أقر البرلمان التركي، الأربعاء، قانوناً مدعوماً من الحكومة ينظم وسائل التواصل الاجتماعي، في ظلّ مخاوف أعرب عنها معارضون، من استخدامه لزيادة الرقابة. وأثار القانون، منذ تقديم اقتراحه، ردود فعل محلية ودولية، اتهمت الرئيس رجب طيب أردوغان بالسعي لملاحقة الأصوات المعارضة له، فيما أكدت الحكومة أكثر من مرة سعيها إلى تقنين عمل هذه المنصات، مفرقة بين حرية التعبير، وبين ما قالت إنه "الحفاظ على حقوق الأفراد التي تتعرض للإهانة بشكل كبير" في إشارة إلى الحسابات الوهمية التي تسبب الإساءة للأفراد والطبقة السياسية.
نصّ القانون
يفرض القانون الجديد على شركات التواصل الاجتماعي الكبرى، مثل "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، فتح مكاتب تمثيلية في تركيا للتعامل مع الشكاوى ضد المحتوى المنشور على منصاتها. وفي حال رفضت الشركات تعيين ممثل رسمي، فإن التشريع يفرض غرامات باهظة عليها وحظر الإعلانات وتخفيضات النطاق الترددي. وبموجب حكم قضائي سيتم تخفيض النطاق الترددي إلى النصف، ثم خفضه بصورة أكبر. وهو ما يعني أن عمل شبكات التواصل الاجتماعي سيكون بطيئاً جداً.
وبحسب "أسوشييتد برس"، سيتم تكليف مندوبي هذه الشركات بالرد على الطلبات الفردية لإزالة المحتوى الذي ينتهك الخصوصية والحقوق الشخصية في غضون 48 ساعة أو تقديم أسباب الرفض. وستتحمل الشركة المسؤولية عن الأضرار إذا لم تتم إزالة المحتوى أو حظره في غضون 24 ساعة. وبحسب "الأناضول"، فإنّه إذا لم تتم الاستجابة خلال 48 ساعة، يمكن تغريم هذه المنصات 5 ملايين ليرة تركية (730 ألف دولار). وفي حال عدم تنفيذهم قرار إزالة المحتوى أو حظره، رغم الغرامة السابقة، فقد يتم تغريمهم 10 ملايين ليرة تركية (أكثر من 1.4 مليون دولار).
والتشريع الذي يتألف من تسع مواد، يطلب أيضًا من شركات وسائل التواصل الاجتماعي تخزين بيانات المستخدمين في تركيا، وهو ما أثار قلقاً بين المعارضين.
الحكومة: تنظيم لمكافحة الجرائم
قالت الحكومة التركية إن التشريع الجديد ضروري لمكافحة الجرائم الإلكترونية وحماية المستخدمين. وقال المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين إن مشروع القانون لن يؤدي إلى فرض الرقابة ولكنه سيقيم روابط تجارية وقانونية مع منصات وسائل التواصل الاجتماعي، بحسب "رويترز". فيما قالت نائبة الحزب الحاكم، رميسة كاداك، في كلمتها أمام البرلمان صباح الأربعاء، والتي نقلتها "أسوشييتد برس"، إن القانون سيستخدم لإزالة المحتوي الذي يتضمن التنمر عبر الإنترنت وإهانات ضد النساء.
من جانبها، نقلت وكالة "الأناضول"، قبل أيام، عن خبير تركي قوله إنّ القانون يستهدف منع الجرائم. وقال دينيز أوناي إن القانون "يهدف إلى منع الجرائم ومعاقبة مرتكبيها، ولا علاقة له بتقييد الحريات". وأضاف أنه "لا توجد أي بنود في المقترح التشريعي (قبل إقراره) لفرض قيود على حقوق الإنسان وحرياته، بل على العكس، فهو يهدف إلى منع ومعاقبة مرتكبي جرائم مثل الذم والاعتداء الجنسي والاحتيال والدعاية الإرهابية والأخبار المزيفة والمعلومات المضللة".
وتابع: "أي سلوك يُصنف جريمة في حياتنا، فهو أيضا جريمة على منصات التواصل الاجتماعي، ومن الضروري التصرف وفقا لذلك"، مضيفاً بأن أخطر أشكال الجرائم على منصات التواصل الاجتماعي هي "نشر الأخبار المزيفة، وجرائم الكراهية، وزعزعة النظام العام، وتداول المعلومات المضللة".
الخوف من الرقابة
لكن نواب المعارضة في البرلمان قالوا إن القانون سيحد من حرية التعبير، وأطلقوا عليه وصف "قانون الرقابة". وقالت "فرانس برس" إنّ البرلمان صوّت على هذا القانون، في وقت مبكر الأربعاء، بعد أقل من شهر من دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى "تنظيم" الشبكات الاجتماعية، التي تعد آخر مساحة يمكن التعبير عليها بحرية. وأثار الإعلان عن مشروع القانون هذا قلق العديد من مستخدمي الإنترنت وأطلقوا حملة في الأسابيع الماضية التي تم التعبير عنها بوسم "ارفع يدك عن شبكتي الاجتماعية".
واعتبر الباحث في الشؤون التركية في منظمة العفو الدولية (أمنستي)، أندرو غاردنر، في بيان، أن القانون الذي تم اعتماده الأربعاء "سيعزز قدرة الحكومة على مراقبة المحتوى الرقمي وملاحقة مستخدمي الإنترنت". وأضاف، بحسب "فرانس برس": "هذا انتهاك واضح للحق في حرية التعبير على الإنترنت"، مشيرًا إلى أن العديد من مستخدمي الإنترنت الأتراك يمارسون أصلا الرقابة الذاتية "خوفًا من إثارة غضب السلطات".
وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الاثنين، إن "شبكات التواصل الاجتماعي تمثل أهمية كبرى بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يستخدمونها للاطلاع على المعلومات. وهذا القانون ينذر بفترة قاتمة للرقابة على الانترنت".
وقبل إقرار القانون، قال المتحدث باسم مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن التشريع "سيمنح الدولة أدوات قوية للسيطرة بشكل أكبر على المشهد الإعلامي"، حسبما نقلت "رويترز".
علاقة غير ودية
نظراً لأن غالبية وسائل الإعلام الرئيسية في تركيا أصبحت خاضعة لسيطرة الحكومة خلال العقد الماضي، لجأ الأتراك إلى وسائل التواصل ومنافذ إعلامية صغيرة على الإنترنت بحثاً عن الأصوات المنتقدة للحكومة والأخبار المستقلة، بحسب "رويترز". ويخضع الأتراك بالفعل لرقابة مشددة على وسائل التواصل الاجتماعي، واتهمت السلطات كثيرين بإهانة أردوغان أو وزرائه، أو توجيه انتقادات تتعلق بعمليات عسكرية في الخارج أو التعامل مع فيروس كورونا المستجد.
ويستند العديد من الدعاوى القضائية القائمة على أساس "إهانة رئيس الدولة" أو "الدعاية الإرهابية" فقط إلى تغريدة واحدة أو بضع تغريدات. وتمّ اقتراح القانون بعد "توجيه إهانات" لصهر أردوغان وابنته واعتقال مغردين في الفترة الأخيرة. لكنّ الاستياء بين أردوغان والشبكات الاجتماعية يعود إلى عدة سنوات، بحسب "فرانس برس". ففي عام 2013، تم اللجوء إلى تويتر وفيسبوك على نطاق واسع لتنظيم التجمعات خلال الاحتجاجات الواسعة المناهضة للحكومة المعروفة باسم "حركة غيزي".
وانتقد أردوغان وسائل التواصل الاجتماعي مراراً وقال إن تزايد "الأعمال غير الأخلاقية" عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة يرجع إلى عدم وجود قواعد تنظيمية.
وتشعر المنظمات غير الحكومية بالقلق من تراجع حرية التعبير في تركيا، وزيادة السيطرة على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تحدّ أيضاً من وصول الأتراك إلى المعلومات المستقلة أو التي تنتقد السلطات، في مشهد تهيمن عليه وسائل الإعلام الموالية للحكومة. ويحصل العديد من الأتراك على المعلومات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، عبر متابعة تغريدات وسائل الإعلام البديلة أو الصحافيين المستقلين المشهورين، الذين يتابعهم مئات آلاف المشتركين. وفي أحدث "تقرير حول الشفافية" أعدته "تويتر"، كانت تركيا في النصف الأول من عام 2019 على رأس البلدان التي طلبت إزالة محتوى من الشبكة الاجتماعية مع أكثر من ستة آلاف طلب.
ولا تزال آلاف مواقع الويب محظورة بالفعل في تركيا. وفي يناير/ كانون الثاني، رفعت الحكومة حظرا لأكثر من عامين على "ويكيبيديا" بعد أن أعلنت أعلى محكمة في تركيا أنه غير دستوري. وكانت تركيا قد منعت إمكانية الوصول إلى الموسوعة الإلكترونية بعد أن رفضت إزالة محتوى اعتبرته الحكومة مسيئًا. وحظرت الحكومة التركية أيضًا "يوتيوب" و"تويتر" في الماضي.
في غضون ذلك، لا يزال 76 صحافيًا وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام خلف القضبان، وفقًا لنقابة الصحافيين في تركيا. وصنفت "لجنة حماية الصحافيين" تركيا باعتبارها واحدة من أكبر سجاني الصحافيين في العالم، بالإضافة إلى مصر والسعودية والصين.