تجددت الآمال لدى المغرب بالتحول إلى منتج للغاز الطبيعي، بعد أن منح شركة بريطانية ترخيصا بإنتاج واستغلال الغاز شرق المملكة في خطوة من شأنها الحد بنحو من كبير من الاستيراد، الذي يعتمد عليه المغرب بنحو 94% من تدبير احتياجاته، فيما توقع محللون في قطاع الطاقة أن تعيد مثل هذه الاكتشافات ترتيب أوراق الرباط بشأن غاز الجزائر الذي تستفيد منه المملكة عبر الأنبوب الذي يصل إلي أوروبا.
ووفق قرار لوزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، صدر في الجريدة الرسمية للدولة في الثالث من سبتمبر/أيلول الجاري، فإن شركة "ساوند إنرجي" البريطانية والمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن المملوك للدولة، حصلا على امتياز استغلال الغاز الطبيعي في منطقة "تاندرارا" شرق المملكة، بعد أن تقدما بطلب بهذا الخصوص في يوينو/حزيران الماضي.
وجاء منح الترخيص، حسب الوزارة، بعد ثبوت وجود الغاز الطبيعي وإمكانية استغلاله في منطقة تمتد على مساحة 133.5 كيلومترا مربعا، مشيرة إلى أن مدة الامتياز تبلغ 25 عاما.
وأعلنت ساوند إنرجي في يونيو/حزيران الماضي، أن مكتب دراسات دوليا للاستشارات، صادق على التقديرات التي قامت بها حول مخزون الغاز القابل للتسويق في منطقة تاندرارا في إبريل/نيسان الماضي، موضحة أن التقديرات التي تغطي ثمانية آبار، تشير إلى أن الغاز القابل للتسويق يتراوح بين مليار متر مكعب كتقدير أدنى، وخمسة مليارات متر مكَعّب كتقدير أعلى.
هذا الاكتشاف غير المسبوق منذ استقلال المغرب، يرى محللون في قطاع الطاقة أته لن يغطي الاستهلاك المحلي، غير أن الشركة البريطانية لم تكف منذ أشهر عن التعبير عن تفاؤلها بما يمكن أن تسفر عنه عمليات التنقيب الجارية في المنطقة.
ويتيح الاتفاق الجديد، الذي أعلنت عنه وزارة الطاقة في الجريدة الرسمية، حفر خمسة آبار وإعادة تهيئة بئرين، وبناء محطة لمعالجة الغاز ومحطة للضغط، وبناء أنبوب بطول 120 كيلومترا يصل المحطة بالأنبوب الذي يربط بين الجزائر وإسبانيا والبرتغال، ويعبر الأراضي المغربية.
وتتوقع ساوند إنرجي الشروع في إنتاج وتسويق الغاز في غضون عامين من تاندرارا الكبرى، وهي منطقة تقع بمحاذاة الجزائر التي تخزن كميات مهمة من الغاز.
وسبق للرئيس التنفيذي لساوند إنرجي، جيمس بارسونز، أن عبر في لقاء مع مستثمرين قبل عامين، عن اعتقاده بوجود حقل غاز ضخم في منطقة تاندرارا.
وفي يوليو/تموز الماضي، قالت الشركة البريطانية في بيان على موقعها الإلكتروني، إن الجهة الشرقية من المغرب تتوفر على موارد واعدة من الغاز، مقدرة الكميات الإجمالية التي يمكن استكشافها بما بين 20 و34 تريليون قدم مكعب.
ويقول عمر الفطواكي الخبير في قطاع الطاقة بالمغرب، إن منطقة تاندرارا، يمكن أن تختزن الغاز، لوجودها على امتداد منطقة جغرافية مع الجزائر الغنية بالغاز، غير أن ذلك يحتاج إلى بعض الوقت لتحديد ما إذا كانت الكميات المستغلة تلبي احتياجات السوق او التصدير.
ويضيف الفطوكي الذي سبق له أن تولى مسؤوليات كبيرة في وزارة الطاقة، أن الغاز موجود بالفعل في المغرب بمنطقة الغرب، ولكن بكميات صغيرة ويتم استغلاله لتلبية احتياجات محدودة، حيث يباع لفاعلين اقتصاديين في تلك المنطقة.
ويعتبر، أنه إذا ما تجلى أن منطقة تاندرارا تحتوي على غاز يفيض عن الحاجة، يمكن آنذاك اللجوء إلى التصدير عبر استغلال أنبوب الغاز الذي يعبر أراضي المملكة من الجزائر نحو أوروبا.
وإذا كان وجود النفط بمنطقة الشرق أو غيرها من الأراضي المغربية يحتاج إلى ترجمة في الأعوام المقبلة عبر الإنتاج والتسوق، بما يخفض فاتورة الطاقة المرتفعة، إلا أن الفطواكي، يعتبر أن الثابت هو توفر النفط في المناطق البحرية التابعة للمملكة، وهو ما يحتاج لاستثمارات كبيرة.
وفي السياق، يقول خالد أو تنغرين الخبير في قطاع المعادن، إن النفط قد يوجد في بعض المناطق بالياسبة بالمغرب، غير أن الثابت من تجارب سابقة، أن ذلك يقع في جيوب صغيرة.
ويشير إلى أن الغاز قد يوجد بكميات تدعم توقعات ساوند إنرجي، في منطقة تاندرارا لاعتبارات جيولوجية لها علاقة بالقرب من الجزائر، مشددا على أن الاستثمارات المخطط إنجازها لتوفير الغاز في المستقبل تؤشر على حجم الاحتياجات الكبيرة في هذا المجال.
وكان وزير الطاقة والمعادن السابق، عبد القادر اعمارة، في مناسبة سابقة، قدر أن يصبح المغرب لاعبا في قطاع الطاقة خلال الثلاثة أعوام المقبلة، خاصة بعد مؤشرات التقطت في مناطق بحرية، حول وجود الغاز.
وأكد أن المؤشرات الملتقطة في المناطق البحرية، تدفع إلى الاعتقاد بأن قدرات الإنتاج ستنتقل من 100 أو 200 مليون متر مكعب إلى بضع مليارات من الأمتار المكعبة في العام الواحد.
وتتفادى السلطات العمومية في المغرب في الأعوام الأخيرة، إعادة ما حدث في سابقة "تاليسينت"، حيث أعلن عن اكتشافات مهمة بتلك المنطقة الواقعة جنوب شرق المملكة، قبل أن يظهر أن الشركة التي قامت بذلك بالغت كثيرا.
الحديث عن غاز يختزنه شرق المغرب بكميات كبيرة، يدفع العديد من المراقبين إلي التساؤل ما إذا كان ذلك سيفضي إلي الاستغناء عن غاز الجزائر الذي تستفيد منه المملكة عبر الأنبوب الذي يصل إلي أوروبا.
ويعبر أنبوب الغاز الذي يصل الجزائر بإسبانيا والبرتغال عبر الأراضي المغربية، وهو خط جرى الشروع في استغلاله منذ 2002، حيث يندرج ضمن خط "المغرب ـ أوروبا".
وينتهي العمل بعقد الأنبوب الذي يربط بين الجزائر وإسبانيا في 2021، حيث لا يعرف ما إذا كان سيتم تجديده في المستقبل، هذا ما يدفع مسؤولين مغاربة إلى التأكيد على أن هناك بدائل في حال توقف تدفق الغاز الجزائري.
وتفكر وزارة الطاقة بالمغرب في الطريقة التي ستستغل بها الأنبوب الذي سيصبح مملوكا للدولة المغربية، في حال عدم تجديد العقد، في نفس الوقت الذي وضعت فبه خطة في مجال الغاز تستدعي استثمارات بنحو 4.6 مليارات دولار.
ويحصل المغرب مقابل عبور الغاز لأراضيه على 7% من العائدات في صورة غاز. وتشير بيانات الخزانة العامة للمملكة إلى بلوغ قيمة ما يحصل عليه المغرب نحو 110 ملايين دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2018، مقابل 65 مليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بزيادة بلغت نسبتها 69.2%.
وتحدد الأسعار في السوق الدولية، حجم الغاز الذي يحصل عليه المغرب من عبور الأنبوب الذي يستوعب 12.5 مليار متر مكعب سنويا.