مثل كل النساء في العالم كن يحلمن بحياة رغدة، بعضهن فتيات في سن الزهور كن ينتظرن فرسان أحلامهن، بينما لا تفارق الأماني الوردية لليلة العمر مخيّلتهن، وأخريات كن يعشن حياة رغيدة مع أزواجهن. أحلام بدّدها واقع مؤلم استيقظن عليه عندما اندلعت الحرب في بلدهن، سورية، في العام 2011، ليفترق الأحباب، ويذهب دفء العائلة، ويصبح أقصى أمل لهن توفير لقمة العيش، ويد رحيمة تساعدهن على الانتقال بعيدًا عن دمار الحرب، والخوف الذي بات يعشعش في كل مكان هناك.
وبينما كن يكابدن كل هذه الأوجاع، التي تفوق طاقة البشر، انبثق أمامهن شعاع أمل، حيث فرصة للانتقال إلى لبنان، والحياة الرحبة بعيدا عن جحيم الحرب، قبل أن ينقلب هذا الشعاع إلى عتمة حالكة، بعد أن وجدن أنفسهن في قبضة أناس قست قلوبهم، لم يعد فيها للرحمة مكان، كانوا في انتظار فرائسهم والزج بها إلى جحيم "العبودية الجنسية".
إنها قصة 75 امرأة وفتاة، غالبيتهن من الجنسية السورية، استُدرجن إلى لبنان بذريعة قيامهن بأعمال منزلية في البيوت أو غيرها، وفور وصولهن، كانت جوازاتهن وأوراقهن الثبوتية تُصادر، وكنّ يُخبرن أنهن مسجونات من لحظة وصولهن، وأنهن مُجبَرات على العمل في "الدعارة" تحت تهديد القتل، حسب ما أفادت بعض الضحايا لمراسل "الأناضول".
ووفق معلومات أجهزة الأمن اللبنانية، التي كشفت عن إلقاء القبض على عناصر هذه الشبكة، يوم الجمعة الماضي، فإنّ "رأسها" هو لبناني يُدعى علي حسن زعيتر، بينما مُديرها سوري يُدعى عماد الريحاني، والأخير كان مختصًا في استدراج النساء والفتيات والإيقاع بهن.
وكانت هذه الشبكة تستخدم ملاهٍ ليلية وفنادق وشققاً مفروشة، منها ملهى "شي موريس" وملهى "سيلفر" في منطقة جونية بمحافظة جبل لبنان، شمال بيروت، اللذين يديرهما اللبناني موريس جعجع، وهو موقوف منذ 3 أشهر بتهمة "تسهيل الدعارة".
ورغم مرور بضعة أيام على كشف هذه الشبكة، التي تتاجر بالبشر، لا زال صداها، وتفاصليها المؤلمة، تشغل الرأي العام اللبناني حتى هذه اللحظة. وكالة "الأناضول" التقت 4 من هؤلاء الفتيات المحررات من أسر الشبكة، فروين قصصا مرعبة واجهتهن طيلة مدة السجن القصري، الذي امتد بالنسبة لبعضهن لأكثر من عامين ونصف العام.
اقــرأ أيضاً
أقدم أسيرة لدى الشبكة
القصة الأولى لسالي (27 عاما من حمص، وسط غربي سورية)، التي تعد أقدم أسيرة لدى الشبكة، حيث تم احتجازها لمدة عامين ونصف العام، وهي فترة تصفها بأنها "الأكثر مرارة" في حياتها، وتقول: "لقد نسيت لون الشمس، ومشهد الشارع والسيارات. جئت إلى لبنان بعدما فقدت عائلتي في الحرب الدائرة بسورية".
وتضيف: "تعرّفت إلى عماد الريحاوي خلال سهرة في بيروت على أساس قصة حب وزواج"، خاصة أنه سوري، وابن بلدها، ويريد أن يساعدها. وتتابع: "بعد لقاءات عدة، اصطحبني إلى ملهى (شي موريس) على أساس شغل، وقال لي: إنه يحتاج ثلاثة أشهر حتى ينتهي من تجهيز منزله، وبعدها نتزوج". وتشير إلى أن لحظات السعادة التي شعرت بها، انتهت بعدما وصلت إلى ملهى "شي موريس". وتصف ذلك قائلة: "بعدما أوصلني إلى المكان، ورأيت الفتيات بملابس فاضحة جدا، وأخبرني عن طبيعة العمل، رفضت، فطلب مني أن أبقى ليلة واحدة على أن أرحل في اليوم التالي، صرت أبكي، ولم أتقبّل أن يلمسني أحد".
وتتابع: "في اليوم التالي جمعت أمتعتي لأرحل، فوجدت الأبواب موصدة في وجهي، وقالت لي إحدى الحارسات إن عليّ أن آخذ إذنًا من عماد للمغادرة. وعندما حضر إلى المكان ضربني كفّين (صفعها مرتين)، لم أستطع بعدهما أن أسمع بأذني لأيام عدة".
وتابعت، وهي تبكي: "أخذني إلى الصالون (مكان في الملهى)، ووضعني على الكرسي، وأحضر الكرباج وأنزل الفتيات، وسألهن بصوت عالٍ: (ماذا أفعل بالتي تفكر في الرحيل؟)، فشعرت بالخوف، أنا التي لم أتلق صفعة واحدة في حياتي".
وتواصل قصتها قائلة: "بعد 15 يوما، لم أستطع التحمّل، وقلت له أنني أريد أن أرحل. وضعني على الكرسي، وضربني بالكرباج، ولم يتوقف حتى قلت له إنني لا أريد الرحيل أبداً"، لافتة إلى أن الضرب بالكرباج يكون على القدمين حتى لا يثير الأمر شكوك الزبون. وتستطرد: "إذا لم نعد قادرين على العمل من جراء الضرب، يعطينا عطلة يومين، أما إذا كنا قادرين على الحركة، فنعود إلى العمل. أحيانا يسألنا الزبون عن سبب هذه الآثار (الناتجة عن الضرب)، فنقول له: وقعنا على الدرج".
وحول الأيام الأخيرة لها مع الشبكة وكيف تمكن الأمن اللبناني من كشفها، تقول سالي: "قررنا الهروب، أنا وسبع بنات أخريات، لكن فكرنا أنه إن توجهنا إلى الأمن العام سيجدنا (تقصد: عماد)". وتضيف: "في النهاية حزمنا أمرنا وبدانا بالفعل في الهرب، لكن عماد قبض على ثلاث منّا، فيما تمكنت الخمس الباقيات من الهروب".
وتتابع قصتها: "كنت ممّن لم يتمكّنَّ من الهرب. وعندما قبض عليّ عماد ربطني في السرير، وراح يجلدني، لكنه لم يكثر من عدد الجلدات، لأن نهار السبت (26 مارس/ آذار) يكون لدينا عمل كثير. تركني وهو يهددني بأنه سيكمل ضربي نهار الإثنين، لكن تمت المداهمة الأحد".
أكثر ألما
أما حكاية رنا (24 عاما عاما من السويداء، جنوبي سورية)، فتعد أصعب من سابقتها؛ إذ بدأت فصولها مع جحيم الحرب في سورية، والذي أجبرها على اللجوء إلى السعودية، لتتزوج من أحد مواطني المملكة، وأنجبت منه أطفالًا، قبل أن تنفصل عنه، لتعود من هناك إلى لبنان حيث واجهت مأساة أخرى أثقلت من همومها التي صارت كـ"الجبال"، كما تقول.
وتشير إلى أنها ذهبت إلى لبنان من أجل توفير لقمة العيش، وتوفير مال تتمكن به من توكيل محام يساعدها في العودة إلى السعودية، واسترداد أطفالها من طليقها. لكنها لم تكن تعلم أنها ستذهب إلى جحيم أكثر آلما من جحيم الحرب في بلدها وجحيم فقدان أطفالها.
وتقول رنا ساردة قصتها: "كان من المقرر أن أمكث في لبنان شهرًا عند عمي، ثم أعود إلى السعودية من أجل محاولة استرداد أولادي. لكنني لم أرتح في العيش مع عمي. تركته بعدما تعرفت على بنات، وسكنت معهن في منزل مشترك في جونيه. تعرفت على عماد من قبل أحد الأشخاص على أساس توظيفي في مطعم".
وتضيف: "اتصلت به (عماد) فجاء إليّ، وقال إنه يريدني أن أعمل لديه، فسألته إن كان باستطاعته مساعدتي في العودة إلى السعودية، فأنا تركت أولادي ولديّ مشكلة مع السفارة (السعودية)، حيث يريدون مني ورقة تثبت أنني متزوجة من مواطن سعودي ولي أولاد منه لمنحي تأشيرة، وأحتاج إلى من يرسل هذه الورقة من السعودية، وزوجي لن يقبل بذلك".
وتشير إلى أنها بعدما عرفت بطبيعة العمل، رفضت، وبعد الضرب والتعذيب عادت ووافقت. وكشفت أنها بعد فترة حملت من أحد الزبائن، وتأخروا في إجراء عملية إجهاض لها حتى أصبحت في الشهر الرابع. عندها أصبح من الصعب إجراء عملية الإجهاض، "فأعطوني دواءً حتى يقتل الجنين ويفتّته في أحشائي قبل سحبه"، كما تقول رنا.
أما سيرينا (27 عاما من ريف إدلب، شمالي غربي سورية)، فوصلت إلى لبنان قبل نحو ثلاثة أشهر، هربا من الخوف الذي صار يلاحق كل من بقي في سورية، بسبب الحرب الدائرة هناك. وتسرد تجربتها المريرة قائلة: "تعرفت على شاب (عماد) على أساس قصة إعجاب وزواج. أخبرني أننا سنعيش في لبنان وسنعمل معاً. عندها، أعددت أوراقي وسافرت إليه".
وتضيف: "تحدثت مع عماد عدة مرات عبر الهاتف قبل السفر، وجعلني أتحدث إلى نور التي عرّفني عليها على أنها إحدى صديقاته (اكتشفت بعدها أنها زوجته وإحدى الحارسات في الشبكة) التي شجعتني بدورها على المجيء إلى لبنان".
وبعد حضورها، اصطحبها عماد إلى ملهى "شي موريس". وحول ذلك، تقول سيرينا: "عندما وصلت إلى الملهى لم أشعر بشيء غريب، إذ تخيلت أنني سأقدم الطلبات للزبائن، وبعدها طلب عماد من أحدهم إرشادي الى غرفة لأرتاح فيها".
وتشير إلى أنها لم تكن تعرف معنى كلمة "دعارة"، وحاولت أن تستفسر من إحدى الفتيات عن طبيعة هذا العمل. ولم ترغب سيرينا في استكمال قصتها، حيث إنها لا تريد تذكّر الفظائع التي عايشتها داخل الملهى.
اقــرأ أيضاً
أحدث ضحية
قبل 10 أيام فقط وصلت نغم (30 عاما من طرطوس، غربي سورية)، إلى لبنان لتصبح أحدث ضحية للشبكة. وحول تجربتها المؤلمة تقول: "صديقة لي في سورية اتصلت بي في إحدى المرات، وقالت إن لديها صديقاً يريد أن يفتح مطعماً في جونيه، وعرضت عليّ العمل لديه بمعاش (راتب) 1000 دولار أميركي، لأتمكن من جمع المال ويلحق بي زوجي في وقت لاحق من سورية، حيث صار الموت يطارد كل من بقي هناك".
وتضيف: "حين وصلت، أطلعني عماد على حقيقة العمل، فرفضت، وقلت له إن بإمكاني أن أتصل بأحد الأشخاص ليؤمّن له المبلغ الذي دفعه كلفة وصولي إلى لبنان، فقال: (لا، بدكن تشتغلوا)، وبعد الضرب والإكراه، أجبروني على العمل". وطلبت نغم عدم الخوض في تفاصيل أخرى من قصتها حفاظا على كرامة زوجها، وحتى لا تتضرر صورتها بشكل أكبر أمام أطفالها.
وبينما كن يكابدن كل هذه الأوجاع، التي تفوق طاقة البشر، انبثق أمامهن شعاع أمل، حيث فرصة للانتقال إلى لبنان، والحياة الرحبة بعيدا عن جحيم الحرب، قبل أن ينقلب هذا الشعاع إلى عتمة حالكة، بعد أن وجدن أنفسهن في قبضة أناس قست قلوبهم، لم يعد فيها للرحمة مكان، كانوا في انتظار فرائسهم والزج بها إلى جحيم "العبودية الجنسية".
إنها قصة 75 امرأة وفتاة، غالبيتهن من الجنسية السورية، استُدرجن إلى لبنان بذريعة قيامهن بأعمال منزلية في البيوت أو غيرها، وفور وصولهن، كانت جوازاتهن وأوراقهن الثبوتية تُصادر، وكنّ يُخبرن أنهن مسجونات من لحظة وصولهن، وأنهن مُجبَرات على العمل في "الدعارة" تحت تهديد القتل، حسب ما أفادت بعض الضحايا لمراسل "الأناضول".
ووفق معلومات أجهزة الأمن اللبنانية، التي كشفت عن إلقاء القبض على عناصر هذه الشبكة، يوم الجمعة الماضي، فإنّ "رأسها" هو لبناني يُدعى علي حسن زعيتر، بينما مُديرها سوري يُدعى عماد الريحاني، والأخير كان مختصًا في استدراج النساء والفتيات والإيقاع بهن.
وكانت هذه الشبكة تستخدم ملاهٍ ليلية وفنادق وشققاً مفروشة، منها ملهى "شي موريس" وملهى "سيلفر" في منطقة جونية بمحافظة جبل لبنان، شمال بيروت، اللذين يديرهما اللبناني موريس جعجع، وهو موقوف منذ 3 أشهر بتهمة "تسهيل الدعارة".
ورغم مرور بضعة أيام على كشف هذه الشبكة، التي تتاجر بالبشر، لا زال صداها، وتفاصليها المؤلمة، تشغل الرأي العام اللبناني حتى هذه اللحظة. وكالة "الأناضول" التقت 4 من هؤلاء الفتيات المحررات من أسر الشبكة، فروين قصصا مرعبة واجهتهن طيلة مدة السجن القصري، الذي امتد بالنسبة لبعضهن لأكثر من عامين ونصف العام.
أقدم أسيرة لدى الشبكة
القصة الأولى لسالي (27 عاما من حمص، وسط غربي سورية)، التي تعد أقدم أسيرة لدى الشبكة، حيث تم احتجازها لمدة عامين ونصف العام، وهي فترة تصفها بأنها "الأكثر مرارة" في حياتها، وتقول: "لقد نسيت لون الشمس، ومشهد الشارع والسيارات. جئت إلى لبنان بعدما فقدت عائلتي في الحرب الدائرة بسورية".
وتضيف: "تعرّفت إلى عماد الريحاوي خلال سهرة في بيروت على أساس قصة حب وزواج"، خاصة أنه سوري، وابن بلدها، ويريد أن يساعدها. وتتابع: "بعد لقاءات عدة، اصطحبني إلى ملهى (شي موريس) على أساس شغل، وقال لي: إنه يحتاج ثلاثة أشهر حتى ينتهي من تجهيز منزله، وبعدها نتزوج". وتشير إلى أن لحظات السعادة التي شعرت بها، انتهت بعدما وصلت إلى ملهى "شي موريس". وتصف ذلك قائلة: "بعدما أوصلني إلى المكان، ورأيت الفتيات بملابس فاضحة جدا، وأخبرني عن طبيعة العمل، رفضت، فطلب مني أن أبقى ليلة واحدة على أن أرحل في اليوم التالي، صرت أبكي، ولم أتقبّل أن يلمسني أحد".
وتتابع: "في اليوم التالي جمعت أمتعتي لأرحل، فوجدت الأبواب موصدة في وجهي، وقالت لي إحدى الحارسات إن عليّ أن آخذ إذنًا من عماد للمغادرة. وعندما حضر إلى المكان ضربني كفّين (صفعها مرتين)، لم أستطع بعدهما أن أسمع بأذني لأيام عدة".
وتابعت، وهي تبكي: "أخذني إلى الصالون (مكان في الملهى)، ووضعني على الكرسي، وأحضر الكرباج وأنزل الفتيات، وسألهن بصوت عالٍ: (ماذا أفعل بالتي تفكر في الرحيل؟)، فشعرت بالخوف، أنا التي لم أتلق صفعة واحدة في حياتي".
وتواصل قصتها قائلة: "بعد 15 يوما، لم أستطع التحمّل، وقلت له أنني أريد أن أرحل. وضعني على الكرسي، وضربني بالكرباج، ولم يتوقف حتى قلت له إنني لا أريد الرحيل أبداً"، لافتة إلى أن الضرب بالكرباج يكون على القدمين حتى لا يثير الأمر شكوك الزبون. وتستطرد: "إذا لم نعد قادرين على العمل من جراء الضرب، يعطينا عطلة يومين، أما إذا كنا قادرين على الحركة، فنعود إلى العمل. أحيانا يسألنا الزبون عن سبب هذه الآثار (الناتجة عن الضرب)، فنقول له: وقعنا على الدرج".
وحول الأيام الأخيرة لها مع الشبكة وكيف تمكن الأمن اللبناني من كشفها، تقول سالي: "قررنا الهروب، أنا وسبع بنات أخريات، لكن فكرنا أنه إن توجهنا إلى الأمن العام سيجدنا (تقصد: عماد)". وتضيف: "في النهاية حزمنا أمرنا وبدانا بالفعل في الهرب، لكن عماد قبض على ثلاث منّا، فيما تمكنت الخمس الباقيات من الهروب".
وتتابع قصتها: "كنت ممّن لم يتمكّنَّ من الهرب. وعندما قبض عليّ عماد ربطني في السرير، وراح يجلدني، لكنه لم يكثر من عدد الجلدات، لأن نهار السبت (26 مارس/ آذار) يكون لدينا عمل كثير. تركني وهو يهددني بأنه سيكمل ضربي نهار الإثنين، لكن تمت المداهمة الأحد".
أكثر ألما
أما حكاية رنا (24 عاما عاما من السويداء، جنوبي سورية)، فتعد أصعب من سابقتها؛ إذ بدأت فصولها مع جحيم الحرب في سورية، والذي أجبرها على اللجوء إلى السعودية، لتتزوج من أحد مواطني المملكة، وأنجبت منه أطفالًا، قبل أن تنفصل عنه، لتعود من هناك إلى لبنان حيث واجهت مأساة أخرى أثقلت من همومها التي صارت كـ"الجبال"، كما تقول.
وتشير إلى أنها ذهبت إلى لبنان من أجل توفير لقمة العيش، وتوفير مال تتمكن به من توكيل محام يساعدها في العودة إلى السعودية، واسترداد أطفالها من طليقها. لكنها لم تكن تعلم أنها ستذهب إلى جحيم أكثر آلما من جحيم الحرب في بلدها وجحيم فقدان أطفالها.
وتقول رنا ساردة قصتها: "كان من المقرر أن أمكث في لبنان شهرًا عند عمي، ثم أعود إلى السعودية من أجل محاولة استرداد أولادي. لكنني لم أرتح في العيش مع عمي. تركته بعدما تعرفت على بنات، وسكنت معهن في منزل مشترك في جونيه. تعرفت على عماد من قبل أحد الأشخاص على أساس توظيفي في مطعم".
وتضيف: "اتصلت به (عماد) فجاء إليّ، وقال إنه يريدني أن أعمل لديه، فسألته إن كان باستطاعته مساعدتي في العودة إلى السعودية، فأنا تركت أولادي ولديّ مشكلة مع السفارة (السعودية)، حيث يريدون مني ورقة تثبت أنني متزوجة من مواطن سعودي ولي أولاد منه لمنحي تأشيرة، وأحتاج إلى من يرسل هذه الورقة من السعودية، وزوجي لن يقبل بذلك".
وتشير إلى أنها بعدما عرفت بطبيعة العمل، رفضت، وبعد الضرب والتعذيب عادت ووافقت. وكشفت أنها بعد فترة حملت من أحد الزبائن، وتأخروا في إجراء عملية إجهاض لها حتى أصبحت في الشهر الرابع. عندها أصبح من الصعب إجراء عملية الإجهاض، "فأعطوني دواءً حتى يقتل الجنين ويفتّته في أحشائي قبل سحبه"، كما تقول رنا.
أما سيرينا (27 عاما من ريف إدلب، شمالي غربي سورية)، فوصلت إلى لبنان قبل نحو ثلاثة أشهر، هربا من الخوف الذي صار يلاحق كل من بقي في سورية، بسبب الحرب الدائرة هناك. وتسرد تجربتها المريرة قائلة: "تعرفت على شاب (عماد) على أساس قصة إعجاب وزواج. أخبرني أننا سنعيش في لبنان وسنعمل معاً. عندها، أعددت أوراقي وسافرت إليه".
وتضيف: "تحدثت مع عماد عدة مرات عبر الهاتف قبل السفر، وجعلني أتحدث إلى نور التي عرّفني عليها على أنها إحدى صديقاته (اكتشفت بعدها أنها زوجته وإحدى الحارسات في الشبكة) التي شجعتني بدورها على المجيء إلى لبنان".
وبعد حضورها، اصطحبها عماد إلى ملهى "شي موريس". وحول ذلك، تقول سيرينا: "عندما وصلت إلى الملهى لم أشعر بشيء غريب، إذ تخيلت أنني سأقدم الطلبات للزبائن، وبعدها طلب عماد من أحدهم إرشادي الى غرفة لأرتاح فيها".
وتشير إلى أنها لم تكن تعرف معنى كلمة "دعارة"، وحاولت أن تستفسر من إحدى الفتيات عن طبيعة هذا العمل. ولم ترغب سيرينا في استكمال قصتها، حيث إنها لا تريد تذكّر الفظائع التي عايشتها داخل الملهى.
أحدث ضحية
قبل 10 أيام فقط وصلت نغم (30 عاما من طرطوس، غربي سورية)، إلى لبنان لتصبح أحدث ضحية للشبكة. وحول تجربتها المؤلمة تقول: "صديقة لي في سورية اتصلت بي في إحدى المرات، وقالت إن لديها صديقاً يريد أن يفتح مطعماً في جونيه، وعرضت عليّ العمل لديه بمعاش (راتب) 1000 دولار أميركي، لأتمكن من جمع المال ويلحق بي زوجي في وقت لاحق من سورية، حيث صار الموت يطارد كل من بقي هناك".
وتضيف: "حين وصلت، أطلعني عماد على حقيقة العمل، فرفضت، وقلت له إن بإمكاني أن أتصل بأحد الأشخاص ليؤمّن له المبلغ الذي دفعه كلفة وصولي إلى لبنان، فقال: (لا، بدكن تشتغلوا)، وبعد الضرب والإكراه، أجبروني على العمل". وطلبت نغم عدم الخوض في تفاصيل أخرى من قصتها حفاظا على كرامة زوجها، وحتى لا تتضرر صورتها بشكل أكبر أمام أطفالها.