14 نوفمبر 2018
في معنى "حكم العسكر"
ما معنى "حكم عسكر"؟ وهل من الصحيح مفاهيمياً الحديث عن شيء اسمه "حكم عسكر"، بدلالة خلفية رأس السلطة المهنية فقط؟ أقترح أن علينا الحديث عن "حكم عسكريتاري"، وليس "حكم عسكر"، ذلك أن نموذج السلطة العسكريتاري في المشرق ينطبق، في الواقع، على أنظمة حكم رؤوسها ليسوا عسكريين، ولم يأتوا من المؤسسة العسكرية. في العقل السياسي العلمي والمفاهيمي، المقصود بالحكم العسكريتاري، ذاك النظام السلطوي الذي يتأسس على قاعدة القوانين الناظمة التالية للممارسة وللأداء السلطوي:
أولاً، أحادية السلطة واختذال مؤسسات الحكم برمتها بشخص وقرارات ورغبات الرئيس الحاكم. ثانياً، اشتراط الولاء المطلق والطاعة العمياء لكل أوامر الرأس الحاكم الأوحد ورغباته ورؤاه، مثلما على الجنود الطاعة العمياء والتنفيذ الحرفي لأوامر القائد. ثالثاً، ضمان ولاء الأتباع بإشراكهم بالفوائد والمكاسب، بصفتها مغانم معارك ومكاسب هيمنة النظام، بحيث يصبح مقياس الولاء مدى رضوخ الأتباع للحصة المعطاة لهم من المغانم. رابعاً، التعامل مع الشارع العام بمنطق حالة "نفير عام" بما تتطلبه من تطبيق حالة "حكم عرفي" و"إدارة عسكرية أمنية"، حتى ولو لم يتم تطبيق هذا بشكل علني ورسمي عام، بل تم اتباعه بشكل سري وملتبس، وتم التفكير وفقه خلف الأبواب المغلقة.
كل نظام سلطة أو حكم في المشرق تمارس فيه تلك الشروط الأربعة، وتتحوّل إلى قواعد إدارة الحكم ومشروطات وقوانين تسيير شؤون العباد، يجب وصفه بأنه نظام "حكم عسكريتاري"، حتى ولو لم يكن الجهاز البشري الذي ينفذ تلك الخطة من المؤسسة العسكرية، أو من أصحاب المناصب العسكرية السابقة. ما يحدّد صفة نظامٍ ما بأنه عسكريتاري أو غير ذلك لا علاقة له، في المنطق السياسي المعرفي، بخلفية الحاكم الشخصي وشخصيته. يتعلق في الواقع بمكونات طريقة حكم هذا الحاكم ودعائمها، وطبيعة فهمه وإدارته موقعه في السلطة وتوقعاته منها.
من هنا، وفي ضوء ما سبق، يمكن القول، في الواقع، إنَّ ثلاثة أرباع الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، وفي المشرق بشكل عام، ينطبق عليها وصف "الحكم العسكريتاري"، وإن كان كثير منها ليس فيه "حكم عسكر" في الواقع، لأن رؤوس السلطة فيها والممسكين بزمام القرار ليسوا من المؤسسات العسكرية، ولم يكونوا "عساكر" في أي يوم.
مثال ناصع في الفضاء العربي في سورية. هناك أبشع وأفظع وأشنع حكم عسكريتاري،
وأكثرها إجراماً على الإطلاق في المشرق. ينطبق على النظام المذكور القواعد الأربع المذكورة في إدارة البلد، والتي أودت إلى المأساة السورية والمقتلة الشعبية والدمار الهائل في السنوات الخمس المنصرمة. لنلاحظ هنا أنَّ بشار الأسد لم يأت من المؤسسة العسكرية أبداً، كما جاء والده الدكتاتور الراحل. جاء، كما اعترف مراراً، من خارج المؤسسة العسكرية والأمنية، مع أنَّ والده جهد جداً لكي يجعله يتلقى تدريباً عسكرياً وتدرّجاً تراتبياً في الجيش، كل الشعب السوري يعلم أنه كان مزيفاً وصورياً وكاريكاتورياً بطبيعته، غرضه الوحيد هو تعريف الأتباع في نظام الأسد الأب على الوريث القادم. ولكن، وعلى الرغم من خلفيته غير العسكرية، مارس بشار الأسد الحكم بمنطق عسكريتاري، طبق فيه تلك القواعد الأربع، بمنتهى التشدّد والأصولية، إلى درجة أنه أنتج حكماً عسكريتارياً فاق، ببشاعته وفساده وفجوره، نظام أبيه العسكري بامتياز، والذي حكم كعسكري، وطبق نظاماً عسكرياً في حكمه. لدينا هنا حاكم غير عسكري يفرض نظام حكم عسكريتاري.
ومثال ناصع موازٍ في الفضاء المشرقي الأوسع في تركيا. ينطبق المثل نفسه على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. لم يأت أردوغان أيضاً من المؤسسة العسكرية، ولم يحمل رتبة عسكرية، وهو ليس عسكرياً. ولكن، إن تمعنا بموضوعية وتجرّد (بعيداً عن عواطف التعاطف والامتنان من موقف تركيا النبيل والعظيم من مأساة السوريين ومقتلتهم وتشردهم) بطبيعة حكمه وآلية إدارته ومنطقه السلطوي في تركيا، خلال العقد ونيف المنصرمين، سنجد ملامح قوية، تشير إلى تطبيق القواعد الأربعة التي تمثل بنية الحكم العسكريتاري. وقد بلغت شدة تطبيق أردوغان القواعد المذكورة درجة من الصرامة، جعلته أخيراً، يتعرّض لمحاولة انقلاب فاشلة، وجعلت الرأي العام التركي، قبل المحاولة المذكورة، يرفع صوته بالتعبير عن عدم راحته، وعدم رضاه من أسلوب حكم أردوغان. هنا أيضاً لدينا نموذج مشرقي لا-عربي يشبه، في طبيعته العسكريتارية، النموذج العربي المذكور قبله. كلاهما رئيسان غير عسكريين، لكنهما يطبقان منظومتي حكم عسكريتاريتين، تعتمدان على قواعد السلطة الأربع المذكورة. مع التأكيد، طبعاً، على الاختلاف بين مجرم سفاح غير متوازن في العسكريتاريا السورية ورجل دولة ذكي وطموح وبراغماتي وأصولي ومحبّ للسلطة في العسكريتاريا التركية. ولكن، وكما أشير، لا علاقة لماهية نظام ما العسكريتارية أصلاً بخلفية رأس السلطة وشخصيته، بحد ذاته.
من زاوية تعريف الأنظمة العسكريتارية نفسها، يمكن القول إننا، نحن الشعوب المشرقية، نُبتلى بحالة الحكم العسكريتارية نفسها في إيران، وكردستان العراق، وفلسطين (في حركتي فتح وحماس على حد سواء)، والأردن وفي حكم حزب الله لبنان (ومحاولة حكمه المجنونة من التيار الوطني الحر) وفي بعض دول الخليج العربي، وفي ليبيا، وحتماً وعلانية في العراق، وفي المغرب والجزائر. وبدرجة أقل في تونس ومصر. لو دققنا في الواقع العربي والمشرقي، نجد أن الحكم العسكريتاري هو السرطان السائد على اتساع المنطقة. فقط علينا أن نعرف عن ماذا نبحث، حين نقوم بالتوصيف الموضوعي لندرك المأساة الفادحة في عسكرة حياة شعوبنا، والتي لا يبدو أبداً أن هناك خلاصاً قريباً منها.
أولاً، أحادية السلطة واختذال مؤسسات الحكم برمتها بشخص وقرارات ورغبات الرئيس الحاكم. ثانياً، اشتراط الولاء المطلق والطاعة العمياء لكل أوامر الرأس الحاكم الأوحد ورغباته ورؤاه، مثلما على الجنود الطاعة العمياء والتنفيذ الحرفي لأوامر القائد. ثالثاً، ضمان ولاء الأتباع بإشراكهم بالفوائد والمكاسب، بصفتها مغانم معارك ومكاسب هيمنة النظام، بحيث يصبح مقياس الولاء مدى رضوخ الأتباع للحصة المعطاة لهم من المغانم. رابعاً، التعامل مع الشارع العام بمنطق حالة "نفير عام" بما تتطلبه من تطبيق حالة "حكم عرفي" و"إدارة عسكرية أمنية"، حتى ولو لم يتم تطبيق هذا بشكل علني ورسمي عام، بل تم اتباعه بشكل سري وملتبس، وتم التفكير وفقه خلف الأبواب المغلقة.
كل نظام سلطة أو حكم في المشرق تمارس فيه تلك الشروط الأربعة، وتتحوّل إلى قواعد إدارة الحكم ومشروطات وقوانين تسيير شؤون العباد، يجب وصفه بأنه نظام "حكم عسكريتاري"، حتى ولو لم يكن الجهاز البشري الذي ينفذ تلك الخطة من المؤسسة العسكرية، أو من أصحاب المناصب العسكرية السابقة. ما يحدّد صفة نظامٍ ما بأنه عسكريتاري أو غير ذلك لا علاقة له، في المنطق السياسي المعرفي، بخلفية الحاكم الشخصي وشخصيته. يتعلق في الواقع بمكونات طريقة حكم هذا الحاكم ودعائمها، وطبيعة فهمه وإدارته موقعه في السلطة وتوقعاته منها.
من هنا، وفي ضوء ما سبق، يمكن القول، في الواقع، إنَّ ثلاثة أرباع الأنظمة الحاكمة في العالم العربي، وفي المشرق بشكل عام، ينطبق عليها وصف "الحكم العسكريتاري"، وإن كان كثير منها ليس فيه "حكم عسكر" في الواقع، لأن رؤوس السلطة فيها والممسكين بزمام القرار ليسوا من المؤسسات العسكرية، ولم يكونوا "عساكر" في أي يوم.
مثال ناصع في الفضاء العربي في سورية. هناك أبشع وأفظع وأشنع حكم عسكريتاري،
ومثال ناصع موازٍ في الفضاء المشرقي الأوسع في تركيا. ينطبق المثل نفسه على حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. لم يأت أردوغان أيضاً من المؤسسة العسكرية، ولم يحمل رتبة عسكرية، وهو ليس عسكرياً. ولكن، إن تمعنا بموضوعية وتجرّد (بعيداً عن عواطف التعاطف والامتنان من موقف تركيا النبيل والعظيم من مأساة السوريين ومقتلتهم وتشردهم) بطبيعة حكمه وآلية إدارته ومنطقه السلطوي في تركيا، خلال العقد ونيف المنصرمين، سنجد ملامح قوية، تشير إلى تطبيق القواعد الأربعة التي تمثل بنية الحكم العسكريتاري. وقد بلغت شدة تطبيق أردوغان القواعد المذكورة درجة من الصرامة، جعلته أخيراً، يتعرّض لمحاولة انقلاب فاشلة، وجعلت الرأي العام التركي، قبل المحاولة المذكورة، يرفع صوته بالتعبير عن عدم راحته، وعدم رضاه من أسلوب حكم أردوغان. هنا أيضاً لدينا نموذج مشرقي لا-عربي يشبه، في طبيعته العسكريتارية، النموذج العربي المذكور قبله. كلاهما رئيسان غير عسكريين، لكنهما يطبقان منظومتي حكم عسكريتاريتين، تعتمدان على قواعد السلطة الأربع المذكورة. مع التأكيد، طبعاً، على الاختلاف بين مجرم سفاح غير متوازن في العسكريتاريا السورية ورجل دولة ذكي وطموح وبراغماتي وأصولي ومحبّ للسلطة في العسكريتاريا التركية. ولكن، وكما أشير، لا علاقة لماهية نظام ما العسكريتارية أصلاً بخلفية رأس السلطة وشخصيته، بحد ذاته.
من زاوية تعريف الأنظمة العسكريتارية نفسها، يمكن القول إننا، نحن الشعوب المشرقية، نُبتلى بحالة الحكم العسكريتارية نفسها في إيران، وكردستان العراق، وفلسطين (في حركتي فتح وحماس على حد سواء)، والأردن وفي حكم حزب الله لبنان (ومحاولة حكمه المجنونة من التيار الوطني الحر) وفي بعض دول الخليج العربي، وفي ليبيا، وحتماً وعلانية في العراق، وفي المغرب والجزائر. وبدرجة أقل في تونس ومصر. لو دققنا في الواقع العربي والمشرقي، نجد أن الحكم العسكريتاري هو السرطان السائد على اتساع المنطقة. فقط علينا أن نعرف عن ماذا نبحث، حين نقوم بالتوصيف الموضوعي لندرك المأساة الفادحة في عسكرة حياة شعوبنا، والتي لا يبدو أبداً أن هناك خلاصاً قريباً منها.