فيينا تحبط طهران: إيران ممتعضة رغم التعويل على أوروبا

08 يوليو 2018
ظريف: أوروبا تريد الحفاظ على الاتفاق النووي (ألكسندر شيرباك/Getty)
+ الخط -

لم يحمل اجتماع فيينا، الذي استقبل وزراء خارجية إيران ودول 4+1 الباقية في الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأميركي منه، الذي عقد أول من أمس، أي جديد قد يؤثر عملياً على مستقبل الاتفاق في الحقيقة، رغم إصدار بيان يضم 11 نقطة، تؤكد استمرار التعاون مع طهران، التي ما زالت تنتظر آليات دقيقة لتطبيق الإجراءات التي من شأنها أن تضمن حصد المكتسبات الاقتصادية.

وتوقعت إيران أن تقدم حزمة المقترحات الأوروبية على طاولة فيينا لوزير الخارجية، محمد جواد ظريف، لكنها وصلت إلى يد الرئيس حسن روحاني قبل ذلك، وهو الذي زار سويسرا والنمسا قبل أيام. ولم تخرج أي تفاصيل حول أي نقاط فيها، إلا أن ما يمكن لمسه من تصريحات روحاني وظريف، وحتى مساعد الأخير عباس عراقجي، يؤكد أنها لم تؤمن كل متطلبات إيران بشكل واضح، ولم تتحدث أساساً عن أي آليات، وكانت عبارة عن تعهدات تصب لصالح استمرار التعاون التجاري والاقتصادي مع البلاد.

وقد نشر موقع وزارة الخارجية الإيرانية البيان الصادر عن اجتماع اللجنة المشتركة في الاتفاق النووي على مستوى الوزراء. وأكد في بدايته أن كل الأطراف أبدت أسفها من خطوة الانسحاب الأميركي. وجاء في نقطته الثانية أنه يقع على عاتق هذه اللجنة، التي تضم ممثلين عن أطراف الاتفاق، مسؤولية متابعة تطبيقه. وذكر البيان أن لدى كل هذه الأطراف الإرادة الحقيقية لتطبيق بنود الاتفاق كونه إنجازاً دبلوماسياً مهماً، حظي بموافقة أممية وفقاً للقرار 2231، وترافق وتأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران ملتزمة بتطبيق كل تعهداتها، من خلال عدة تقارير رسمية صدرت عنها. ولعل من أهم النقاط في هذا البيان هي التي أشارت إلى أن بريطانيا ستكون مسؤولة عن مشروع تحديث مفاعل "آراك" الذي يعمل بالماء الثقيل، ما يعني أنها أخذت حصة أميركا في هذا المشروع، الذي كان من المفترض أن تجريه مع الصين لإجراء تعديلات على قلب المفاعل. وفي جانب آخر اتفق الحاضرون على أن مسألة استفادة إيران اقتصادياً من الاتفاق ضرورة يجب تحقيقها.

وفي أطول بنود البيان جاء أن أطراف الاتفاق يبدون حسن نية، ويؤكدون تنفيذ تعهداتهم المتعلقة بتطوير العلاقات الاقتصادية مع إيران، والحفاظ على القنوات المالية معها، واستمرار تصدير النفط ومنتجاته والمشتقات البتروكيماوية، واستمرار النقل البحري والجوي والبري، وحماية الفاعلين الاقتصاديين الذين يفتحون خطاً للتجارة مع طهران، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، والتشجيع على الاستثمار في إيران وحماية المستثمرين من العقوبات الأميركية، مؤكدين في نهاية البيان أن أطراف الاتفاق وضعوا هذه النقاط بهدف الحفاظ على الاتفاق النووي وتأمين مصالح الجميع. ومع ذلك، لم يحمل الاجتماع أي آليات لتطبيق ما سبق، وهو ما طلبته إيران أساساً، إلى جانب أنها مدركة لأهمية السقف الزمني، فهي تريد الضمانات الأوروبية لحمايتها من العقوبات الأميركية التي قد تعطل جني الفوائد من الاتفاق النووي قبل إعادة تفعيلها في أغسطس/ آب ونوفمبر/ تشرين الثاني المقبلين.




صحيفة "كيهان"، المحسوبة على الخط المحافظ المتشدد، في عددها الصادر أمس السبت، اعتبرت في عنوان على صفحتها الأولى أن حزمة المقترحات الأوروبية كانت فارغة. وكتبت تصريحاً لروحاني جاء على لسانه خلال اتصال هاتفي مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، إذ قال "إنها تبعث على اليأس". ووصفت "كيهان" البيان المشترك، الذي نشرته الخارجية الإيرانية بالتفصيل وباللغة الفارسية، أنه يفتقر إلى أي ضمانات من شأنها الحفاظ على الاتفاق الذي انتهكته الولايات المتحدة الأميركية. ورأت أن الأوروبيين كرروا التصريحات المليئة بالشعارات والألفاظ المبهمة ذاتها التي تحتاج إلى تفسيرات. وذكرت أن الأوروبيين يدّعون التزامهم بالاتفاق النووي، مقابل أن إيران لم تعلّق يوماً تنفيذ تعهداتها فيه. ونقلت تصريحات على لسان نائب الرئيس، إسحاق جهانغيري، الذي أكد أن "المحددات والعراقيل المصرفية، التي بدأت قبل سبع سنوات تقريباً، ما زالت قائمة". وأشارت إلى أن هذه واحدة من النقاط التي كان من المفترض أن يحلها الاتفاق نفسه، وهو ما لم يحدث. كذلك نقلت عن مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، قوله إن إيران نفّذت كل ما عليها من تعهدات منذ اليوم الأول من عمر الاتفاق، لكن الأطراف المقابلة لم تفعل ذلك. وركزت على لومه الأوروبيين الذين يتعرضون لضغط أميركي، وما زالوا يضيعون الوقت مع طهران.

ونشرت صحيفة "جوان" المحافظة صورتين على صفحتها الأولى، لتعبر عن موقف الساسة في الداخل مما يجري، إحداهما للرئيس الذي لم ير أي جديد فيما تم تقديمه، وصورة ثانية لقائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، الذي انضم إلى ركب الملوحين بردّ إيراني إذا ما نجحت أميركا في منع تصدير طهران لنفطها. ورأت "جوان" أن كل المعطيات تؤشر إلى أن اجتماع فيينا لم يخرج بأي جديد ولم يحمل أي مقترحات عملية. ونقلت عن مصدر دبلوماسي أوروبي، لم تحدد هويته، تأكيده أن الحاضرين لم يحققوا تقدماً، مستبعداً تقديم كل ما تنتظره وتتوقعه إيران. وفي جانب ثانٍ، رأت "جوان" أنه في حال لم يحصل مفاوضوها الدبلوماسيون على ما يريدون فستوصل البلاد رسالة لأعدائها مفادها بأن مضيق هرمز إما أن يكون للجميع أو لا يكون لأحد. واعتبرت أن تصريحات جعفري في هذا الصدد تتوافق مع موقف روحاني، الذي حذر، في وقت سابق، من تبعات منع بلاده من تصدير النفط.

في المقابل، فإن الصحف الإصلاحية والمعتدلة لم تبتعد كثيراً عن تلك التوجهات، كون اجتماع فيينا لم يخرج بنتيجة ملموسة بالفعل، وكون روحاني قال صراحة لميركل ونظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه يجب أن تتعامل أوروبا بجدية مع مسألة تقديم المقترحات وبسقف زمني محدد إذا ما أرادت أن تستمر إيران بتنفيذ تعهداتها. ومع ذلك ركزت وسائل الإعلام المحسوبة على هذا التوجه على تصريحات وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، الذي أكد أن أميركا لم تنجح في مسعاها، وأنه من الواضح أن أوروبا تريد الحفاظ على الاتفاق النووي. فصحيفة "اعتماد" نقلت كلاماً لهذا الأخير جاء فيه أن هناك إرادة سياسية حقيقية لدى الجميع للحفاظ على الاتفاق. ورأى أنه يجب الانتظار لمعرفة ما إن كان ذلك سيكفل تحقيق ما قدمه الأوروبيون نظرياً، مع تأكيده أنه لم يكن كافياً ولا دقيقاً. أما صحيفة "شرق" فاعتبرت أن الاتفاق في الوقت الراهن ينتظر قرار طهران، فمن الواضح أن روحاني حمل في جعبته شيئاً قدمه الأوروبيون وسيبحثه مع دوائر صنع القرار ومع المسؤولين المعنيين بالملف. ومع أن الخارجية الفرنسية كانت قد لوّحت بأن تقديم الحزمة الواضحة من المقترحات لن يكون قبل نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وهو موعد تفعيل حزمة العقوبات الأميركية، التي تستهدف قطاع النفط بشكل رئيس، إلا أن إيران تركّز في الوقت الراهن على ضرورة أن تحصل على ما تريد قبل هذا الموعد، فما تتحدث عنه باريس قد يضع طهران تحت ضغط مسألة التوقيت، وقد تصبح أمام خيار الانسحاب من الاتفاق الذي سيكلفها الكثير، أو الرضوخ والقبول بالمتاح وهو ما قد يكلفها أكثر، إن لم يتناسب ورغبات الداخل.