كانت العلامة تشير إلى ظلين باللون الأحمر، على شريط الاختبار، لم تكن تعرف ماذا تعنى تلك الإشارة، لكنها بمراجعة التعليمات على الورقة المرافقة للاختبار، عرفت أن ذلك الظل المزدوج يعني أن بداخلها جنينا ينمو، روح لم تزل تتكون، فرحت شذى بالساكن الجديد في أحشائها، لكن بعد دقيقة تذكرت، أنه لا يحق لها أن تفرح، وأن تلك النتيجة لن تكون سببا في بهجة تصيب أحدا ممن يعرفونها، لكنها لعنة ستظل تطاردها ما قُدر لها أن تحيا، وفي الدقيقة التالية، قررت شذى أن تُجهض جنينها.
علاقة خارج إطار الزواج، هكذا أسمتها، شذى 22عاماً حين اتخذت قرارها بالعيش مستقلة، بعيدا عن أسرتها، متخذة القاهرة وطنا، وزحامها ملجأ، بعيدا عن هدوء الريف، وتحكّم أسرتها.
خلال عامين، تخبطت شذى في العديد من التجارب، والتي خرجت من مجملها أقوى مما دخلت إياها. علمتها التجربة، أن الفقد لا يقتل، لكنها في المرة الأخيرة، تعلمت أن القتل لن يكون لها، لكن هذه المرة استوجب الخروج من التجربة، أن تقتل روحا أخرى، اتصلت بشريكها ورتبت معه كل شيء، بعد أن فشلت محاولة صديقة لها في الوصول لطبيب متخصص يجري تلك الجراحة في عيادته الخاصة، لكن العملية ستتكلف خمسة آلاف جنيه، وتحرشا من الطبيب، ولم تملك شذى أياً من الأمرين، فقررت أن تتناول حبوبا ستتكفل بكل شيء، بعد أن تصل للقرص الرابع، تطلب إجازة من عملها لمدة إسبوع، وقبل نهايته كانت قد تخلصت من كل شيء، إلا من أثر بقى يسكنها كلما رأت وجه طفل، ورغبة قوية في علاقة داخل إطار الزواج تسمح لها بأن تكفر عما فعلت في حق جنينها الأول.
"الإجهاض"، لا تزال الكلمة غريبة على الأذن المصرية في أوساطها الشعبية، فاللفظ الدارج "سقطت"، الكلمة التي تطلق على نزول الجنين قبل موعده، سواء كان بإرادة الأم، أم غير ذلك.
منذ أكثر من عشرين عاما، تزوجت فاطمة في صعيد مصر، رجلا يكبرها بثلاثين سنة، لم توافق على الزيجة، لكن أحدا لم يسمعها، لم تكن الأولى ولا الثانية، كانت الزوجة الثالثة، وطفلها الذي حملت به بعد معاشرتها غصبا، كان ترتيبه سيكون الحادي عشر بين أبناء زوجها، قررت فاطمة التخلص من سبب سيربطها أكثر بزيجة لم ترغبها من الأساس...
"عاوزة أسقط نفسي"، أسرت برغبتها لإحدى قريباتها، التى أفطنتها على الطريقة المجربة، أكواب القرفة بالزبجبيل، وأعواد الملوخية، نجحت الخطة ونزفت فاطمة، وذهبت إلى المستشفى التى قامت بعملية تنظيف لها، وأخبرت زوجها أن سبب الإجهاض لم يكن طبيعيا، واستمرت فاطمة في المستشفى لمدة إسبوعين بعد الجراحة البسيطة، لأن زوجها تسبب لها بإصابات وكدمات قبل أن يلقي عليها يمين الطلاق ثلاثا، وعادت فاطمة إلى منزل عائلتها ولم تخرج منه ثانية.
الحق في الإجهاض الآمن، أحد مطالب الحركات النسوية في مصر، متزامنا مع اليوم العالمي للإجهاض الآمن، دعاوى حقوقية، لتغيير القانون بما يسمح للمرأة بأن تحدد برغبتها بقاء الحمل من عدمه، بما يتوافق مع ظروفها الخاصة، لم تحصل المرأة في مصر حتى الآن على حقها في زواج تحميها الدولة من شرور ما تخفيه الأيام من تقلبات، أو حق في طلاق لا يهدم حياتها، ويعرضها لكافة أشكال الإذلال المجتمعي، لم تصل إلى غايتها بعد في حمل آمن، وولادة تتكفل القوانين بحمايتها من مخاطرها، فهل تكفل لها مصر حقا بعيدا في إجهاض آمن؟
عرَّف القانون المصري للعقوبات؛ الإجهاض كجريمة مكتملة الأركان، و اعتبرها من جرائم الاعتداء على الحياة، ووضع له المشرع بابا مستقلا في القانون، وعنوانه "إسقاط الحوامل، وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة"، وأدلت محكمة النقض المصرية بدلوها في أحكام الإجهاض، وعرفته بأنه "تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان"، وتعاقب الأم بالحبس، في حال موافقتها على الإجهاض، أو تعمد إجهاضها لنفسها بأي طريقة كانت، ويعاقب من يساعدها على الفعل بنفس العقوبة، والتي لم تحدد في القانون، باعتبارها جنحة، يعود تقديرها للقاضي، أما إذا تسبب أحد في إجهاضها متعمدا وبغير رضاها فإن ذلك يندرج تحت تصنيف الجناية بحسب المشرع.
الحياة في الشارع، ليست سهلة، لفتاة تبلغ 17 عاما، تركها أهلها للشارع، فمن بين عشرة أطفال في غرفة واحدة، لن يهتم أحد لواحدة تتسلل ليلا لتهرب، بحثا عن طعام، ومكان تحت ظل أحد الجسور لا يزاحمها فيه إخوتها، خرجت نورا من المنزل، لم يبحث أحد عنها، بقيت بالشارع ما بقت، تأكل مما يأكل أقرانها، وتنام حيث ينامون، ويعاشرها ليلا من لا تراه بالنهار، بعد شهرين من توقف دورتها الشهرية، أخبرت صديقتها بالشارع، فأشارت لها بالوصفة التي لن تكلفها سوى جنيهين، ثمنا لزجاجة بيبسي ستغليها وتشربها "كلنا شربنا الساقع مغلى وبيكوينا وبنخلص"، نجحت الوصفة، وأجهضت نورا، وتم النزف، وتوالت زجاجات الصودا المغلية، بعد كل مرة يتم اغتصابها في الشارع، وهي لا تعرف أن في المرة الأخيرة ستصاب بتهتك في الرحم سيمنعها من الحمل مجددا "مكنش قدامي حل تاني واللي زيي مش معايا اروح مستشفى ولو رحت هتحبس".
اختلاف بين التحريم والكراهة والإباحة، بين أئمة الشرع، في جواز الإجهاض، قبل إتمام الحمل لثلاثة أشهر، وهو ما اعتبره النشطاء، اختلاف "رحمة"، لكن القانون المصري لا يعرف الرحمة، فالقانون الذي يجرم الإجهاض، لأي سبب، وبأى طريقة، يعتبر الأم مجرمة، تستحق العقوبة، وهو ما يسعى النشطاء لتغييره لمنح المرأة المصرية حرية التحكم في جسدها، وتنظيم الحق في الإجهاض، ومنح المرأة المُجهضة حقها في رعاية طبية تحميها، وإشراف طبي يقي جسدها من مخاطر الإجهاض بالطرق غير المشروعة، لا أحد يعرف هل ستستجيب الدولة لمطالب تعديل قانون العقوبات، وهل ركب الحقوق النسوية الذي سار في تونس ثم السعودية، سيصل إلى مصر في محطته التالية فيمنحها أمانا يغيب عن جسدها وأحلامها.
علاقة خارج إطار الزواج، هكذا أسمتها، شذى 22عاماً حين اتخذت قرارها بالعيش مستقلة، بعيدا عن أسرتها، متخذة القاهرة وطنا، وزحامها ملجأ، بعيدا عن هدوء الريف، وتحكّم أسرتها.
خلال عامين، تخبطت شذى في العديد من التجارب، والتي خرجت من مجملها أقوى مما دخلت إياها. علمتها التجربة، أن الفقد لا يقتل، لكنها في المرة الأخيرة، تعلمت أن القتل لن يكون لها، لكن هذه المرة استوجب الخروج من التجربة، أن تقتل روحا أخرى، اتصلت بشريكها ورتبت معه كل شيء، بعد أن فشلت محاولة صديقة لها في الوصول لطبيب متخصص يجري تلك الجراحة في عيادته الخاصة، لكن العملية ستتكلف خمسة آلاف جنيه، وتحرشا من الطبيب، ولم تملك شذى أياً من الأمرين، فقررت أن تتناول حبوبا ستتكفل بكل شيء، بعد أن تصل للقرص الرابع، تطلب إجازة من عملها لمدة إسبوع، وقبل نهايته كانت قد تخلصت من كل شيء، إلا من أثر بقى يسكنها كلما رأت وجه طفل، ورغبة قوية في علاقة داخل إطار الزواج تسمح لها بأن تكفر عما فعلت في حق جنينها الأول.
"الإجهاض"، لا تزال الكلمة غريبة على الأذن المصرية في أوساطها الشعبية، فاللفظ الدارج "سقطت"، الكلمة التي تطلق على نزول الجنين قبل موعده، سواء كان بإرادة الأم، أم غير ذلك.
منذ أكثر من عشرين عاما، تزوجت فاطمة في صعيد مصر، رجلا يكبرها بثلاثين سنة، لم توافق على الزيجة، لكن أحدا لم يسمعها، لم تكن الأولى ولا الثانية، كانت الزوجة الثالثة، وطفلها الذي حملت به بعد معاشرتها غصبا، كان ترتيبه سيكون الحادي عشر بين أبناء زوجها، قررت فاطمة التخلص من سبب سيربطها أكثر بزيجة لم ترغبها من الأساس...
"عاوزة أسقط نفسي"، أسرت برغبتها لإحدى قريباتها، التى أفطنتها على الطريقة المجربة، أكواب القرفة بالزبجبيل، وأعواد الملوخية، نجحت الخطة ونزفت فاطمة، وذهبت إلى المستشفى التى قامت بعملية تنظيف لها، وأخبرت زوجها أن سبب الإجهاض لم يكن طبيعيا، واستمرت فاطمة في المستشفى لمدة إسبوعين بعد الجراحة البسيطة، لأن زوجها تسبب لها بإصابات وكدمات قبل أن يلقي عليها يمين الطلاق ثلاثا، وعادت فاطمة إلى منزل عائلتها ولم تخرج منه ثانية.
الحق في الإجهاض الآمن، أحد مطالب الحركات النسوية في مصر، متزامنا مع اليوم العالمي للإجهاض الآمن، دعاوى حقوقية، لتغيير القانون بما يسمح للمرأة بأن تحدد برغبتها بقاء الحمل من عدمه، بما يتوافق مع ظروفها الخاصة، لم تحصل المرأة في مصر حتى الآن على حقها في زواج تحميها الدولة من شرور ما تخفيه الأيام من تقلبات، أو حق في طلاق لا يهدم حياتها، ويعرضها لكافة أشكال الإذلال المجتمعي، لم تصل إلى غايتها بعد في حمل آمن، وولادة تتكفل القوانين بحمايتها من مخاطرها، فهل تكفل لها مصر حقا بعيدا في إجهاض آمن؟
عرَّف القانون المصري للعقوبات؛ الإجهاض كجريمة مكتملة الأركان، و اعتبرها من جرائم الاعتداء على الحياة، ووضع له المشرع بابا مستقلا في القانون، وعنوانه "إسقاط الحوامل، وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة"، وأدلت محكمة النقض المصرية بدلوها في أحكام الإجهاض، وعرفته بأنه "تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان"، وتعاقب الأم بالحبس، في حال موافقتها على الإجهاض، أو تعمد إجهاضها لنفسها بأي طريقة كانت، ويعاقب من يساعدها على الفعل بنفس العقوبة، والتي لم تحدد في القانون، باعتبارها جنحة، يعود تقديرها للقاضي، أما إذا تسبب أحد في إجهاضها متعمدا وبغير رضاها فإن ذلك يندرج تحت تصنيف الجناية بحسب المشرع.
الحياة في الشارع، ليست سهلة، لفتاة تبلغ 17 عاما، تركها أهلها للشارع، فمن بين عشرة أطفال في غرفة واحدة، لن يهتم أحد لواحدة تتسلل ليلا لتهرب، بحثا عن طعام، ومكان تحت ظل أحد الجسور لا يزاحمها فيه إخوتها، خرجت نورا من المنزل، لم يبحث أحد عنها، بقيت بالشارع ما بقت، تأكل مما يأكل أقرانها، وتنام حيث ينامون، ويعاشرها ليلا من لا تراه بالنهار، بعد شهرين من توقف دورتها الشهرية، أخبرت صديقتها بالشارع، فأشارت لها بالوصفة التي لن تكلفها سوى جنيهين، ثمنا لزجاجة بيبسي ستغليها وتشربها "كلنا شربنا الساقع مغلى وبيكوينا وبنخلص"، نجحت الوصفة، وأجهضت نورا، وتم النزف، وتوالت زجاجات الصودا المغلية، بعد كل مرة يتم اغتصابها في الشارع، وهي لا تعرف أن في المرة الأخيرة ستصاب بتهتك في الرحم سيمنعها من الحمل مجددا "مكنش قدامي حل تاني واللي زيي مش معايا اروح مستشفى ولو رحت هتحبس".
اختلاف بين التحريم والكراهة والإباحة، بين أئمة الشرع، في جواز الإجهاض، قبل إتمام الحمل لثلاثة أشهر، وهو ما اعتبره النشطاء، اختلاف "رحمة"، لكن القانون المصري لا يعرف الرحمة، فالقانون الذي يجرم الإجهاض، لأي سبب، وبأى طريقة، يعتبر الأم مجرمة، تستحق العقوبة، وهو ما يسعى النشطاء لتغييره لمنح المرأة المصرية حرية التحكم في جسدها، وتنظيم الحق في الإجهاض، ومنح المرأة المُجهضة حقها في رعاية طبية تحميها، وإشراف طبي يقي جسدها من مخاطر الإجهاض بالطرق غير المشروعة، لا أحد يعرف هل ستستجيب الدولة لمطالب تعديل قانون العقوبات، وهل ركب الحقوق النسوية الذي سار في تونس ثم السعودية، سيصل إلى مصر في محطته التالية فيمنحها أمانا يغيب عن جسدها وأحلامها.