في القدس... واقع جديد تفرضه المرأة
نادين غوانمة
نُسأل كثيراً في طفولتنا عن أحلامنا، ماذا سنغدو عند الشباب، وكفتاة ترعرعت في كنف هذه المقولات ترددت أمامي الكثير من النصائح بالعمل كمعلمة، فالمعلمة هي الوظيفة المُثلى لجميع الفتيات، هن مربيات الأجيال وصانعات عظماء المُستقبل. يا لها من صورة نمطية تثير في داخلها أفكاراً ضمنية أهمها أن المرأة إن كان ولا بُد أن تعمل فلا يُمكن أن تُهمل بيتها المُستقبلي، ولا يُمكن أن تتأخر في العودة للمنزل، ولا يُسمح لها بتاتاً بالعمل لساعات متأخرة في الليل، وفي حال أصبحت أماً لأطفال صغار يجب أن تكون معهم أو قبلهم في البيت لتوفر لهم الطعام والأمان والمناخ المناسب للدراسة، وإلا سوف يواجه المُجتمع خطر التشظي والانشطار، والمسؤولية هي على المرأة، فهي الأخت والزوجة والأم كما يُقال.
أصبحت هذه الحقائق تحدياً شخصياً بيني وبين هذا المُجتمع، عند اختياري لدراسة تخصص الإعلام فرعي العلوم السياسية، نصحني أحد أصدقاء العائلة بالعدول عن هذا الخيار، فالعمل الميداني من تخصص الرجال وليس للنساء مكان بينهم.
اليوم وفي القدس خاصةً، خلق الواقع ظروفاً مختلفة فنّدت بدورها هذه المقولات، واقع الاستعمار الذي يفرض نفسه وبقوة هو السمة الأبرز التي صقلت بدورها هذا المجتمع، فالعديد من المراسلات المتواجدات على خط المواجهة الدائم مع الاحتلال الإسرائيلي، يتواجدن بكامل قواهن لنقل الصورة للعالم وبكل اللغات. وعلى الرغم من تبعات هذه الوظيفة من مضايقات مستمرة واعتقالات يومية في صفوف الصحافيين والصحافيات، تستمر الصحافيات في خلق واقعٍ جديد، للمرأة دورها المساوي للرجل في هذه المعادلة الصعبة.
تتابع الأحداث السياسية المختلفة في فلسطين لتثبت المرأة من خلالها وباستمرار أنها ليست الحلقة الأضعف وأنها عنصر مهم لا تكتمل الصورة من دونه. في أحداث القدس الأخيرة عقب الاقتحامات المستمرة للمسجد الأقصى كانت النساء المقدسيات على خط المواجهة الأول مع الاحتلال، المواجهات التي شكلت نوعا من أنواع الصدمة لدى الاحتلال الذي كان يعتقد لفترة طويلة أن "العرض قبل الأرض" هي المقولة التي تلخص رؤية الفلسطينيين لمشاركة المرأة بالأحداث والمواجهات السياسية، جاء الرد سريعاً من الاحتلال فالعقاب الجماعي هو أبرز أساليب العقاب التي يتبعها، فبدأت موجة الاعتقالات المباشرة للنساء المتواجدات بين الحشود باستمرار، بالإضافة لاستخدام أساليب العنف والترهيب المختلفة ضد الصحافيات وبشكل واضح ومباشر أثناء التصوير.
سياسة الترهيب الممنهجة التي يتبعها الاحتلال في سبيل خلق خوف مجتمعي من مشاركة النساء في الاحتجاجات الميدانية ولّدت حالة عكسية في الواقع الفلسطيني، فمشاركة النساء في الميدان أخذت في التزايد يوماً بعد يوم، لتكسر بشكل أو بآخر العديد من التابوهات المجتمعية، فحقيقة ضرورة مواجهة هذا الاستعمار الاستيطاني والتصدي لسياساته العنصرية هي السمة الأبرز اليوم في فلسطين.
ضمن ملف "تدوينات نسوية"