ما زالت مسرحية "مدرسة المشاغبين" تتربع على عرش الكوميديا، وتعرض مراراً وتكراراً على شاشات القنوات الفضائية، وتعيش في ذاكرة المشاهدين بمجموعة من الإفيهات التي بقيت متداولة على نطاق واسع رغم مرور اثنين وأربعين عاماً على عرضها الأول في 24 تشرين الأول/أكتوبر عام 1973.
وقد لا يعرف كثيرون أن المسرحية مقتبسة أصلا عن رواية إنجليزية شهيرة عنوانها "إلى الأستاذ، مع الحب" وهي سيرة ذاتية لكاتبها إدوارد ريكاردو برايث وايت، صدرت عام 1959 وتحولت إلى فيلم إنجليزي شهير عام 1967، وكانت تروي معاناة التلاميذ الذين قابلهم في حياته وتجرّم العنصرية ضد السود التي عانى منها هو شخصياً، وقد نال الفيلم نجاحاً أسطورياً وتحولت أغنية مقدمته إلى واحدة من أكثر الأغاني تداولا في تاريخ الموسيقى البريطانية.
لكن المؤلف المصري علي سالم غيّر القصة تغييراً جذرياً وحوّلها من مأساة إلى ملهاة، ومن الجميل أن لا أحد من العاملين فيها أنكر أصلها الروائي مثلما يفعل "المقتبسون" العشوائيون حالياً.
ومن طرائف هذه المسرحية أنها عرضت أولا على سعيد صالح ليقوم بدور "بهجت الأباصيري" لكنه أعجب أكثر بدور مرسي الزناتي ورشّح صديقه عادل إمام لدور بهجت، كما أن واحدة من إفيهاته الشهيرة وهي "ينكمش بالحرارة ويتبربر بالبرورة" مصدرها أخت عادل إمام، منى، التي كانت تراجع درس الأحياء على مسمع من أخيها وصديقيه النجمين سعيد صالح وصلاح السعدني، فأخطأت في الكلام، وقالت العبارة التي التقطها سعيد وحوّلها إلى "إفيه" داخل المسرحية.
كما تم إعادة إنتاج القصة سينمائيا في السنة نفسها، في محاولة للاستفادة من ألقها، حيث أخرج الفيلم حسام الدين مصطفى، وحمل عنوان المسرحية نفسه، في حين قام ببطولته كل من نور الشريف وميرفت أمين ويوسف فخر الدين وسمير غانم وعبد المنعم مدبولي في دور الناظر الذي تركه على الخشبة، ولكن الفيلم لم يلق أي نجاح يذكر.
من جهة أخرى واصل نجوم المسرح: عادل إمام وسعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي وهادي الجيار، ألقهم ونجاحاتهم على المسرح وتماهوا في أداء أسطوري جمع بين الضحك والعمق وبين خفة الدم وجمال الحضور، فأطلق نقاد كثيرون نبوءات المستقبل المضيء لكل منهم، وتواصل العرض سنوات طويلة قبل أن تفترق المجموعة، حينها اتجه سعيد صالح وأحمد زكي ويونس شلبي إلى مسرحية "العيال كبرت" في حين انتقل عادل إمام إلى مسرحية "شاهد ما شافش حاجة"، قبل أن يعودوا لأدائها معاً عام 1980، ومن الصدف الجميلة أن المسرحيتين نالتا ما نالته مدرسة المشاغبين من نجاح وخلود، وكانتا مصدرا للضحك مثلما كانت "مدرسة المشاغبين" مصدراً لملايين الضحكات التي ارتفعت متحدية الحزن في سماء التاريخ.
اقرأ أيضاً: عن كوميديا مصر.. الضحك أيضاً قضية