تراهن إسرائيل، منذ أكثر من عامين، بحسب تقديرات سابقة لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، على اقتراب لحظة الفراق أو المواجهة بين كل من إيران وروسيا، مع تعاظم التناقض بين مصالح الطرفين في سورية بعد الحرب.
وقد اعتبر المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، في هذا السياق، أن الاتفاق العسكري بين إيران والنظام السوري، الذي أعلن عنه أمس، بمثابة "إطلاق للمعركة أو الحرب للسيطرة على سورية، وهي حرب تدور رحاها وراء الكواليس".
وبحسب هرئيل، فإن حدة التوتر في سورية، على خلفية بوادر أولى للتناقض بين إيران وروسيا، اتخذت طابعاً جديداً مع اقتراب انتهاء الحرب في سورية لصالح النظام، خاصة بعدما حركت روسيا أسطولاً مما لا يقل عن 10 سفن حربية وغواصتين باتجاه الشواطئ السورية، معللة ذلك باستعداداتها للمعركة الأخيرة ضد آخر موقع للثوار في مدينة إدلب، وهو تحرك جاء غداة الاتفاق العسكري الإيراني مع النظام السوري.
واستذكر هرئيل أن "التدخل الروسي قبل ثلاث سنوات، عبر دخول القوات الجوية الروسية الحرب، كان العامل الذي حوّل مجريات الأمور في سورية لصالح النظام"، مضيفاً أن "روسيا لا تزال تحتفظ بقواتها في سورية لتأمين هذه النتيجة اليوم أيضاً، ولكن وبموازاة ذلك لخدمة مصالح روسيا الأخرى، وفي مقدمتها المحافظة على طريق للبحر المتوسط من خلال سيطرتها على ميناء طرطوس شمال سورية".
وبحسب المحلل العسكري ذاته، فإنه "لا يمكن عدم ملاحظة التناقض في المصالح بين روسيا وإيران، وإن كان البلدان يقفان في صف واحد، أي في صف النظام، ويمتنعان عن المواجهة المباشرة والعلنية، إلا أن كلا منهما يتطلع للفوز بالعقود المستقبلية لإعادة إعمار سورية، والتي قد تعتمد في تمويل عمليات إعادة الإعمار على استغلال مخزون النفط السوري، عدا عن أن البلدين معنيان بالإبقاء على تواجد عسكري لهما في الأراضي السورية".
وبحسب هرئيل، فإن توقيع وزير الدفاع الإيراني، أمير حاتمي، على الاتفاق العسكري مع النظام السوري حمل رسالة واضحة لإسرائيل مفادها: "نحن هنا لنبقى"، مضيفا أنها "رسالة تأتي بعد شهر من تمكن النظام من بسط سيطرته مجددا على جنوب سورية، وبعد أن كانت روسيا أعلنت عن توصلها لتفاهمات مع إيران بشإن إبعاد قوات الأخيرة لمسافة نحو 85 كم من الحدود مع إسرائيل، لكن هذه التفاهمات لا تشمل محيط مدينة دمشق القائم اليوم في صلب الشريط العازل (بين إسرائيل وسورية) الجديد".
ومع أن مصدراً إسرائيلياً رفيع المستوى أعلن، أمس، أن "إسرائيل لن توقف جهودها الرامية لإخراج إيران من سورية، سواء كانت هذه الجهود سياسية ودبلوماسية أم عسكرية" (في إشارة للضربات الإسرائيلية في العمق السوري)، إلا أن هرئيل يلفت إلى أن "موضوع إعادة بناء الجيش السوري، الذي تتحدث عنه الاتفاقية الإيرانية السورية الجديدة، لا يحتل مرتبة متقدمة في قائمة التهديدات الأمنية التي تقلق بال إسرائيل".
في المقابل، فإن إسرائيل ترصد مؤخراً، بحسب هرئيل، "خلافاً عينياً" داخل الحلف الوثيق بين النظام السوري وإيران، من المؤشرات عليه مهاجمة قوات النظام مؤخرا لمليشيات شيعية إيرانية في بلدة أبو كمال، وهو "ما يبدو انعكاسا لصراع داخلي على الهيمنة على المعبر البري الإيراني الممتد من إيران عبر العراق، وصولاً إلى دمشق، ومنها إلى بيروت".
في المقابل، وفي ظل هذه التطورات المتسارعة، لا تزال إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تفتقر لسياسة واضحة المعالم في مسألة إعادة إعمار سورية، باستثناء استمرار إلقاء كامل المسؤولية عما يحدث في سورية على عاتق روسيا ونظام الأسد.
وقد أوجزت نيكي هيلي، المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة، الأمر بقولها في مؤتمر أمني عقد مؤخراً في واشنطن: "لقد باتت سورية الآن تابعة للأسد وروسيا"، مضيفة أن المنطق الواجب اعتماده هو "كسرت ادفع الثمن. لقد كسرا سورية، وعليهما الآن إصلاح ما كسراه.. إنهما يتوقعان منا إصلاح ذلك، لكننا سنبقى خارج هذه العملية".
ويقول هرئيل إن "هذا المنطق يثير مخاوف في أوساط مراقبين وخبراء في واشنطن من أن يؤدي خروج الولايات المتحدة من المعادلة إلى عامل مسهل لتحقيق إيران مكاسب من عملية إعادة إعمار سورية، وبالتالي مكاسب يستفيد منها الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من وطأة العقوبات الأميركية".
وقال الخبير الأميركي في السياسات الخارجية، ماط برودكسي لـ"هآرتس"، إن "إيران تحاول السيطرة على سوق الاتصالات في سورية، والبنى التحتية لهذا القطاع، وخاصة في منطقة دمشق، وقد سبق أن تم توقيع اتفاق حول هذا الموضوع مع إيران العام الماضي، وهو قطاع لن يساعد إيران اقتصاديا فقط، بل أيضا من الناحية الاستخباراتية".
ووفقا للخبير الأميركي، فقد سبق لإيران أن قامت بخطوة مماثلة في العراق، و"الآن هناك حديث عن محاولات إيران إقامة خط متواصل من القوات العسكرية يبدأ في العراق وينتهي في لبنان، وبالتالي فإن السيطرة على البنى التحتية للاتصالات تساعد في تحقيق هذا الهدف".
وبحسب "هآرتس"، فقد شرح برودكسي كيف يخطط النظام السوري لتوزيع الأراضي الزراعية التي يملكها اللاجئون السوريون الذين هجروا من سورية على مليشيات شيعية، مع تخصيص مساحات من هذه الأراضي لإقامة مشاريع إسكان سيتم منح عطاءاتها لشركات ومتعهدين إيرانيين.
وبالإضافة لذلك، حصلت شركات إيرانية على امتيازات السيطرة على مناجم الفوسفور، عدا عن نشاط اقتصادي لشركات إيرانية، إذ إن إيران لا ترى في سورية ساحة قتال فحسب، وإنما ساحة للنشاط الاقتصادي الضروري لإيران في السنوات المقبلة.
وتنقل "هآرتس" عن الخبيرة الأميركية أريان تبيتاي قولها إن "الإيرانيين لا يعتزمون مغادرة سورية في السنوات المقبلة، لأنهم يعتزمون كسب مبالغ هائلة من عمليات إعادة الإعمار واستغلال مشاريع إعمار سورية لتحسين الوضع الاقتصادي الإيراني، خاصة أن القيادة الإيرانية تعتقد أن أوروبا ودول العالم لن تسمح بتحويل سورية لنسخة جديدة من ليبيا، وبالتالي فإن هذه الدول ستنخرط أيضا في مشاريع إعمار سورية حتى في ظل دور فاعل لإيران في هذا المضمار.