في الماضي، كان الصيد حاجة ورياضة. أمّا اليوم، فلم يعد حاجة لأنّنا نجد ما نقتات به أينما كان، ولم يعد رياضة لأنّه صار أمراً آخر. فالصيد يكون إمّا بالجلوس تحت شجرة، أمام طاولة وُضعت عليها مسجّلة تصدر أصوات طيور وإلى جانبها نرجيلة يقضي بها المدعو "الصياد" وقته، وما إن يحطّ عصفور على الشجرة يطلق النار عليه، وإمّا يكون بالتقاط العصافير بالشباك أو الدبق أو الفخاخ. وفي حال قرّر الصياد المشي، فإنّه يطلق النار على كلّ شيء حتى لوحات منع الصيد نكاية بمن وضعها.
ولعلّ إطلاق النار على الطيور الجارحة وغير الجارحة التي لا تؤكل، أصبح عادة تُمارَس بالرشاشات والبنادق على أنواعها، حتى امتلأت البراري والطرقات والشرفات بالطيور المقتولة أو المصابة التي أصبح المواطنون العاديون ومحبّو الطبيعة يلتقطونها ويحملونها إلى أطباء بيطريين طالبين مساعدة في علاجها، ثم ينقلونها إلى بيوتهم ويسهرون على رعايتها وإطعامها وإعطائها الدواء. ولم تعد مراكز رعاية الحيوانات والطيور تتسع لجرحى الطيور وأصبحت مهمة نساء كثيرات في البيوت رعاية تلك التي أصيبت بإعاقة من بينها.
وهذا المشهد، على الأقل في لبنان، يشير إلى تنامي وعي الأسر حول أهمية الطيور والمحافظة عليها، وهو مشهد لم نكن قد اعتدناه في الماضي. ألا ينقل الناس جرحى البشر في الحروب إلى المستشفيات والأطباء؟ ألا تكتظّ العيادات بالجرحى والقتلى؟ الأمر نفسه يحصل حالياً مع الطيور. نعم إنّها الحرب على الطيور. أقليّة جعلت من الصيد حرباً على الطيور، بل هي حرب مليئة بالكراهية والعقد. وعندما تزداد الكراهية تنتج عن الحرب مجازر لا يمكن وصفها لما فيها من ترويع وتشنيع وتمثيل وتقطيع رؤوس وقطع أجنحة وأرجل وانتزاع أحشاء وعيون.
يقول بعض مرتكبي هذه المجازر إنّهم هكذا نشأوا على قتل الطيور ولا يستطيعون ترك هذه الهواية المدمّرة للحياة البرية لأنها تأصّلت بهم، مع العلم أنّهم هم انفسهم يذهبون إلى خارج لبنان للصيد فيحترمون قانون الصيد في تلك الدول ويصطادون ما هو مسموح صيده بالنوع والعدد. هؤلاء يعلمون أنّهم لو خالفوا قانون تلك الدول، فإنّهم لن يكونوا بعد ذلك من الفئات المرحّب بها. إذاً، هي ليست هواية تتأصل في نفوسهم بل فوضى نتيجة عدم وجود جدية في تطبيق قوانين الصيد، فـ"المال السائب يعلّم الناس الحرام"، وهي نزعة خفيّة تؤدّي إلى الاستقواء على الضعيف، أي الطائر، وتقضي بحب الظهور استناداً إلى مقولة "الصيد رياضة الملوك". ثمّة من أصبح يتخيّل نفسه من سلالة الملوك والأمراء وأنّ الصيد من شيمه ويتجسّد فيه.
وليس من حل لتلك الهجمات على الطيور سوى تطبيق القانون والتشدّد في منع المخالفات، لأنّ أكثر المخالفين لن يرتدعوا إلا بعد نيل عقابهم، بالتالي يرتدع الباقون ويعود الصيد صيداً وتضع الحرب على الطيور أوزارها وربما يتصالح الجيل الجديد مع الطيور على أمل ألا تكون تلك المصالحة على حساب انقراض بعض الأنواع.
هذا الصيد يُطلق عليه صيد الاستقواء والسيطرة، في حين أنّ الأصعب هو الحرب التجارية التي تجعل من الطيور بضاعتها. وهو صيد تمنعه القوانين لأنّ الصيد ليس تجارة، لكنّ نخبة من القوم تصطاد آلاف الطيور يومياً بواسطة الشباك من أجل توريدها إلى المطاعم وتصدير الباقي إلى الخارج. إنّها تجارة مربحة بأدوات لا تباع عادة إلا للذين يقومون بدراسة الطيور ويضعون حلقات متابعة بأرجلها. هؤلاء عليهم إبراز ما يفيد بأنّهم يعدّون أبحاثاً علمية في مراكز بحثية معروفة. أمّا التجار، فلا نعلم كيف يحصلون على تلك الشباك ومن أيّ بلد تصلهم. هؤلاء هم الذين لا نراهم كثيراً ولكنّ لفعلهم تأثيراً كبيراً يؤدّي إلى تناقص أعداد الطيور على المستوى العالمي. هل من أمل بوضع حدّ لهؤلاء التجار من قبل السياسيين أصحاب القرار؟ علينا الانتظار، مع الاستمرار في حملات التوعية.
*اختصاصي في علم الطيور البرية