامة والخاصة إلا في حالات نادرة جدا أو معزولة. وفي العموم، لم تسمح التظاهرات للصوص العاديين وزارعي الفوضى بالاندساس بينهم، للقيام بأعمال سرقة أو تخريب. كان الشعار والمطلب دائما هو تحقيق إصلاح حقيقي، من أجل الوصول إلى وطن حقيقي، أو بناء الدولة المنشودة التي تحترم الإنسان، ولا تظلمه وتقتله وتسرقه.
لم يكن الجوكر، إذن، رمزا معبرا عن التظاهرات العراقية، وهو لا يصلح رمزا لها أبدا. ولكن من الواضح أيضا أن استخدام الأطراف المعادية للتظاهرات له لم ينجح أيضا، فقد تم التعامل مع ذلك بالسخرية والتجاهل، لكنه مع ذلك رمز مطروح ومتداول بين الطرفين واحدا من مفردات الصراع بينهما. وبالمناسبة، لم يحصل فيلم "جوكر" نفسه على جائزة أوسكار أفضل فيلم، كما لم يفز مخرجه، تود فيليبس، بجائزة أفضل مخرج، لكن الفيلم حاز مكانته الكبيرة من النجاح التجاري وفي أوساط النقاد. وهو يستحق نظرة أخرى، ومشاهدة أخرى من جميع الأطراف؛ من الظالمين ليعرفوا أن عاقبة الظلم وخيمة، ومن الثائرين ليعرفوا أن الثورة يجب أن تكون واعية وإنسانية تلتف حول رموز ملهمة للخير والتقدّم. أكتب هذا مع إدراكي رومانسيته، فالظلم عادة ما يكون السلوك الذي تنتهجه أطراف تمثل مصالح معينة، تأبى التنازل إلا بعد أن ترغم عليه. أما الثورات فتأتي، في العادة، من أكثر الأطراف ألما وتعرّضا للظلم، وبعد أن تصل إلى درجةٍ لا تصغي فيها لصوت العقل أو الحسابات المنطقية.
أما خطبة الفنان البارع واكين فينيكس عند استلامه جائزة أفضل ممثل، فهي تستحق الاستماع والتأمل. تحدث فيها عن ضرورة التفكير بمن لا صوت لهم في هذا العالم، بل وبالعالم نفسه وبيئته. تحدّث عن امتنانه لمن منحوه فرصة أخرى، لأنه اعترف بأنه كان، في الماضي، إنسانا ظالما ومخطئا يصعب التعامل والعمل معه، ليشير محقا إلى أن البشر يكونون في أفضل حالاتهم، عندما يتسامحون ويتفهمون بعضهم بعضا.
لم يحصل أي تبنٍ، أو تأييدٍ، من الحركة الاحتجاجية في العراق للجانب الشرير للجوكر، ولكن انفتاح هذه الحركة على الثقافة الغربية جعلها متصلة بالنزعات التي تحصل في العالم، ومتفاعلة معها. أما الأطراف العراقية المتحالفة مع إيران، فهي، مثل إيران، ومثل قوى كثيرة في العالم الثالث، تنظر بعين الريبة لكل الرموز الغربية، وقد أعطاها الجوكر عنوانا، لكي تقود به حملاتها التشويهية ضد المتظاهرين. أصبح الجوكر، الذي يمثل في الفيلم ثورة على الحضارة الغربية، رمزا لتدخّل الغرب المزعوم في الاحتجاجات في العراق. وأصبحت كلمة "الجوكرية" (جمع جوكر) وصفا يستخدمه معارضو الاحتجاجات وقامعوها ضد المتظاهرين. يوصف المتظاهرون بأنهم "جوكرية" وأتباع للسفارات الغربية التي لم يحصلوا منها ومن حكوماتها سوى على بيانات تأييد لم تصل إلى مرحلة الضغط الحقيقي على النظام السياسي العراقي بأن يتغير فعلا، لأن موقف الدول الغربية هو في الحقيقة مؤيد ومساند لذلك النظام.
لم تكن احتجاجات العراق ثورة فوضوية تدميرية إجرامية، على غرار ثورة الجوكر في نهاية الفيلم، فعلى الرغم من حملات الشيطنة التي شنتها أطراف عديدة في الحكومة والنظام السياسي في العراق، والاتهامات التي انصبت على المتظاهرين، واتهمتهم بالتخريب ونشر الفوضى، فإن الواقع أظهر غير ذلك، فما عدا استهداف مقرّات الأحزاب السياسية التي وضعت نفسها ضد التظاهرات، لا بل واستخدم بعضها العنف ضد المتظاهرين، فلم تهاجم التظاهرات، ولم تحرق الممتلكات العامة والخاصة إلا في حالات نادرة جدا أو معزولة. وفي العموم، لم تسمح التظاهرات للصوص العاديين وزارعي الفوضى بالاندساس بينهم، للقيام بأعمال سرقة أو تخريب. كان الشعار والمطلب دائما هو تحقيق إصلاح حقيقي، من أجل الوصول إلى وطن حقيقي، أو بناء الدولة المنشودة التي تحترم الإنسان، ولا تظلمه وتقتله وتسرقه.
لم يكن الجوكر، إذن، رمزا معبرا عن التظاهرات العراقية، وهو لا يصلح رمزا لها أبدا. ولكن من الواضح أيضا أن استخدام الأطراف المعادية للتظاهرات له لم ينجح أيضا، فقد تم التعامل مع ذلك بالسخرية والتجاهل، لكنه مع ذلك رمز مطروح ومتداول بين الطرفين واحدا من مفردات الصراع بينهما. وبالمناسبة، لم يحصل فيلم "جوكر" نفسه على جائزة أوسكار أفضل فيلم، كما لم يفز مخرجه، تود فيليبس، بجائزة أفضل مخرج، لكن الفيلم حاز مكانته الكبيرة من النجاح التجاري وفي أوساط النقاد. وهو يستحق نظرة أخرى، ومشاهدة أخرى من جميع الأطراف؛ من الظالمين ليعرفوا أن عاقبة الظلم وخيمة، ومن الثائرين ليعرفوا أن الثورة يجب أن تكون واعية وإنسانية تلتف حول رموز ملهمة للخير والتقدّم. أكتب هذا مع إدراكي رومانسيته، فالظلم عادة ما يكون السلوك الذي تنتهجه أطراف تمثل مصالح معينة، تأبى التنازل إلا بعد أن ترغم عليه. أما الثورات فتأتي، في العادة، من أكثر الأطراف ألما وتعرّضا للظلم، وبعد أن تصل إلى درجةٍ لا تصغي فيها لصوت العقل أو الحسابات المنطقية.
أما خطبة الفنان البارع واكين فينيكس عند استلامه جائزة أفضل ممثل، فهي تستحق الاستماع والتأمل. تحدث فيها عن ضرورة التفكير بمن لا صوت لهم في هذا العالم، بل وبالعالم نفسه وبيئته. تحدّث عن امتنانه لمن منحوه فرصة أخرى، لأنه اعترف بأنه كان، في الماضي، إنسانا ظالما ومخطئا يصعب التعامل والعمل معه، ليشير محقا إلى أن البشر يكونون في أفضل حالاتهم، عندما يتسامحون ويتفهمون بعضهم بعضا.
دلالات
رافد جبوري
كاتب وصحفي عراقي، مراسل تلفزيون العربي في واشنطن، له مقالات وبحوث منشورة باللغتين العربية والانكليزية، ماجستير في التاريخ المعاصر والسياسة من جامعة لندن.
رافد جبوري
مقالات أخرى
20 مارس 2020
12 مارس 2020
05 مارس 2020