11 يوليو 2016
في صناعة التطرف
ساهمت الثورات الشعبية التي أطاحت أنظمة عربية، نوعاً ما، في تغيير المفاهيم الموروثة عن الحالة الثورية للشعوب، واستحدثت أبعاداً جديدة لمفهوم الأيدولوجيا الكلاسيكية، من حيث المضمون والآليات. وبالتالي، استقدمت حالة فارقة من العلاقات الاجتماعية المجتمعية، وإذا اتخذنا سورية نموذجاً لإسقاط التعريفات الجديدة عليها، نجد أننا أمام مشهد في غاية التعقيد، من أجل إيجاد مفاهيم جامعة، تحظى بالإجماع الشعبي، فحال الثورة السورية كما جميع الثورات في تاريخ البشرية التي جابهتها ثورات مضادة، من حيث الآلية والمفهوم والهدف مجتمعة، فالانحدار صوب الراديكالية الشديدة كانت ظاهرة مفتعلة من أصحاب الأجندات الخارجية، الإقليمية والدولية، والتي تعارضت، أغلب الأحيان، مع المفهوم المعتدل للأيدولوجيا، دينية أو ليبرالية.
وبالتالي، أصبحت صناعة التطرف والراديكالية المفهوم الأكثر تقبلاً من الحاضنة الاجتماعية السورية بشكل عام، عدا أنها كانت فاقدة للأمان، وتبحث عن قوة مادية تحقق الأمن والحماية، عدا عن أن المكونات التي لا تحظى بالتمويل من هذه القنوات باتت على المفترق بين الرفض المطلق والقبول المتوجس، فالصراعات العتيقة للسلطة الحاكمة، من بوابة الطائفية المذهبية، كان لها دور بارز في هذا السياق، الأمر الذي أجبر قنوات التمويل إلى قيادة الصراع بالمنوال نفسه، ورفع وتيرة الصراع الطائفي والمذهبي، وإيصالها إلى حدود التناحر وإنكار كل فرص التفاهم أو التلاقي على المصالح.
وربما من البديهيات في العلم الاجتماع السياسي وتاريخ الثورات أن الثورات المهاجرة، إن جاز التوصيف، أو الثورات التي لا تقوم على أراضي الجهات المعنية بأهداف الثورة، تعتمد على سياسة الصدمة والتوحش، بغية تحقيق التفوق، والاستعجال صوب الهدف كيفما اتفق، من دون الأخذ بالاعتبار الأضرار التي يمكن أن تلحق بالتركيبة البشرية في الأرض الثائرة، ولا حتى الالتفات إلى ماهية المعطيات المواتية أو المخرجات الممكنة. والتي سوف تفرض نفسها بعنف على طبيعة العلاقات الاجتماعية المجتمعية في الأرض الثائرة، ولا الأخذ بالحسبان دور هذه العلاقات في تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية للمجتمعات، فقد كانت لصناعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على سبيل المثال، دور كبير في مصادرة المبادئ المعتدلة لكل الفصائل المقاتلة في سورية، إما بسبب التنافس لصناعة سياسة الصدمة أو التوحش، أو للبحث عن مصادر التمويل والدعم والاستحواذ على الشرعية، من بوابة القوة والسيطرة، الأمر الذي أدى إلى انفصام الثورة عن المجتمع، من حيث الأهداف والآلية والوسائل، فالأغلبية التي سقطت بصمتها تحت نفوذ جماعات مقاتلة أصبحت تنظر إلى السلطة الجديدة بنظرتها نفسها إلى السلطة التي ثارت ضدها، لأنها لم تحقق له الأهداف الارتجالية العفوية التي أخرجته إلى الساحات والميادين. وفي الوقت نفسه، أخذت السلطة الجديدة الشعب بجريرة حقبة سابقة، إذ برّرت لنفسها الاستبداد، كون المجتمع كان تحت سلطة قمعية استبدادية في حقبة سبقت الثورة، فترة ليست قصيرة.
تحتاج المرحلة الحالية من الثورة السورية استحداث مفاهيم جديدة، للتنظير من أجل اكتساب القدرة على توظيف المكتسبات من جديد في خدمة المجتمع، والمضي في إعادة التأهيل المجتمعي، من أجل إيجاد مجتمع متكاتف، قادر على بناء دولة حديثة، بالحدود الوطنية نفسها، وتجديد الثقة الاجتماعية بين كل المكونات. ويتطلب هذا الأمر الشفافية والاعتراف بالأخطاء وأسبابها، وتسويقها للمجتمع نظرياً وعملياً، ضمن حدود الإمكانات المتوفرة، من أجل إيجاد قاعدة شعبية مؤمنة بأهداف الثورة، على الرغم من خروجها عن السياق المبدئي للثورة، وبغية التوعية واجتثاث فلسفة الصدمة والتوحش من البنية الاجتماعية، كون الاستمرارية بالنهج نفسه، والأنكى تبرير الأخطاء بمبررات تفتقر العلمية والمنطقية، ما سوف يجعل المجتمع برمته بلا خصوصية ثقافية، تتخذ من العنف وحده نهجاً ووسيلة لتحقيق أهدافه، وربما العنف من أجل العيش فقط. وهنا الطامة الكبرى التي سوف تحل بالحدود الوطنية للدولة السورية ما بعد الثورة.
وبالتالي، أصبحت صناعة التطرف والراديكالية المفهوم الأكثر تقبلاً من الحاضنة الاجتماعية السورية بشكل عام، عدا أنها كانت فاقدة للأمان، وتبحث عن قوة مادية تحقق الأمن والحماية، عدا عن أن المكونات التي لا تحظى بالتمويل من هذه القنوات باتت على المفترق بين الرفض المطلق والقبول المتوجس، فالصراعات العتيقة للسلطة الحاكمة، من بوابة الطائفية المذهبية، كان لها دور بارز في هذا السياق، الأمر الذي أجبر قنوات التمويل إلى قيادة الصراع بالمنوال نفسه، ورفع وتيرة الصراع الطائفي والمذهبي، وإيصالها إلى حدود التناحر وإنكار كل فرص التفاهم أو التلاقي على المصالح.
وربما من البديهيات في العلم الاجتماع السياسي وتاريخ الثورات أن الثورات المهاجرة، إن جاز التوصيف، أو الثورات التي لا تقوم على أراضي الجهات المعنية بأهداف الثورة، تعتمد على سياسة الصدمة والتوحش، بغية تحقيق التفوق، والاستعجال صوب الهدف كيفما اتفق، من دون الأخذ بالاعتبار الأضرار التي يمكن أن تلحق بالتركيبة البشرية في الأرض الثائرة، ولا حتى الالتفات إلى ماهية المعطيات المواتية أو المخرجات الممكنة. والتي سوف تفرض نفسها بعنف على طبيعة العلاقات الاجتماعية المجتمعية في الأرض الثائرة، ولا الأخذ بالحسبان دور هذه العلاقات في تحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية للمجتمعات، فقد كانت لصناعة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، على سبيل المثال، دور كبير في مصادرة المبادئ المعتدلة لكل الفصائل المقاتلة في سورية، إما بسبب التنافس لصناعة سياسة الصدمة أو التوحش، أو للبحث عن مصادر التمويل والدعم والاستحواذ على الشرعية، من بوابة القوة والسيطرة، الأمر الذي أدى إلى انفصام الثورة عن المجتمع، من حيث الأهداف والآلية والوسائل، فالأغلبية التي سقطت بصمتها تحت نفوذ جماعات مقاتلة أصبحت تنظر إلى السلطة الجديدة بنظرتها نفسها إلى السلطة التي ثارت ضدها، لأنها لم تحقق له الأهداف الارتجالية العفوية التي أخرجته إلى الساحات والميادين. وفي الوقت نفسه، أخذت السلطة الجديدة الشعب بجريرة حقبة سابقة، إذ برّرت لنفسها الاستبداد، كون المجتمع كان تحت سلطة قمعية استبدادية في حقبة سبقت الثورة، فترة ليست قصيرة.
تحتاج المرحلة الحالية من الثورة السورية استحداث مفاهيم جديدة، للتنظير من أجل اكتساب القدرة على توظيف المكتسبات من جديد في خدمة المجتمع، والمضي في إعادة التأهيل المجتمعي، من أجل إيجاد مجتمع متكاتف، قادر على بناء دولة حديثة، بالحدود الوطنية نفسها، وتجديد الثقة الاجتماعية بين كل المكونات. ويتطلب هذا الأمر الشفافية والاعتراف بالأخطاء وأسبابها، وتسويقها للمجتمع نظرياً وعملياً، ضمن حدود الإمكانات المتوفرة، من أجل إيجاد قاعدة شعبية مؤمنة بأهداف الثورة، على الرغم من خروجها عن السياق المبدئي للثورة، وبغية التوعية واجتثاث فلسفة الصدمة والتوحش من البنية الاجتماعية، كون الاستمرارية بالنهج نفسه، والأنكى تبرير الأخطاء بمبررات تفتقر العلمية والمنطقية، ما سوف يجعل المجتمع برمته بلا خصوصية ثقافية، تتخذ من العنف وحده نهجاً ووسيلة لتحقيق أهدافه، وربما العنف من أجل العيش فقط. وهنا الطامة الكبرى التي سوف تحل بالحدود الوطنية للدولة السورية ما بعد الثورة.