06 نوفمبر 2024
في صهيونية المحكمة الإسرائيلية العليا
ما زالت عدة عراقيل تعترض عملية تأليف حكومة إسرائيلية جديدة برئاسة بنيامين نتنياهو بين حزبي الليكود وأزرق أبيض برئاسة القائد السابق للجيش بيني غانتس. ولعلّ جديدها طلب "الليكود" أن يكون له دور حاسم في تعيين قضاة المحكمة الإسرائيلية العليا، رأس السلطة الثالثة القضائية، والمُفترض أن يتم تغيير ثلث أعضائها الـ15 في غضون الأعوام الأربعة المقبلة.
وكما تؤكد مقالات رأي متواترة هذه الأيام لمعلقين يمينيين فإن تنازل الليكود عن هذا الطلب سيكون مدعاةً لبكاء الأجيال، في حين أن إصراره عليه سيؤدي في عُرفهم إلى "إنقاذ هذه المحكمة من نفسها"، ويكبح تدخلها في عمل السلطة التشريعية، كما تجسّد ذلك في الآونة الأخيرة عن طريق تدخلها لمنع تعطيل البرلمان بصفته السلطة التمثيلية للشعب، وانتخاب رئيس جديد له يتولى تسيير عمله.
وبموجب ما يؤكد ساسة من أحزاب اليمين، فإن من شأن عدم استئثار الليكود بمثل هذا الدور الحاسم في إقرار تركيبة المحكمة العليا في الفترة المقبلة أن يسدّد ضربة قوية للجهود التي يبذلها اليمين من أجل شرعنة الاستيطان في الأراضي المحتلة، تمهيداً لضم أجزاء منها إلى دولة الاحتلال ضمن التفويض المنصوص عليه في "صفقة القرن" الأميركية.
من يحتاج إلى جعل الصورة أوضح بهذا الخصوص مدعوٌّ للعودة إلى بداية حملة اليمين الإسرائيلي على المحكمة العليا قبل أكثر من عقد، ووصفها بأنها "خاضعة لتيار يساري قوامه نخبة حقوقيين مصغّرة". ومن ركام الدراسات والمقالات والتصريحات التي ظهرت في ذلك الوقت، يمكن استلال مقالة نُشرت في مجلة اليمين المُحافظ المحتجبة "تخيلت" بعنوان "من أجل إنقاذ الصندوق الأزرق"، يدّعي كاتبه أن جهاز القضاء الإسرائيلي، ممثلاً بالمحكمة العليا، لم يعد مؤمناً بالاستيطان اليهودي، وأصبح يميل إلى حقوق المواطن عندما ينشأ تعارض بين الأمرين، وذلك على خلفية مُجرّد مناقشة تلك المحكمة مسألة السماح لمواطنين من فلسطينيي 48 بالسكن في مستوطنات جماهيرية يهودية أقيمت على ما تسمى "أراضي الدولة". وأعيد التذكير، في ثنايا تلك المقالة، بأنه على الرغم من أن الصهيونية لم تكن حركةً متجانسة، فإن الاستيطان اليهودي في فلسطين اعتبر دوماً، في نظر شتى تياراتها ومكوناتها، هدفاً يحتل المرتبة الأولى، وهذا الهدف كان مُكمّلاً لهدف منشود آخر، هجرة اليهود من العالم أجمع، اعتبر هو أيضاً في نظر الصهاينة كافة على اختلاف مشاربهم ركيزة رئيسية لـ"إنشاء الوطن القومي".
ثمّة تهمة أخرى جرى التلويح بها أيضاً في وجه المحكمة العليا، فحواها أنه على الرغم من انطلاقها، أن إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، فإنها في أغلب أدائها أخضعت القيم اليهودية للقيم الديمقراطية. وهذه تهمة لا أساس لها، وسبق أن دفعتها المحكمة عنها قبل أن تُوجّه إليها. وجهاز القضاء الإسرائيلي كان مُلتزماً من ناحية نظرية بفكرة الدولة اليهودية، حتى قبل سنّ "قانون القومية". بل يمكن القول إن الموقف الصهيوني هو بمثابة "معطى دستوري"، كما أكد رئيس المحكمة العليا السابق شمعون أغرانات عام 1965، حين كتب، في أحد قرارات الحكم الشهيرة التي خطّها بيده: "إن إسرائيل ليست فقط دولة سيادية، مستقلة، نصيرة للحرية، وتتميز بنظام يقوم على سلطة الشعب، بل أقيمت أيضاً دولةً يهوديةً في أرض إسرائيل".
كما أن رئيساً سابقاً آخر لهذه المحكمة يتهم أكثر شيء بهذا الموضوع، وهو أهارون باراك، أكّد وجوب أن تتجنب المحكمة العليا الخوض في هذا الموضوع، معلناً عام 1999 أنه على الرغم من أن المحكمة مضطرّة أحياناً لحلّ التناقض بين قيم إسرائيل بوصفها دولة يهودية وديمقراطية، فليست المحكمة هي المؤسسة الرسمية التي عليها أن تبلور في هذه الصدد إجماعاً، كما أنه لا يجدر تسوية كل مشكلةٍ يمكن حلها بأساليب قضائية بهذه الأدوات، وهناك مسائل كثيرة، بما فيها مسألة التناقض السالف، يُعتبر حلها الملائم في المقام الأول حلاً اجتماعياً وسياسياً.
وبموجب ما يؤكد ساسة من أحزاب اليمين، فإن من شأن عدم استئثار الليكود بمثل هذا الدور الحاسم في إقرار تركيبة المحكمة العليا في الفترة المقبلة أن يسدّد ضربة قوية للجهود التي يبذلها اليمين من أجل شرعنة الاستيطان في الأراضي المحتلة، تمهيداً لضم أجزاء منها إلى دولة الاحتلال ضمن التفويض المنصوص عليه في "صفقة القرن" الأميركية.
من يحتاج إلى جعل الصورة أوضح بهذا الخصوص مدعوٌّ للعودة إلى بداية حملة اليمين الإسرائيلي على المحكمة العليا قبل أكثر من عقد، ووصفها بأنها "خاضعة لتيار يساري قوامه نخبة حقوقيين مصغّرة". ومن ركام الدراسات والمقالات والتصريحات التي ظهرت في ذلك الوقت، يمكن استلال مقالة نُشرت في مجلة اليمين المُحافظ المحتجبة "تخيلت" بعنوان "من أجل إنقاذ الصندوق الأزرق"، يدّعي كاتبه أن جهاز القضاء الإسرائيلي، ممثلاً بالمحكمة العليا، لم يعد مؤمناً بالاستيطان اليهودي، وأصبح يميل إلى حقوق المواطن عندما ينشأ تعارض بين الأمرين، وذلك على خلفية مُجرّد مناقشة تلك المحكمة مسألة السماح لمواطنين من فلسطينيي 48 بالسكن في مستوطنات جماهيرية يهودية أقيمت على ما تسمى "أراضي الدولة". وأعيد التذكير، في ثنايا تلك المقالة، بأنه على الرغم من أن الصهيونية لم تكن حركةً متجانسة، فإن الاستيطان اليهودي في فلسطين اعتبر دوماً، في نظر شتى تياراتها ومكوناتها، هدفاً يحتل المرتبة الأولى، وهذا الهدف كان مُكمّلاً لهدف منشود آخر، هجرة اليهود من العالم أجمع، اعتبر هو أيضاً في نظر الصهاينة كافة على اختلاف مشاربهم ركيزة رئيسية لـ"إنشاء الوطن القومي".
ثمّة تهمة أخرى جرى التلويح بها أيضاً في وجه المحكمة العليا، فحواها أنه على الرغم من انطلاقها، أن إسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، فإنها في أغلب أدائها أخضعت القيم اليهودية للقيم الديمقراطية. وهذه تهمة لا أساس لها، وسبق أن دفعتها المحكمة عنها قبل أن تُوجّه إليها. وجهاز القضاء الإسرائيلي كان مُلتزماً من ناحية نظرية بفكرة الدولة اليهودية، حتى قبل سنّ "قانون القومية". بل يمكن القول إن الموقف الصهيوني هو بمثابة "معطى دستوري"، كما أكد رئيس المحكمة العليا السابق شمعون أغرانات عام 1965، حين كتب، في أحد قرارات الحكم الشهيرة التي خطّها بيده: "إن إسرائيل ليست فقط دولة سيادية، مستقلة، نصيرة للحرية، وتتميز بنظام يقوم على سلطة الشعب، بل أقيمت أيضاً دولةً يهوديةً في أرض إسرائيل".
كما أن رئيساً سابقاً آخر لهذه المحكمة يتهم أكثر شيء بهذا الموضوع، وهو أهارون باراك، أكّد وجوب أن تتجنب المحكمة العليا الخوض في هذا الموضوع، معلناً عام 1999 أنه على الرغم من أن المحكمة مضطرّة أحياناً لحلّ التناقض بين قيم إسرائيل بوصفها دولة يهودية وديمقراطية، فليست المحكمة هي المؤسسة الرسمية التي عليها أن تبلور في هذه الصدد إجماعاً، كما أنه لا يجدر تسوية كل مشكلةٍ يمكن حلها بأساليب قضائية بهذه الأدوات، وهناك مسائل كثيرة، بما فيها مسألة التناقض السالف، يُعتبر حلها الملائم في المقام الأول حلاً اجتماعياً وسياسياً.