تتعجّلنا أيامنا. يداهمنا الزمن. نلهث، لعلنا نكسب بضع دقائق قبل أن يفوتنا. ونهرع إلى الغد على وقع ثوانٍ متسارعة، فنضيّع حاضرنا من دون أن نستهنئ تفاصيله. الغد.. ما هو الغد غير حاضر الأيام التالية الذي ما إن ندركه حتى نفوّته من جديد، جرياً وراء المقبل.
وتبقى هذه العلاقة مع الزمن نسبيّة، مرتبطة باختلاف الأفراد ومسكونة بفكرة أننا هالكون. وتلفت الباحثة الفرنسيّة بريجيت سيتبون المتخصصة في الفلسفة، إلى أن ما من فيلسوف ولا رجل علم ولا روحانيّ استطاع في يوم تبيان حقيقة الزمن المتجرّدة. وتتحدّث عن أب التحليل النفسي سيغموند فرويد الذي، وعند استكشافه اللاوعي، خلص إلى أن الزمن المتجرّد غير موجود، إذ يتداخل الماضي مع الحاضر والمستقبل. بالتالي، لا يُختصر الزمن بالنسبة إلى الإنسان بمعطى كميّ يمكن قياسه.
والزمن محكوم بذلك "القلق" الأصلي وبرغبتنا في التحكّم. الإنسان بطبعه قلق، لأن رغبات كثيرة وجديدة تحرّكه باستمرار، وهو يسعى من دون هوادة إلى تلبيتها. لكنه يدرك أيضاً أنه هالك، وهو بالتالي غير قادر على إشباعها كلها. من هنا يأتي عدم الصبر والرغبة في تلبية تلك الرغبات.
ونشكو من تسارع الوقت، الذي يُعرَّف بأنه المسافة الزمنيّة الفاصلة ما بين الأحداث أو التعبير عن نقطة ما على الخط الزمني. نشكو من تسارعه، في حين أنه على حاله. هو على حاله، أما نحن فقد اختلف انتباهنا الذي تشتّته وتيرة العمل وضرورة الإنتاجيّة وإغراءات الاستهلاك، وما إليها. بالتالي، ينتابنا ذلك الشعور بتسرّبه.
وذلك الشعور بضياع الوقت من بين أيدينا، يعود إلى واقع أننا لا نعيش في الحاضر. نحن إما ملهيّون بذكرياتنا نجترّ ماضينا، وإما متلهّفون إلى المستقبل الذي نقذف بنفسنا نحوه. بالتالي نحن لا نحيا قط، نحن نرغب في الحياة.
في ما يشبه الحكمة، كتب هوراسيوس قبل 22 قرناً عبارته الشهيرة "كاربيه دييم" أي "اغتنم اليوم"، داعياً إلى عدم الانشغال كثيراً بالمستقبل. وقد أشار الشاعر الغنائي والناقد الروماني إلى أن المستقبل مجهول، بالتالي على الإنسان أن يخفّض سقف آماله إلى مستقبل قصير المدى.
في بحثنا عن تحديد الزمن، نقرأ أن مصطلح الزمن ربما يكون "الأعصى على التعريف. فهو أمر نحسّ به أو نقيسه أو نقوم بتخمينه، باختلاف وجهات نظرنا. ويمكننا الحديث عن زمن نفسيّ أو زمن فيزيائيّ أو زمن تخيّليّ".
بعيداً عن المصطلحات وفقهها، فإن توفّر الوقت يجعلنا سعداء، بحسب سيتبون. ويبقى أنه إذا نجحنا في التفلّت من التصوير المقلق لهلالكنا المحتّم، بالتالي من الحالة الملحّة لتحقيق كل ما نريد في زمن محدّد قبل أن تحين ساعتنا، فسوف نحيا بلا شكّ.