تضرب إقليم كردستان العراق فوضى سياسية عارمة، إذ تواجه أربيل عدة أزمات في آن واحد، رفعت مستوى القلق لدى الشارع الكردي والقوى السياسية على حد سواء، ودفعت قيادات كردية عدة إلى المطالبة بتقديم تنازلات من أجل منع أي تصعيد من قبل بغداد، ينتهي بإغلاق المنافذ البرية مع تركيا وإيران.
وبعيداً عن أزمة الاستفتاء الكردي الهادف للانفصال، فإن أربيل على موعد مع انتخابات البرلمان ورئاسة الإقليم بعد نحو ثلاثة أسابيع من الآن، فيما لم تتوصل الكتل السياسية إلى تقديم مرشح واحد لمنصب الرئاسة، كما أن التحالفات بين الكتل والأحزاب الكردية ما زالت بعيدة، إذ ترتبط تلك التحالفات بالتوصل إلى قرار حول شمول المناطق المتنازع عليها بالانتخابات من عدمه، خصوصاً كركوك، إذ يعني شمولها تصعيداً جديداً قد يؤدي إلى عودة أجواء التلويح بالخيار العسكري من قبل بغداد. وفي حال تم استثناء تلك المناطق، فإن الإقليم يقر بشكل مباشر عدم أحقيته بها، وبالتالي عدم شرعية نتائج الاستفتاء الخاص بالانفصال، الذي أجري في تلك المناطق، ويعادل نحو 40 في المائة من مجموع أصوات الإقليم.
في المقابل، فإن الحراك الذي يبذله كل من رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، ونائبي رئيس الجمهورية أسامة النجيفي وإياد علاوي، بدا إيجابياً من قبل أربيل، التي أرسلت عدة إشارات تتضمن استعدادها للحوار، لكن من دون أي شرط من كلا الجانبين. وقال المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان العراق، سفين ديزي، لـ"العربي الجديد"، إن "الإقليم يوافق الآن على حوار مباشر ومفتوح مع بغداد، من دون شرط مسبق، لا من قبلنا ولا من قبل بغداد". وأضاف ديزي "منذ اليوم الأول للاستفتاء كانت هناك رغبة في الإقليم أن يكون التفاوض على مجمل المواضيع بين أربيل وبغداد بعيداً عن دول الجوار، لكن الأجواء غير الطبيعية، والتصعيد من قبل الحكومة الاتحادية والبرلمان لم يكن مبرراً ولا منطقياً، واليوم هناك محاولات كثيرة، ومبادرات داخلية وخارجية للجلوس إلى طاولة الحوار، ونحن نرحب بذلك، لكن إلغاء نتائج الاستفتاء غير وارد، ونريد حواراً بلا شروط، والحوار يكون على تنظيم العلاقة بين بغداد وأربيل. وإلغاء نتائج الاستفتاء يتطلب تنظيم استفتاء آخر لشعب كردستان، ولهذا السبب الاستفتاء لن يلغى، لكن نرحب بالتفاوض بعيداً عنه من دون المساس به". وتابع "نحن جزء من العراق، وحريصون على استقرار العراق، وتربطنا الكثير من المشتركات، لذا نعم للحوار بلا شروط ونناقش كل المواضيع، ولتكن أجندة مفتوحة بعيداً عن المس بالاستفتاء، وبلا أي شروط".
وزار رئيس البرلمان العراقي، سليم الجبوري، مدينة أربيل، أمس الأحد، في زيارة هي الأولى منذ إجراء الإقليم استفتاء الانفصال، وذلك بعد ساعات قليلة من اجتماع مغلق ضم كلاً من علاوي والنجيفي ورئيس الإقليم، مسعود البارزاني. وأبلغ البارزاني رئيس البرلمان استعداده للحوار مع بغداد من دون شروط مسبقة. وقال المستشار السياسي في ديوان رئاسة الإقليم، هيمن هورامي، في بيان، إنّ "البارزاني وخلال اجتماعه مع الجبوري، أكد موقفه من الحوار، واستعداده لإجرائه مع بغداد على جدول أعمال مفتوح، دون شروط مسبقة من أي طرف، وفي غضون فترة زمنية محددة". من جانبه، قال قيادي بارز في حركة "التغيير" الكردية في مدينة السليمانية، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك ضغوطاً من قبل أطراف كردية سياسية على البارزاني للقبول بالحوار بأسرع وقت ممكن، تحاشياً لإغلاق المنافذ البرية أو عقوبات إضافية على الإقليم". وأضاف إن "ارتباك البيت الكردي الداخلي واضح، بسبب قرب الانتخابات، وعدم اتضاح صورة المرشحين لمنصب الرئاسة، والحديث عن احتمال تأجيلها بسبب عدم وجود توافق على شمول المناطق المتنازع عليها من عدمه، وكذلك بدأت آثار العقوبات تتضح على السوق والمواطن على حد سواء في عموم مدن الإقليم". وبين أن "أربيل تطرح اليوم على القادمين من بغداد، وهم رئيس البرلمان ونائبا رئيس الجمهورية، فكرة الحوار بعيداً عن الاستفتاء، بمعنى ركن الاستفتاء جانباً من دون الاعتراف به أو إلغائه، وهو حل وسط لبدء الحوار ويحفظ ماء وجه الطرفين" وفقاً لقوله.
من جانبه، قال عضو تحالف القوى العراقية، محمد المشهداني، لـ"العربي الجديد"، إن زيارات مسؤولي بغداد لأربيل هي محاولة لتفكيك الأزمة وإقناع البارزاني بخطورة الموقف. وأوضح أنه "بكل الاحوال لا يمكن اعتبارها زيارات رسمية تمثل البرلمان أو رئاسة الجمهورية"، كاشفاً عن أن "تلك الزيارات حملت مبادرة تفكيك أزمة أو تمهيد لعودة أجواء الحوار، من بينها عودة النواب والمسؤولين الأكراد إلى بغداد واستئناف عملهم ووقف التصعيد الإعلامي والاتفاق على تشكيل لجنة سياسية للتواصل بين الجانبين". وكان مكتب الجبوري أصدر بياناً رد فيه على انتقادات وجهتها قوى شيعية لزيارته أربيل، أوضح فيه أن "الزيارة جاءت لوقف التدهور الحاصل في الأزمة، وتداعيات ذلك على العلاقة بين بغداد وأربيل، ودخول دول إقليمية في الأزمة كأطراف، ما يهدد أمن واستقرار العراق كدولة، ومن أجل إعادة جميع الأطراف للبحث عن مخرج وإنهاء حالة القطيعة بين المركز والإقليم، وللحيلولة دون تفاقم الأمور والوصول إلى طرق مغلقة".
من جانبه، أعلن القيادي في التحالف الحاكم في العراق، جاسم محمد جعفر، لـ"العربي الجديد"، أن واشنطن وافقت على دعم مشروع اعتبار كركوك ملفا مستقلا بذاته، ووصفها بأنها ذات وضع خاص. وقال جعفر، وهو أحد المقربين من رئيس الوزراء، حيدر العبادي، إن "الأميركيين وافقوا على جعل كركوك ذات وضع خاص، والآن يطرح هذا الموضوع بقوة في واشنطن كأحد خيارات الحل، وهناك موافقة من الأمم المتحدة، وتكون إدارتها من قبل أهلها بالتوافق من دون أن يكون لأربيل شأن بالموضوع، على أن تكون المدينة تحت نفوذ بغداد أمنياً وتحت إشرافها"، مبيناً أن هذا المقترح قدمه تركمان العراق قبل مدة، وهناك توافق كبير عليه لحل أزمة كركوك. وكشف جعفر عن قمة ثلاثية بين الرئيس الإيراني، حسن روحاني، والتركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، ستعقد خلال الأيام المقبلة، لبحث مسألة الاستفتاء ومشروع الانفصال الكردي، مؤكداً أنه تم الاتفاق على ذلك مسبقاً. وأوضح أن "البرنامج السابق كان يقضي بأن يلتحق العبادي بقمة أردوغان وروحاني في طهران لكن غاب عنها رئيس الوزراء طالباً أن تكون القمة في بغداد، باعتبار أن العراق هو صاحب الشأن، وتم التوافق على قمة ثلاثية في بغداد من المؤمل أن تعقد خلال الأيام المقبلة من هذا الشهر". وأضاف أن "القمة ستناقش آلية التعامل مع أزمة كردستان وموضوع الاستفتاء الكردي، وألا تتحول الإجراءات المتخذة ضد حكومة الإقليم إلى وسيلة إضرار بالشعب العراقي الكردي هناك"، مؤكداً أن "القمة ستناقش ملفات أخرى تتعلق بمجالات التعاون بين الدول الثلاث". واعتبر رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، نجيرفان البارزاني، في تصريح أمام وسائل إعلام كردية أمس الأحد، أنه "على العبادي أن يفهم أن استفتاء كردستان شأن داخلي وليس خارجيا، ولجوء بغداد إلى الدول الأخرى للضغط على إقليم كردستان ليس من مصلحة العراق ولا تلك الدول"، مبيناً أن "موقف إقليم كردستان واضح بالدعوة لإجراء حوار غير مشروط مع بغداد"، كاشفاً عن أن رئيس جمهورية العراق، فؤاد معصوم، "سيطلق خلال الأسبوع المقبل مبادرة لبدء المفاوضات بين الأطراف، وحالياً نبذل كل ما بوسعنا لتطبيع العلاقات مع تركيا".