10 أكتوبر 2024
في الموقف من الراهن العربي
ماذا يجري اليوم في العالم العربي؟
يَحقُّ لنا أن نطرح هذا السؤال، ونحن نُعايِن مجمل التحولات التي حصلت وتحصل في المجتمعات العربية منذ سنة 2011، سنة الانفجارات التي عمَّت مجموعة من البلدان العربية، وترتَّب عنها تداعيات تصنع، اليوم، أبرز سمات مشهدها السياسي. ويبدو أن متابعة سريعة للمواقف والأحداث المتواصلة، سواء في البلدان التي تَعَثَّر فيها الفعل الثوري، أو التي تعرف، اليوم، أطواراً انتقالية متنوعة، تجعلنا نميل إما إلى اتخاذ موقف إيجابي من كل ما جرى ويجري، على الرغم من صعوبات هذا الموقف، وبحكم أننا نواجه صوراً من الدمار والعنف والتهجير، وأشكالاً من التطاحن القبلي والمذهبي والطائفي، وهما معاً يشكِّلان العنوان الأبرز في المشهد الاجتماعي والسياسي في أغلب البلدان العربية. أو تجعلنا نختار الموقف الذي يربط كل ما جرى وتداعياته بالمؤامرات التي دُبِّرت، وما فتئت تُدَبَّر، ضد المجتمعات العربية، حيث يزعم أصحاب هذا الموقف أن ما وقع يُعَدُّ أسوأ مما كان، فالاستقرار السابق، على الرغم من سيادة أنظمة الاستبداد والفساد، يُعَدُّ أفضل حالاً من الفتنة، والمعلوم أن هذا الموقف يستوعب الحكمة العربية القديمة التي كانت تُعْلِنُ، في الناس منذ عصورنا الوسطى، أن حاكماً غشوماً أفضل من فتنة تدوم.
عوَّدْت نفسي على الاحتراز من المواقف الإيجابية المُطْلَقَة، أو المواقف السلبية بإطلاق، أقصد مواقف القطع والحسم في موضوعاتٍ، يصعب الجزم فيها، كما عَوَّدْت نفسي عدم الركون إلى المواقف الوسطى التي تتميز باختيار موقف يقوم على خيار حسابي في موضوعاتٍ، لا يمكن فهمها بمنطق الرياضيات، منطق الحساب والهندسة، لتعقُّدها وتعقُّد المجال الذي تنتمي إليه. وضمن هذا الأفق، بدا لي أن الذي يتحكَّم في المواقف السائدة ونتائجها في موضوع الراهن العربي، وإشكاليات تحوله، هو زاوية النظر التي ينطلق منها من يريد معرفة ماذا جرى ويجري اليوم في المجتمعات العربية.
يشكل اختيار الزاوية التي نُصَوِّب انطلاقاً منها النظر في واقع الحال في المجتمعات العربية، في نظرنا، المدخل المناسب والمحدَّد لطبيعة الموقف، أو المواقف التي يمكن أن نقرأ، انطلاقاً منها، مختلف الأحداث الجارية في مجتمعاتنا. وفي هذا الإطار، نتصوَّر أن ما يحصل اليوم في مجتمعنا وثقافتنا السياسية، سواء في فضاء الخطابات والصور، أو في مستوى الأحداث والوقائع، يندرج في سياق مجموعة من المخاضات المرتبطة بمسارنا التاريخي العام، حيث تتم مواجهة جملة تحدِّياتٍ كنا نغفلها ونتجنَّبها، خوفاً من مواقف وأحداث قريبة مما يقع اليوم بيننا. ولا شك في أن محصلة ما يجري، على الرغم من عنفها وعنف آثارها، ستراكم جملة من الخبرات السياسية والتاريخية التي تُعَدُّ مجتمعاتنا، قبل ذلك وبعده، في أمسِّ الحاجة إليها.
نتبيَّن ذلك من السِّجالات التي واكبت تداعيات الحدث الثوري في تونس، حيث عملت القِوى السياسية والنقابية، ومؤسسات كثيرة من المجتمع المدني، على إيجاد صِيَغٍ للتوافق السياسي والتاريخي، بهدف تجاوز بعض معضلات الطور الانتقالي الذي حصل بعد إسقاط النظام السابق. كما أن السِّجالات التي واكبت صعود الأغلبية الحاكمة في المغرب فَجَّرت بدورها، وما فَتِئت تفجِّر، معارك يُفترض أنها ستساهم بدورها في مزيد من تهيئة مجتمعنا وإعداده، لتملُّك بعض قواعد العمل الديمقراطي.
نفترض أن قواعد التَّمَرُّس بالديمقراطية وآلياتها في العمل السياسي لا تُعَدّ مجرد مسألة نظرية، تحدِّدُها كتب علم السياسة، وترتِّب معارفها العامة وأولوياتها المبادئ الكبرى للفلسفة السياسية، كما تبلورت وتطورت في التاريخ الحديث والمعاصر فقط، بل إن استيعاب دروس الديمقراطية يتطلب تمارين واقعية، يتم فيها امتحان المفاهيم، في ضوء ملابسات التاريخ الحيَّة والخاصة، حيث يتمكَّن الفاعلون من استيعاب دروسها وتمثُّلها في الممارسة. صحيح أن كلفة هذه التجارب قد يكون ثمنها باهظاً، وصحيح أيضاً أن ما سيترتَّب عنها من خبرات يساهم في انتقال مجتمعاتنا من طور تاريخي، يُكرِّس عوامل تأخُّرنا إلى أطوار جديدة، تفتح مجتمعاتنا على عالم جديد وقيم جديدة، فنتخلص من كثير من عِلَلِنا السياسية والتاريخية.
تكشف حِدَّة المعارك التي تملأ فضاءات عديدة في بلدان عربية، مشرقاً ومغرباً، ما يمكن إدراجه ضمن معارك الإصلاح السياسي والديني، حتى وإن اتّخذت مُسَمَّيَات أخرى، وحتى عندما يمكن أن نتبيَّن لجوء الأطراف المتصارعة إلى افتعال ما يُبرز تواصل المعارك، في حال تعثُّرِها أو توقُّفِها، أو توظيف معطيات وآليات تتَّسِم بكثير من العنف والعنف المضاد، الأمر الذي يُدْخِل الأطراف المتصارعة في دوامات الرُّعب والعنف التي نعرف قدراتها الجهنمية على التخريب، لكننا نعرف، أيضاً، أنه لا تاريخ من دون معارك ومن دون تضحيات.
عوَّدْت نفسي على الاحتراز من المواقف الإيجابية المُطْلَقَة، أو المواقف السلبية بإطلاق، أقصد مواقف القطع والحسم في موضوعاتٍ، يصعب الجزم فيها، كما عَوَّدْت نفسي عدم الركون إلى المواقف الوسطى التي تتميز باختيار موقف يقوم على خيار حسابي في موضوعاتٍ، لا يمكن فهمها بمنطق الرياضيات، منطق الحساب والهندسة، لتعقُّدها وتعقُّد المجال الذي تنتمي إليه. وضمن هذا الأفق، بدا لي أن الذي يتحكَّم في المواقف السائدة ونتائجها في موضوع الراهن العربي، وإشكاليات تحوله، هو زاوية النظر التي ينطلق منها من يريد معرفة ماذا جرى ويجري اليوم في المجتمعات العربية.
يشكل اختيار الزاوية التي نُصَوِّب انطلاقاً منها النظر في واقع الحال في المجتمعات العربية، في نظرنا، المدخل المناسب والمحدَّد لطبيعة الموقف، أو المواقف التي يمكن أن نقرأ، انطلاقاً منها، مختلف الأحداث الجارية في مجتمعاتنا. وفي هذا الإطار، نتصوَّر أن ما يحصل اليوم في مجتمعنا وثقافتنا السياسية، سواء في فضاء الخطابات والصور، أو في مستوى الأحداث والوقائع، يندرج في سياق مجموعة من المخاضات المرتبطة بمسارنا التاريخي العام، حيث تتم مواجهة جملة تحدِّياتٍ كنا نغفلها ونتجنَّبها، خوفاً من مواقف وأحداث قريبة مما يقع اليوم بيننا. ولا شك في أن محصلة ما يجري، على الرغم من عنفها وعنف آثارها، ستراكم جملة من الخبرات السياسية والتاريخية التي تُعَدُّ مجتمعاتنا، قبل ذلك وبعده، في أمسِّ الحاجة إليها.
نتبيَّن ذلك من السِّجالات التي واكبت تداعيات الحدث الثوري في تونس، حيث عملت القِوى السياسية والنقابية، ومؤسسات كثيرة من المجتمع المدني، على إيجاد صِيَغٍ للتوافق السياسي والتاريخي، بهدف تجاوز بعض معضلات الطور الانتقالي الذي حصل بعد إسقاط النظام السابق. كما أن السِّجالات التي واكبت صعود الأغلبية الحاكمة في المغرب فَجَّرت بدورها، وما فَتِئت تفجِّر، معارك يُفترض أنها ستساهم بدورها في مزيد من تهيئة مجتمعنا وإعداده، لتملُّك بعض قواعد العمل الديمقراطي.
نفترض أن قواعد التَّمَرُّس بالديمقراطية وآلياتها في العمل السياسي لا تُعَدّ مجرد مسألة نظرية، تحدِّدُها كتب علم السياسة، وترتِّب معارفها العامة وأولوياتها المبادئ الكبرى للفلسفة السياسية، كما تبلورت وتطورت في التاريخ الحديث والمعاصر فقط، بل إن استيعاب دروس الديمقراطية يتطلب تمارين واقعية، يتم فيها امتحان المفاهيم، في ضوء ملابسات التاريخ الحيَّة والخاصة، حيث يتمكَّن الفاعلون من استيعاب دروسها وتمثُّلها في الممارسة. صحيح أن كلفة هذه التجارب قد يكون ثمنها باهظاً، وصحيح أيضاً أن ما سيترتَّب عنها من خبرات يساهم في انتقال مجتمعاتنا من طور تاريخي، يُكرِّس عوامل تأخُّرنا إلى أطوار جديدة، تفتح مجتمعاتنا على عالم جديد وقيم جديدة، فنتخلص من كثير من عِلَلِنا السياسية والتاريخية.
تكشف حِدَّة المعارك التي تملأ فضاءات عديدة في بلدان عربية، مشرقاً ومغرباً، ما يمكن إدراجه ضمن معارك الإصلاح السياسي والديني، حتى وإن اتّخذت مُسَمَّيَات أخرى، وحتى عندما يمكن أن نتبيَّن لجوء الأطراف المتصارعة إلى افتعال ما يُبرز تواصل المعارك، في حال تعثُّرِها أو توقُّفِها، أو توظيف معطيات وآليات تتَّسِم بكثير من العنف والعنف المضاد، الأمر الذي يُدْخِل الأطراف المتصارعة في دوامات الرُّعب والعنف التي نعرف قدراتها الجهنمية على التخريب، لكننا نعرف، أيضاً، أنه لا تاريخ من دون معارك ومن دون تضحيات.