وكان من المفترض الانتهاء من التصويت على هذا المشروع أمس، لكن الجدل والأخذ والرد الذي ساد قاعة البرلمان هو ما أخّر انتهاء عملية تحويله لقانون سيشرف على الاتفاق النووي من جهة ويقف بوجه متطلبات الغرب من جهة أخرى. وبدأ الجدل منذ إعلان الهيئة الرئاسية في البرلمان، على لسان أحد أعضائها حسن أبو ترابي فرد، تأجيل الهيئة لمناقشة المشروع إلى وقت لاحق من هذا الأسبوع، وهو ما أثار غضب عدد من النواب، والذين وقّع بعضهم على رسالة تطالب بعدم تأجيل الأمر، لا سيما أن 92 في المائة من نواب البرلمان صوّتوا على قرار تعجيل التصويت ووُضع المشروع على رأس العناوين الأسبوع الفائت.
الأمر الآخر الذي أثار الجدل هو إعلان رئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، عن تغيير إحدى الملاحظات الملحقة بالمشروع، والتي كانت تنص في السابق، بحسب بعض المصادر، على ضرورة تمرير الاتفاق النووي المرتقب على البرلمان، ما يعني عدم تطبيقه إيرانياً إلا بعد موافقة المجلس، فأعرب لاريجاني عن تغيير الملاحظة التي أصبحت تنص على ضرورة تقديم الوفد المفاوض لكل تفاصيل الاتفاق النووي بشفافية أمام البرلمان وحسب.
ورد علي لاريجاني النائب المحافظ عن مدينة طهران أحمد توكلي، والذي اعتبر أن إضافة بنود أو إجراء تعديلات على مشروع تم وضعه على الأجندة الأسبوعية وعلى جدول عمل النواب أمر ممنوع قانونياً، فما كان من لاريجاني ألا التأكيد بعد ذلك أن بعض التفاصيل في هذا المشروع لا تراعي الشروط التي تفرضها لجنة الأمن القومي العليا، والتي تدير المفاوضات النووية الإيرانية مع دول الست الكبرى، مشدداً على ضرورة صياغة مشروع جيد في وقت يُعدّ فيه الملف النووي من أهم الملفات التي تعني البرلمان والبلاد، وهي الخطوة التي قُرأت من قبل مراقبين على أنها لصالح دعم الوفد المفاوض، في مقابل وجود عدد كبير من المتشددين والمنتقدين للحكومة في البرلمان.
بنود القانون المرتقب ثلاثة وحسب، أولها يلزم الحكومة بإلغاء كل العقوبات المفروضة على البلاد فور تطبيق الاتفاق النووي وضمان هذا الأمر بشكل واضح في نص الاتفاق النهائي، وثانيها يسمح بالتفتيش المتعارف عليه دولياً للمنشآت النووية الإيرانية، مع منع الدخول لأي موقع من المواقع العسكرية ورفض مقابلة أي من العلماء النوويين الإيرانيين، والبند الأخير ينص على ضمان استمرار البحث والتحقيق العلمي والنووي بما يضمن حفظ منجزات البلاد النووية.
الملاحظتان المضافتان للمشروع تتعلق إحداهما بضرورة تقديم الوفد المفاوض للمعلومات التفصيلية حول الاتفاق مع الغرب، والثانية تنص على تقديم وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، تقريراً للبرلمان مرة كل ستة أشهر حول آلية تنفيذ التعهدات النووية، وهذه الملاحظة تم تعديلها أيضاً في وقت سابق، إذ كانت تنص على تشكيل لجنة برلمانية تشرف على تطبيق الاتفاق والتزام الكل بالتعهدات، وتُقدّم تقاريرها مرة كل ثلاثة أشهر.
اقرأ أيضاً: الترقب والتفاؤل يهيمنان على المفاوضات النووية المكثفة في فيينا
كل هذه التفاصيل، وإن تم تعديل بعضها لصالح استمرار المفاوضات، والتي ستصب لصالح الاتفاق النووي كذلك بحسب المراقبين، لكنها من جهة ثانية تضع بعض العراقيل أمام الوفد المفاوض، لا سيما في ما يتعلق بالتفتيش، فقد اتفق المفاوضون الإيرانيون هذه المرة مع نواب البرلمان على ضرورة إلغاء العقوبات الاقتصادية فور تطبيق الاتفاق عملياً، لكن الخلاف ما زال يدور حول التفتيش.
ويتحدث وزير الخارجية الإيراني ومن معه من مفاوضين، على أن البروتوكول الإضافي الذي يجب أن توقّعه إيران كجزء من الاتفاق النووي يسمح بتفتيش منظّم ومشروط لبعض المواقع، ويؤكد هؤلاء كذلك على عدم منح أي امتيازات بالمقابل قد تسمح بكشف أسرار البلاد الأمنية والعسكرية، فيما يرفض المحافظون بمعظمهم الدخول إلى المواقع العسكرية جملة وتفصيلاً.
وعن التعقيدات التي قد يتسبب بها هذا المشروع للمفاوضين، قال عضو الهيئة الرئاسية في البرلمان علي رضا سفيدان منادي، إن الهدف من القانون هو دعم الحكومة وحفظ الإنجازات النووية وعدم تقديم تنازلات للأطراف المقابلة، فضلاً عن ضمان عدم تجاوز الخطوط الحمر، في وقت لا يثق فيه الكثيرون في إيران بالغرب، معتبراً أن الغاية هي تشكيل ضمانات لا وضع عقبات.
وأشار منادي لـ"العربي الجديد" إلى أن البروتوكول الإضافي يحتاج أساساً لتصويت النواب، ولا يمكن أن يسمح هؤلاء بدخول المنشآت العسكرية، قائلاً إنه يجب إقرار قانون يضمن حماية أسرار البلاد، وهذا ما يفعله النواب حالياً.
كذلك ذكر أن هذا القانون سيبقى ثابتاً حتى في حال تغير تركيبة البرلمان خلال الانتخابات التشريعية العام المقبل ولن يُعاد النظر فيه. ورداً على سؤال عن الإجراءات التي سيتخذها البرلمان بموجب هذا القانون في حال فرض عقوبات غربية جديدة أو في حال التأكد من الإخلال بالتعهدات من قبل الأطراف المقابلة لإيران، قال منادي إن طهران لن تخلف بوعودها ولكن نقض الطرف الآخر للالتزامات يعني أنه يجب على الحكومة اتخاذ خطوة جدية بالمقابل وربما إلغاء الاتفاق، ملوّحاً بأن البرلمان سيصوّت بهذه الحالة على قانون يسمح بإعادة تخصيب اليورانيوم بنسبة عشرين في المائة، وهذا الأمر قد يلغي الاتفاق النووي من قبل الغرب، إذ يُشكّل التخصيب أبرز النقاط المقلقة بالنسبة لهم.
وفي الوقت الذي يلمس فيه الكل نية إيرانية حقيقية وجدية في التفاوض بغية التوصل لاتفاق يلغي الحظر الاقتصادي بالدرجة الأولى، وهذه الجدية ليست فقط من قبل الوفد المفاوض وإنما من قبل كل الأطراف السياسية في البلاد، يختلف السياسيون في إيران كذلك على آلية التفاوض، فقد قال عضو لجنة الأمن القومي التي صاغت المشروع إسماعيل كوثري، خلال كلمته في جلسة الأحد، إنه "على الحكومة ألا تركز على التفاوض الثنائي مع الولايات المتحدة وحسب فلا تمكن الثقة بالشيطان الأكبر"، بحسب وصفه، موجّهاً كذلك انتقادات أخرى تتعلق بتركيز حكومة الرئيس حسن روحاني على المفاوضات النووية فقط بينما هناك العديد من الملفات المعقّدة في السياسة الخارجية، والتي تنتظر إيجاد حلول.
وفي انتظار تحويل المشروع رسمياً إلى قانون، من المتوقع أن تستمر الانتقادات للحكومة، وأن يدور جدل جديد خلال مناقشة بنود وتفاصيل هذا المشروع، فهناك مؤيدون ومعارضون للعديد من النقاط، والغالبية في البرلمان متفقون على ضرورة دعم الوفد المفاوض وعلى ضرورة إقرار القانون، لكن الخلاف يدور حول التفاصيل، وهذا يبقى أمراً طبيعياً في وقت ينقسم فيه المحافظون أيضاً إلى متشددين ومعتدلين.
اقرأ أيضاً: ظريف يتوقع استمرار التفاوض بعد المهلة المحددة