في الكشف عن مستور كرد النظام السوري
توضيحاً لمن يشك، ولو للحظة، (ومن دون أن أكون ناطقاً مخولاً)، أستطيع الجزم بأن المزاج العام في اللحظة الراهنة للوطنيين الكرد السوريين، في سائر أجزاء جسم الحركة الكردية، مجموعات وأفراداً، ليس بصدد افتعال المعارك، بأنواعها، مع الأحزاب عامة، وجماعات حزب العمال الكردستاني (ب ك ك )، خصوصاً، وبما أن الأخيرة هي البادئة بالإلغاء والتخوين، أقول: نحن الأصل، وهي الطارئة، نمتد من خويبون، مروراً بالمحاولات الأولى لتنظيم الفعاليات الثقافية والسياسية والحزب الديموقراطي الكردستاني في سورية المنبثق، في أواسط الخمسينيات، واليسار القومي الديموقراطي الذي دشنه كونفرانس الخامس من أغسطس/آب 1965، وانتهاء بالحراك الشبابي الثوري والمستقلين ومنظمات المجتمع المدني، المهنية والثقافية والإعلامية، المشاركين في الثورة السورية، منذ اندلاعها، بنضالنا وتضحياتنا، خلال عقودٍ، حافظنا فيها على وجود شعبنا من الاندثار، وعلى قضيتنا من الضياع، وجسدنا شخصيتنا القومية ضمن إطار القضية الوطنية السورية، في مواجهة نظام الاستبداد، حسب معادلة متوازنة وتفاعل إيجابي. أما تلك الجماعات الخارجة من رحم المنظومات الأمنية الحاكمة في الدول المقسمة للكرد، ووطنهم التاريخي، فقد جاءت جزءاً من مشروع هذه المنظومات، العنصري – الطائفي، ومخلباً لمواجهة نهجنا الوطني المعبر عن إرادة الشعب ومصالحه، ونصيراً لنظام الأسد الأب في إبطال مشروعية كرد سورية شعباً وقضية.
وعلى الرغم من فشل – السيستيم – الحزبي، والسقوط المدوي لسياساتها، إلا أننا كنا سنقول كلمتنا بالإيجاب، لو حملت هذه الجماعات التابعة لحزب العمال الكردستاني بديلاً أفضل من الأحزاب الكردية السورية القائمة، والتي تفوق العشرين، لكنها جاءت بالأسوأ، حيث إضافة إلى كونها، كما ذكرنا، جزءاً من مشروع النظام، مثل غالبية الأحزاب الأخرى، نقلت إلى مجتمعنا حزمة من العادات السيئة والردات الفكرية والثقافية والسياسية، من جملتها: عدم قبول الآخر المختلف، بل تخوينه وتصفيته بقوة سلاح السلطة، وعبادة الفرد، والنزعة الفاشية، وإخفاء الحقيقة عن الشعب، ونشر الأضاليل الإعلامية، وتقديم كرد سورية وقضيتهم قرباناً في بازار المساومات بين (ب ك ك) من جهة وأنظمة سورية وإيران وتركيا من الجهة الأخرى.
نعلم تفاصيل علاقات هذه الجماعات بالنظام السوري، منذ حط زعيمها الرحال في ضيافة جميل الأسد، شقيق الدكتاتور الأب وعم المستبد الابن، بداية الثمانينيات. وفي مرحلة لاحقة منذ ثلاثة أعوام، وهي تنكر لفظياً من دون إقناع أحد. ومن دون الذهاب بعيداً، ومن دون تكرار ممارساتها منذ بداية الثورة السورية، نأتي، على سبيل المثال لا الحصر، بقرائن قريبة، ففي الندوة المقامة في برلمان الاتحاد الأوروبي، قبل أيام، أعلن مسرور بارزاني، في مداخلته، عن إدانته نظام الأسد، الذي ساهم في ظهور "داعش"، في حين سكت ممثل هذه الجماعات، ولم يشر إلى ذلك، لا من قريب أو من بعيد، علماً أنه، كسوري، معني بالقضية السورية، وكان الأولى بإدانة النظام والمطالبة بإسقاطه، إن لم يكن متورطاً، وأمام إعلان وليد المعلم، وزير خارجية الأسد، في صحيفة الأخبار اللبنانية، أن نظامه لم يتوقف عن إرسال السلاح والذخيرة إلى كوباني، مع شهادته عن حسن سلوك هذه الجماعات، وتهجمه على السيد رئيس إقليم كردستان. أليس مطلوباً، إن كانت الجماعة صادقة وواثقة من نفسها، ردّاً مطولاً من قيادتها السياسية حول هذه المسائل؟
تمارس هذه الجماعات أساليب مليشيات وشبيحة الأسد وإيران نفسها. وبعدما كان حسن نصرالله قد انتقد التدخل الأميركي والأوروبي في العراق وسورية ضد "داعش"، عاد، فاستدرك، بعدما تبين أن الضربات الأميركية في العراق منسقة، تماماً مع إيران التي تقود العمليات على الأرض، والتي أرسلت قاسم سليماني، ليتولى ذلك بنفسه، وليضمن عدم خضوع بغداد لضغوط واشنطن التي تطالبها بتسليح العشائر السنية في الأنبار، ثم قرر أن حزبه جزء من حرب التحالف الدولي على تنظيم البغدادي، وقال: "سنلحق بهم الهزيمة في كل المناطق والبلدان، وسيكون لنا شرف أننا كنا جزءاً من ذلك"، وحذت هذه الجماعات حذو نصرالله، فقد كانت ضد أي تدخل أجنبي في سورية، كما هي سياسة هيئة التنسيق، وهي عضو فيها، وتفتخر، الآن، بأنها جزء من التحالف الدولي ضد "داعش".
ركبت هذه الجماعات، وخصوصاً المسؤولين السياسيين عنها، موجة الدفاع عن كوباني، وتحاول استثمار معاناة أهلنا هناك الذين يواجهون، بغالبيتهم الساحقة، نظام الاستبداد، منذ اندلاع الثورة السورية، وظهر بينهم مناضلون أشداء، في وقت ظهرت فيه هذه الجماعات بالضد من إرادتهم والحؤول دون مواصلتهم كفاحهم الوطني، ثم التفرد بالسيطرة بقوة السلاح على مقدرات المدينة وريفها، كسلطة الأمر الواقع، وعدم إفساح المجال لأي طرف، أو فئة، أو مجموعة، من المشاركة في إداراتها، ثم عجزت عن مواجهة جحافل "داعش" التي احتلت أكثر من 300 قرية، وصولاً إلى قلب المدينة، ولولا ضربات التحالف الدولي من الجو، ومشاركة فصائل من الجيش السوري الحر وفزعة بيشمركة كردستان العراق (في إطار التوافقات الإقليمية)، لكانت المدينة في وضع آخر، وهذا لا ينتقص أبداً من البطولات الفردية المشهودة للمدافعين من قوات وحدات حماية الشعب (ي ب ك) الذين ننحني لهم تعظيماً وتقديراً، وكذلك لمقاتلي الفصيلين الآخرين.
صمود أهلنا في كوباني الكردية السورية، وبطولات المدافعين عنها، استحوذا على اهتمام الرأي العام، وجلب التعاطف للكرد، شعباً محروماً من الحقوق، منذ تشكل الدولة السورية، وليس لحزب أو جماعة، خصوصاً إذا كان على شاكلة جماعات (ب ك ك) الإشكالية، والمتهمة، والمشكوك في أمرها، وغير المقبولة كرديّاً وسوريّاً وإقليميّاً ودوليّاً. لذلك من الضرورة بمكان تحويل هذا التعاطف والدعم إلى وجهتهما الحقيقية، وتعزيز الصمود أمام كل من إرهاب (داعش) والنظام المستبد وترتيب البيت الكردي، عبر مؤتمر وطني عام، يغلب عليه المستقلون وممثلو الحراك الشبابي الكردي، وإعادة بناء العلاقات المصيرية مع قوى الثورة والجيش الحر على أسس متينة واضحة.
السبيل الوحيد لاستعادة الثقة المفقودة، وفي هذه الظروف الشديدة الخطورة، قيام هذه الجماعات بمراجعة جدية وفي العمق، تبدأ بالاعتراف والإعلان التفصيلي عن علاقاتها السرية، القديمة والحالية، مع نظامي الأسد وطهران، وعدم استخدام السلاح والعنف في الخلافات السياسية، وممارسة النقد الذاتي والاعتذار للكرد، ولكل السوريين، والكشف عن كل عمليات التصفية والخطف في حق المناضلين الكرد وضباط الجيش الحر من كرد وغيرهم، والتعهد أمام الشعب بعدم الإقدام على أي عمل يسيء إلى القضية الكردية والثورة السورية. عندها، سيتمكن الكرد السوريون من توحيد صفوف حركتهم الوطنية، والمساهمة بفعالية، وبكتلة واحدة في القضايا الوطنية والثورة، وينتفي الاحتقان، وتعاد الثقة المفقودة إلى الساحة السياسية.