تكثر الجرائم في مصر ويكثر ضحاياها، الأمر الذي يثير الهواجس في الشارع وبين المعنيّين باختلاف تخصّصاتهم. ولعلّ جرائم القتل هي أكثر ما يقلق البلاد، إذ إنّها تشير إلى خروج الأمور عن السيطرة
شهدت مصر في خلال النصف الأول من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، جرائم قتل وحشية هزّت البلاد والرأي العام فيها. وقد سقط ضحاياها على أيدي أشخاص غابت الرحمة من قلوبهم، وذلك في مشاهد مأساوية سوف تظلّ عالقة في الأذهان نظراً إلى بشاعتها. والجرائم التي بلغ عددها 32 جريمة قتل، بواقع جريمتَين يومياً، ارتُكبت في تسع محافظات مصرية هي القاهرة والجيزة والقليوبية والشرقية والمنوفية وبور سعيد وقنا وبني سويف، منها ما يتعلق بـ"الشرف" أو بتعاطي مواد مخدّرة أو علاقات جنسية مشبوهة. تُضاف إلى ذلك عشرات من عمليات الشروع في القتل في الفترة الزمنية نفسها، منها ما تمّت تسويته ودياً، فيما يحذّر متخصّصون في علم الاجتماع من تفشّي هذا النوع من الجرائم داعين إلى العمل على مواجهتها.
العدد الأكبر من تلك الجرائم سُجّل في محافظة الجيزة التي تأتي في نطاق محافظات القاهرة الكبرى، مع تسع جرائم قتل، إحداها في منطقة بولاق الدكرور. فقد عثر الأهالي هناك على جثّة شاب سائق توك توك مع خمس طعنات، فأبلغوا الأجهزة الأمنية التي رجّحت أن تكون الحادثة على خلفية سرقة المركبة، علماً أنّها اختفت بالفعل. وفي منطقة صفط اللبن، قتل شاب في العقد الثالث والده (70 عاماً)، مستغلاً وجوده بمفرده، فهو رفض إعطائه مبلغاً من المال لشراء المخدّرات لذا أجهز عليه ودفنه أسفل سرير غرفة نومه. بعد ثلاثة أيام، اكتُشفت الجريمة واستُخرجت الجثّة وحُدّد خطّ هروب المتهم "الابن العاق". وعند محاولة القبض عليه، انتحر تحت عجلات قطار فتحوّل إلى أشلاء. وفي الأيام الأخيرة، تكثّف الأجهزة الأمنية تحرياتها بعد العثور على جثّة شاب في العقد الثالث ملقى على الأرض على طريق الفيّوم الصحراوي في مدينة 6 أكتوبر.
أمّا في منطقة الطالبية بمحافظة الجيزة، فعمد شاب إلى قتل جاره المقيم معه في العقار نفسه بسبب خلاف على ركن الضحية دراجته. وهو قتله بضربه على رأسه بواسطة شومة (عصا غليظة) أدّت إلى إحداث كسر في الجمجمة ونزيف حاد بالمخّ فتوفي على الفور. وفي المنطقة نفسها، قتل عاطل من العمل رفيقاً له بسبب خلافات مالية بينهما، من خلال الاعتداء عليه بعصا خشبية، فيما قتل عامل شاباً في العقد الثالث بعد طعنه مرّات عدّة في مناطق متفرّقة من جسده بسلاح أبيض. ومن جرائم منطقة الطالبية كذلك، قيام تلميذ (17 عاماً)، بقتل شقيقته (14 عاماً)، خنقاً بملاءة سرير، لنعتها الدائم له بأنّه "فاشل".
وفي منطقة الهرم بمحافظة الجيزة، قُتل طبيب أسنان على أيدي شخصَين، أحدهما سائق ويقيم في العقار نفسه مع المجني عليه. والمتهمان اللذان ألقي القبض عليهما لجآ إلى فعلتهما لعلمهما بأنّه يملك المال. فبعد توثيقه بحبل وخنقه بواسطة قطعة من قماش مبلل استوليا على مبلغ 1500 جنيه مصري (نحو 90 دولاراً أميركياً) وثلاثة هواتف محمولة. وفي منطقة أبو النمرس في الجيزة كذلك، قتل حَدَث (17 عاماً)، زوجة عمّه (27 عاماً)، وابنتها (سبعة أعوام)، طعناً بسلاح أبيض. وبعد القبض عليه، اعترف بارتكاب الجريمة للحصول على حقه من المغدورة الذي اتهمه بالسرقة وبتشويه سمعته بين أفراد العائلة.
عيّنات مؤلمة
وقد حلّت القاهرة العاصمة ثانية مع ثماني جرائم قتل، من بينها قيام عاطل من العمل يبلغ من العمر 22 عاماً بقتل شاب (19 عاماً)، بعد طعنه بواسطة مطواة في صدره بمنطقة الساحل، على خلفية مشادة كلامية بينهما. وفي منطقة الأميرية، انهال عامل بالضرب على رأس حماته (60 عاماً)، بواسطة شومة حتى فارقت الحياة، بسبب خلافات عائلية. وقد بيّنت التحقيقات أنّ المتّهم تزوّج من ابنة المجني عليها التي تركت منزل الزوجية ومكثت مع والدتها. بعد فترة أنجبت طفلاً، فحضر الزوج لأخذ طفله، الأمر الذي دفع المجني عليها إلى التصدّي له مانعة إياه من أخذه. ونشبت بينهما مشادة كلامية تفاقمت إلى حدّ اعتداء الجاني عليها بالضرب حتى سقطت أرضاً مفارقة الحياة.
وفي منطقة المعصرة بجنوب القاهرة، قام عاطل من العمل بقتل صاحب سوبر ماركت بواسطة مطواة، بسبب خلاف على "كارت شحن" (بطاقة هاتف). وبيّنت التحقيقات أنّ طفلة صغيرة تشاجرت مع المغدور عندما قصدته لشراء "كارت الشحن"، فحضر عمّها وطعنه. وفي منطقة المرج، قُتل موظف بريد بعد إصابته بـ15 طعنة على أيدي ستّة أشخاص بسبب خلافات بينهم. وفي منطقة القطامية، قُتل مقاول (64 عاماً)، بسبب خلافات مالية مع متّهم (24 عاماً)، فتفاقم الخلاف ليعتدي المجني عليه بقطعة حجرية على المتّهم، الأمر الذي دفع الأخير إلى ضرب المتوفى بعصا خشبية كانت بحوزته ففارق الحياة.
ومن الجرائم التي شهدتها أحياء القاهرة، قتل بائع فاكهة (29 عاماً)، شقيقه (21 عاماً)، بخنقه، وقد نقله إلى المستشفى بزعم أنّه تناول جرعة مخدّرات زائدة. وفي التحقيقات معه، اعترف بأنّ شقيقه مدمن مواد مخدّرة وقد استولى على مبالغ مالية خاصة بتجارتهما لشراء مواد، فوقعت مشادة كلامية بينهما عاتبه في خلالها على فعلته، لكنّ الأمور تفاقمت فعمد إلى خنقه. وفي منطقة السيدة زينب، قتل عامل رخام زوجته (23 عاماً)، عندما شكّ في سلوكها إثر خروجها المتكرر من المنزل وانهال عليها بشومة هشّمت رأسها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة. وتبيّن أنّه تزوّجها عرفياً. وفي مدينة السلام، تعدّى شقيقان على عمّهما (62 عاماً)، بشومة فتسببا في إصابته بكسر في الجمجمة ما أدى لوفاته، بسبب خلافات على الميراث.
أمّا محافظة القليوبية، التي تُعَدّ من ضمن محافظات القاهرة الكبرى، فحلّت ثالثة مع أربع جرائم قتل. وقد عُثر على ثلاث جثث تعود إلى رجلَين وامرأة في مزارع موز بمدينة بنها، تبيّن أنّ السبب خلافات بينهم وبين عاطلَين من العمل. وعند ملاحقتهما، راحا يتبادلان إطلاق الرصاص مع الشرطة، ما أدّى إلى مصرعهما. كذلك عمد زوج في مدينة الخصوص إلى قتل زوجته على خلفية شجارات زوجية كثيرة.
مزيد من الجرائم المروّعة
جرائم مروّعة عدّة وقعت في محافظات الوجه البحري، من بينها محافظة المنوفية، حيث ارتكبت ثلاث جرائم في مدينة واحدة، هي تلا، هزّت الرأي العام. أولاها مقتل الطالب محمود البنا الذي أطلقت عليه وسائل الإعلام المصرية لقب "شهيد الشهامة" بعدما تصدّى لثلاثة شبان كانوا يعاكسون شابة، فعمد هؤلاء إلى قتله بواسطة المطاوي وعبوات مواد حارقة للعيون. والقضية التي أثارت المجتمع المصري، أمر النائب العام بإحالة المتّهمين فيها إلى محاكمة عاجلة. كذلك عمد تلميذ ثانوي (17 عاماً)، إلى قتل ربّة منزل في عقدها الثالث بقطعة حديد بعد رفضها إقامة علاقة غير شرعية معه وتهديدها بفضحه أمام أسرته، فيما لقي طالب مصرعه إثر تعدّي صديقه عليه بمطواة بسبب مشادة كلامية بينهما في أثناء وجودهما في أحد المقاهي.
وشهدت محافظة الشرقية، إحدى محافظات الوجه البحري، من جهتها، ثلاث جرائم قتل، الأولى في منطقة ديرب نجم مع مقتل ربّة منزل (66 عاماً)، وسرقة مجوهراتها. وقد تبيّن أنّ عاطلَين من العمل، من جيران المجني عليها، أحدهما يبلغ 20 عاماً والثاني 22 عاماً هما وراء الجريمة، فقد تسللا ليلاً إلى شقتها وعندما استيقظت وتعرّفت إليهما تخلّصا منها ولاذا بالفرار قبل أن يُلقى القبض عليهما. وفي المنطقة نفسها، أقدم شاب (30 عاماً)، على قتل والدة صديقه (65 عاماً)، وحفيدتها (ثلاثة أعوام)، بعدما طلبت الأولى منه الزواج بها على خلفية علاقة جنسية بينهما لمدّة ستّة أشهر. وعندما هدّدت المجني عليها المتّهم بفضحه بعد رفضه الزواج منها عرفياً، هشّم رأسها بشاكوش حديدي وكذلك فعل مع حفيدتها التي كانت موجودة بجوارها. وفي مدينة الإبراهيمية بمحافظة الشرقية، قتل شاب (19 عاماً)، تلميذاً في المرحلة الإعدادية (15 عاماً)، بطعنتَين في الصدر والقلب، على خلفية مشادة بينهما، علماً أنّهما يعملان معاً في مخبز.
وفي محافظة بور سعيد، إحدى محافظات قناة السويس، قُتل تلميذ (17 عاماً)، بطعنة في أسفل ظهره على يد عاطل من العمل (19 عاماً)، بسبب خلافات بينهما. وفي المحافظة نفسها، استدرج أحد الأشخاص سائق سيارة أجرة بزعم توصيله إلى إحدى المناطق، واستغل مروره في منطقة غير مأهولة بالسكان ليعتدي عليه بسلاح أبيض ما أودى بحياته. ثمّ استولى على هاتفه المحمول وبطاقة الرقم القومي ورخصتَي القيادة والتسيير قبل أن يلقي الجثّة في الطريق ويستولي على السيارة ويفرّ هارباً ليتمّ إلقاء القبض عليه لاحقاً.
بدورها، لم تخلُ محافظات صعيد مصر من جرائم القتل، فقد شهدت محافظة قنا جريمتَين، من بينها قتل شاب ابنة عمّه أمام إحدى المدارس لرفضها الزواج منه بحجّة أنّه يتعاطى المخدرات. كذلك قتل متّهمان في المحافظة نفسها سائق توك توك من خلال إطلاق الرصاص عليه عندما تمسّك بمركبته ولاذا بالفرار قبل أن يُلقى القبض عليهما. وفي محافظة بني سويف، شمالي الصعيد، أقدم شاب في العقد الثالث على التخلّص من زوجة أبيه (27 عاماً)، بآلة حادة بعد تهديدها له بفضح أمره أمام والده لأنّه حاول التعدّي عليها والتحرّش بها في منزل والده.
مؤشر خطير
في السياق، تقول أستاذة علم الاجتماع في جامعة عين شمس، الدكتورة سامية الساعاتي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجرائم التي وقعت في خلال النصف الأوّل من شهر أكتوبر/ تشرين الأوّل الجاري، هي بمعظمها بأيدي شباب دون 18 عاماً، وهو مؤشّر خطير إلى ارتفاع نسبة القتل الذي يرفضه الدين الإسلامي والديانات السماوية الأخرى"، لافتة إلى "علاقات جنسية خطيرة". وتطالب الساعاتي "الجهات الحكومية المسؤولة ووسائل الإعلام ودور العبادة بالتحرّك لمناقشة تلك الجرائم والوقوف عند أسبابها والعمل على معالجتها"، مشدّدة على "ضرورة عدم إهمال دور المخدّرات والتعاطي الذي زاد عن حده بين الشباب في خلال السنوات الأخيرة والذي كان سبباً فعالاً في انتشار الجريمة بالمحافظات المصرية. فالمدمن صار يقتل والده ووالدته من أجل الحصول على المال لشراء الكيف، وهذا أمر لم يكن موجوداً في الماضي بهذا الشكل".
وتتابع الساعاتي أنّه "إلى جانب المخدّرات، يأتي انتشار البلطجة بأنواعها في الشوارع، بالإضافة إلى ابتعاد ربّ الأسرة عن أولاده وانشغاله بتوفير حياة كريمة لهم، الأمر الذي أفقدهم الناصح الذي يقوّم السلوك. كذلك ثمّة ضرورة إلى مواجهة التفكك الأسري الذي ازداد أخيراً".