أقر البرلمان التونسي مشروع قانون يهدف إلى تدعيم الأسس المالية للمصارف الحكومية، عبر مساعدتها في استخلاص ديونها المتعثرة، وتنفيذ برنامج لإعادة هيكلتها تحت مراقبة برلمانية.
وتتزايد الإجراءات البرلمانية والحكومية لهيكلة البنوك الحكومية، في الوقت الذي تتزايد فيه ضغوط صندوق النقد الدولي بخصخصة الممتلكات العامة والبنوك الحكومية.
وتمتلك الدولة التونسية 3 مصارف، وهي "الشركة التونسية للبنك" و"البنك الوطني الفلاحي"، "بنك الإسكان"، وهي ركيزة القطاع المصرفي في تونس. وتستحوذ هذه المؤسسات على 40% من حجم تداولات الاقتصاد، ويعمل بها ما يقارب 29 ألف موظف، وتساهم بنسبة 3% من الناتج الداخلي.
وبموجب القانون الجديد، الذي تم إقراره يوم الثلاثاء، سيتم إحداث لجنة لمراقبة الإصلاح الإداري والهيكلي للبنوك الثلاثة، تتكون من 7 أعضاء من مجلس نواب الشعب و3 ممثلين عن وزارة المالية، وممثلين عن محكمة المحاسبات والبنك المركزي توكل إليهم مهمة متابعة مآل الديون المستحقة للمصارف.
وتأتي مصادقة البرلمان على القانون الجديد، استجابة لطلب حكومي للتدخل لدعم الأسس المالية للمصارف الحكومية الثلاثة بعدما تعذّرت عليها مواصلة المسار الإصلاحي الذي بدأته قبل نحو ثلاث سنوات.
وكان البرلمان قد صادق، في أغسطس/ آب 2015، على ضخ تمويل بقيمة 383 مليون دولار في "الشركة التونسية للبنك"، ونحو 56 مليون دولار في "بنك الإسكان"، في إطار خطة متكاملة لإعادة هيكلة المصرفين لتدعيم صلابتهما المالية وضمان استمرار توازناتهما المالية، حسب مسؤولين حكوميين آنذاك.
وبعد ذلك، في يونيو/ حزيران 2016، صادق البرلمان على تعديل قانون البنوك والمؤسسات المالية والبنك المركزي، وذلك في إطار إعادة هيكلة القطاع ورفع كفاءته بما يتوافق مع التطورات العالمية والاقتصادية المحلية.
وقال وزير المالية رضا شلغوم، إن برامج هيكلة البنوك العمومية بدأت تؤتي أكلها، ويتجلى ذلك من خلال المؤشرات التي حققتها، من بينها ارتفاع الودائع بنسبة 8.7% وتراجع نسبة الديون المصنفة (المشكوك في تحصيلها) من 20.8% إلى 16.7%.
وتشكو المصارف الحكومية من صعوبات مالية بسبب ضعف الحوكمة وارتفاع نسبة الديون المتعثرة، ما دفع الحكومة إلى التدخل بضخ تمويلات من ميزانية الدولة لإعادة هيكلتها خلال الأعوام الماضية.
وتخطط الحكومة لاسترجاع البنوك الثلاثة ديونا بقيمة 6.5 مليارات دينار (2.7 مليار دولار)، ضمن خطة لإصلاح القطاع المصرفي كان يفترض أن تنفذ في الفترة بين 2016 و2020.
وبسبب غياب الأدوات القانونية التي تمكن البنوك من التفاوض مع عملائها حول صيغ استرجاع الديون غير المستخلصة، لم تحقق الخطة الحكومية أهدافها خلال العامين الأولين من المدة المخصصة لتأهيل البنوك.
وقال سليم بسباس، عضو لجنة المالية في البرلمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن القانون الجديد يمثل أداة مهمة في يد المصارف لتحسين شروط التفاوض حول استرجاع الديون، والتي يعود جزء منها إلى أكثر من ثلاثة عقود مضت.
وأشار بسباس إلى أن المؤسسات المالية الحكومية لم تتمكن بعد عامين من انطلاق خطة رسملتها من تحقيق النتائج المرجوة بخفض حجم الديون المتعثرة رغم أهمية مبالغها وتأثيرها السلبي على النتائج المحاسبية لهذه البنوك، بسبب نقص في التشريعات.
وأضاف أن المصارف الحكومية تحتاج إلى فكّ القيود التي تفرضها القوانين حتى تتصرف في أصول الديون وفوائضها مع المقترضين، مثل الإجراءات التي تقوم بها المصارف الخاصة لاستعادة الديون المتعثرة.
وأدت الصعوبات التي تواجهها المصارف إلى تقليص عدد من فروعها وإعادة هيكلة الموارد البشرية بهدف تحسين أدائها المالي. ويشتمل الجهاز المصرفي التونسي على 24 مصرفاً، من بينها 6 مصارف تستحوذ على 70% من السوق.
ويرى خبراء أن تفاقم مشكلة الديون المتعثرة في تونس يعود إلى تراجع مؤشرات العديد من القطاعات الاقتصادية، وأبرزها السياحة وإنتاج الفوسفات الذي يعد أحد السلع التصديرية الرئيسية.
وحذرت وكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، في تقرير حديث، من ارتفاع القروض غير المستخلصة (المتعثرة) التي قد تحول دون قيام المصارف بدورها الرئيسي في تمويل الاقتصاد بسبب شح السيولة، مشيرة إلى أن العمل على زيادة الاستثمار الأجنبي وانتعاش بعض القطاعات سيساهم في تحسين مناخ الأعمال ودفع النمو الاقتصادي والمالي للبلاد.