بدأ شويبله، المولود عام 1942 في برايسغاو قرب فرايبورغ، مسيرته السياسية بانضمامه إلى "المسيحي الديمقراطي" في عام 1965. وفي عام 1972 انتخب نائباً في البوندستاغ، ليعود في عام 1984 ويعينه المستشار الألماني الأسبق، هيلموت كول، وزيراً للمهام الخاصة ومدير مكتب المستشارية. وفي عام 1989 تولى منصب وزير الداخلية، وكان من المؤثرين في عملية التفاوض لاتفاق 1990 للوحدة الألمانية، وعاد وشغل الوزارة نفسها من عام 2005 حتى 2009، قبل أن يتولى، ومنذ ثماني سنوات، وزارة المالية وكان له الفضل في تحقيق الكثير من الإنجازات والهندسة المالية في ألمانيا وأوروبا، مع موقفه المتشدد من وزراء مالية الاتحاد الأوروبي بشأن قضية إنقاذ دول اليورو. وتمكن بحنكته السياسية ودهائه من كسب احترام مختلف الأطراف، لا سيما في مقاربته الواقعية للأزمات، وهو الذي يتنقل حاملاً ملفاته وفارضاً نفسه مفاوضاً صعباً، عبر التمسك بخياراته. كذلك كان له موقف لافت في قضية اللاجئين، وهو القائل "أطفالنا سيفخرون بالاستعداد الكبير للألمان ومساعدتهم اللاجئين".
واكتشف المحامي شويبله سحره الخاص في عالم السياسة، رغم أن المسيرة لم تكن سهلة، فقد نجا خلال الحملة الانتخابية في أكتوبر/تشرين الأول 1990، من محاولة اغتيال لم تثنه عن المثابرة في حياته السياسية، من على كرسي متحرك. كما نجا أيضاً من الهزائم السياسية، بعدما هندس الوضع المالي الذي هدد اليونان، وأثبت أنه أقوى من أي وزير مالية آخر في أوروبا، بحيث وضعته أزمة اليورو في ذروة سلطته، بعد أن أدخل اليونان في مرحلة حاسمة، وأنقذها من الإفلاس، وكان له دور فعال في إدارة أزمة ديون دول اليورو وفرضه إعادة هيكلة للاتحاد النقدي. ويتجاهل المخضرم شويبله أحياناً الصراعات، ومرات أخرى يقف بوجهها، وهذا ما برز واضحاً في تعامله مع الأميركيين أخيراً، بعد الحديث عن فوائض الصادرات الألمانية العالية، إذ إنه قاربها على طريقته الخاصة، ولم يكترث لضغوط واشنطن، ووصل به الأمر لنفي أي خلاف معها في مستهل اجتماع مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية، رغم استمرار الخلاف، بل وتفاقمه، في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي أحيا شعار "أميركا أولاً". وعاد وجاهر بموقفه، داعياً أميركا إلى بذل المزيد من الجهود لتعزيز الطلب على الصناعة المحلية.
ويعتبر شويبله، الذي وصفته المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، بـ"الصخرة والعملاق والشريك الموثوق به"، مرساة الاستقرار للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مجلس الوزراء، ومن الجناح المحافظ في الاتحاد المسيحي الديمقراطي في كافة القضايا المتنازع عليها، ومنها قانون الضرائب الألماني. وقال في هذا الإطار إن "السياسة هي الحاجة، والحاجة تكمن في اتخاذ القرارات التي تضمن حصول الناس على فرصة لعيش حياة جيدة وفقاً لأفكارهم". ومع انسحاب شويبله من وزارة المالية، ستخسر ألمانيا الرأس المدبر لإدارة الأزمات، ورجلاً صاغ سياستها المالية لأعوام، وقدم للحكومة الاتحادية، في عام 2014، للمرة الأولى منذ أربعة عقود، ميزانية من دون ديون جديدة، وحسم التخطيط المالي للحكومة حتى عام 2021.
ويلقى انتخاب شويبله ترحيباً من أطراف عدة، تعول على دوره المستقبلي في السياسة الألمانية بشكل خاص، والأوروبية بشكل عام. وهذا ما عبر عنه رئيس الحزب الليبرالي الحر، كريستيان ليندنر، بالقول إنه "السياسي الذي يمتلك شخصية وسلطة طبيعية ذات أهمية خاصة على رأس البوندستاغ خلال هذه الأوقات، وسيعطي للبرلمان قيمة وهيبة في الخارج، وسيحافظ على كرامته في الداخل". بدوره، وعد شويبله، قبيل انتخابه، بأنه سيستمر في الالتزام بالقانون، مؤكداً أن "الديمقراطية التي تتميز بها ألمانيا قوية ومتماسكة، وستبقى كذلك، ولا يمكن لأي شخص تدميرها، لا من الداخل ولا من الخارج". واعتبر شويبله، في حديث مع صحيفة "بيلد" أخيراً، أن تحالف "جامايكا" سيأتي في الوقت القريب، لأننا بحاجة إلى حكومة مستقرة للبلد. ونصح بإيجاد تقاطعات مهمة بين الأطراف عند تشكيل الحكومة. ورأى أنه لا لزوم للنزاع. ولا يزال من غير الواضح من سيحل مكان شخصية محنكة سياسياً ومالياً في منصب وزير مالية ألمانيا الاتحادية، علماً أن الأمر موضع اهتمام كبير في الخارج، وفي الأسواق المالية الدولية، لما لألمانيا من مكانة اقتصادية على مستوى أوروبا والعالم.