قد يتحول يوم الخميس إلى نقطة فاصلة في التحقيقات الجارية بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وملابساتها، فكل الأنظار في واشنطن مصوّبة الآن نحو شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق، جيمس كومي، التي سيدلي بها، اليوم الخميس، في جلسة مفتوحة أمام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، في الساعة العاشرة صباحاً بالتوقيت المحلي، حين سيبدأ النقل المباشر لوقائع الجلسة التي من المتوقع أن تستقطب من المشاهدين ما لم تستقطبه أحداث كبيرة، منذ محاكمة أو جي سمبسون في تسعينيات القرن الماضي.
ويطغى هذا الحدث المنتظر على ما عداه، حتى خبر تعيين ترامب، يوم الأربعاء، مديراً بديلاً عن كومي، مرّ مرور الكرام، فكومي الذي أقاله ترامب، والذي يحوز معلومات حساسة لا يعرفها سواه، قد يفجر قنابله في قضية التدخل الروسي بالانتخابات الأميركية، الأمر الذي يمكن أن يهدد رئاسة ترامب، أو على الأقل قد يسلّم المحققين رأس الخيط الذي يقود إلى نبش القنابل المخفية في طيات اللغز الروسي.
وقد ظهرت الإشارات الأولية في هذا الاتجاه، إذ كشفت مصادر لجنة الاستخبارات بأن النسخة التي تسلمتها، يوم الأربعاء، من كومي لبيانه الافتتاحي في جلسة الغد؛ يتضمن إقراراً بأن الرئيس ترامب حاول ثنيه عن مواصلة التحقيق في القضية ومساعدته لإزالة "هذه الغمامة من فوق رئاسته".
وهذا اعتراف خطير يبرر ما قاله أمس المدير السابق لوكالة الاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، بأن في هذه القضية "ما هو أخطر من ووترغيت".
وسط هذا الانتظار القلق، تبدو واشنطن وكأنها وجدت نفسها في ورطة فرضت عليها ولا تدري كيف تتعامل معها، فثمة مزيج من التوتر والارتباك والإحباط، يسود المشهد السياسي، يقول المخضرمون إنه "غير مسبوق". وقد كانت معالمه واضحة في جلسة لجنة الاستخبارات، يوم الأربعاء، مع أربعة من كبار المرجعيات الاستخباراتية والأمنية، هم مدير وكالة الأمن الوطني ومدير وكالة الاستخبارات الوطنية بالإضافة إلى نائب وزير العدل ومدير "إف بي آي" بالوكالة.
وتبدّى ذلك في أجوبتهم على الأسئلة المحرجة حول ما إذا كان الرئيس ترامب قد طلب من أحدهم التدخل لثني "إف بي آي" عن مواصلة تحقيقاتها، حيث اختلط التلعثم مع التمسك بردود عمومية اتسمت بالتهرب من الإجابة المباشرة الصريحة. وكأن في الأمر ما يبرر التساؤل ولكنهم على ما بدا، آثروا عدم القيام بمهمة فتح صندوق الأسرار. الأمر الذي أثار امتعاض العديد من أعضاء اللجنة وعزز شكوكهم.
ويساعد في تعاظم الريبة، أن الجمهوريين باتوا، ما عدا قلة منهم، أكثر قلقاً من أي وقت، بسبب تصرفات وتغريدات ترامب، وتضارب مواقفه إما مع نفسه وإما مع بعض أركان فريقه. كما تردد أن وزير الخارجية بدأ يمارس سياسة خارجية مستقلة في خطابها عن تلك التي يجري طبخها في البيت الأبيض. يضاف إلى ذلك أن الرئيس وسع جبهة خصومه بحيث شملت المزيد من أقرب المقربين إليه. وكان آخرهم وزير العدل، جيف ساشينز، الذي تردد أنه عرض استقالته، بعد أن تفاقمت اعتراضات الرئيس ترامب على طريقة تعاطيه مع الملف الروسي وتلكؤه في الوقوف الحاسم إلى جانب رئيسه.
ومن المعروف أن الوزير من أكثر الموالين لترامب، وكان من أوائل الذين تفرغوا لدعم حملته الانتخابية، لكنه في الفترة الأخيرة ابتعد عن مسرح القضية، ربما تحسباً لما قد تؤول إليه التحقيقات من مساءلات ومحاسبات، قد لا يكون ساشينز بعيداً عنها، بعد انكشاف أمر لقاءاته الثلاثة مع السفير الروسي في واشنطن، أثناء وبعد الانتخابات.
القضية تتضخم يومياً، وبقدر ما تتعقد بقدر ما تتزايد انكشافاتها، وقد يضيف كومي جرعة وازنة لهذه الانكشافات.