كان لمشاركة تيسير محمد صندوقة، وهو عامل في مجال الكهرباء وأب لطفلين، في تشييع جثمان الشهيد الفتى محمد أبو خضير، تأثيرا عميقا في حياته. فهو سيمضي ما تبقى من عمره كفيفاً محروماً من رؤية طفلَيه أمير (6 سنوات) وآدم (سنة ونصف)، بعد فقدانه عينه الثانية والوحيدة التي يبصر بها.
ففي أثناء التشييع، انهمر رصاص جنود الاحتلال، وعلت حناجر المشيعين بهتافات تمجّد الشهيد وتندّد بجريمة اغتياله. وكان تيسير من بين الهاتفين قبل إصابته برصاصة مطاطيّة استقرت في عينه اليسرى، ففقد بصره كاملاً بعدما كان قد خسر عينه اليمنى، وهو في الثامنة من عمره، كما يقول شقيقه عمار لـ"العربي الجديد".
في البداية نقل تيسير إلى مستشفى المقاصد. لكن خطورة إصابته، دفعت الأطباء إلى تحويله إلى مستشفى سانت جون للعيون في الشيخ جراح. وسرعان ما ارتأى الأطباء غير ذلك، فقرروا تحويله إلى مستشفى هداسا عين كارم نظراً لإمكانات المستشفى المتواضعة وإصابة العين على نحو بالغ يصعب معه إنقاذها.
ويروي عمار "أجريت لشقيقي تيسير عمليّة جراحيّة مستعجلة في هداسا عين كارم، واستغرقت نحو سبع ساعات بذل الأطباء خلالها جهداً عظيماً لإنقاذ عينه. لكن المحاولات فشلت. فالعين تضرّرت على نحو لا يمكن معه التدخل، وبالتالي فقد تيسير عينه الوحيدة التي يبصر بها، ولم يعد يرى بتاتاً".
العائلة التي نُكِبت من جرّاء إصابة تيسير، وكذلك أصدقاؤه، يلازمون المستشفى لمواساته ورفع معنوياته، ولا يتركونه في لحظة حزنه ويأسه. أما هو، فيغالب نفسه في هذه المرحلة، على الرغم من معاناته. فهو، بالإضافة إلى أنه لن يتمكّن بعد اليوم من رؤية صغيرَيه، لن يرى أبداً طفله الثالث المنتظر بعد شهور قليلة.
وقد وجّه تيسير من سريره في المستشفى رسالة نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، يناشد فيها وسائل الإعلام فضح جرائم الاحتلال الذي أفقده بصره، وكان سبباً في استشهاد محمد أبو خضير. وفيها، يعبّر عن حزنه من جرّاء فقدان عينه الوحيدة التي كان يبصر بها، بلمح البصر.
يقول مصطفى الخروف، وهو ابن خال تيسير، إن "الأطباء قرّروا استئصال عين تيسير بداية، وحينما علموا أنه فاقد للرؤية في العين الأخرى، بذلوا جهداً لإنقاذ العين المصابة. لكنهم فشلوا، فالضرر كبير، وبالتالي على تيسير من الآن فصاعداً أن يحيا مع واقعه الجديد". ويضيف بحرقة وألم "مسكين يا تيسير، لن تتمكن من رؤية طفلك الثالث".
ويرجع عمار ليعلّق هنا قائلاً: "حتى أنه لم يرَ آدم وأمير منذ إصابته قبل أيام. وربما لن يكون بمقدورنا أن نجلبهما في هذه المرحلة لرؤية والدهما، على الرغم من سؤاله الدائم عنهما".
وبينما يتحسّس تيسير من حين إلى آخر موضع الإصابة، يبدو ألمه أكبر بكثير مما خلّفته تلك الإصابة وحدها. فهو فقد نعمة البصر، كذلك يمزّقه شوقه إلى صغيرَيه حتى ولو لم يتمكن بعد الآن من رؤيتهما.