وقال قراقع: "نحن الفلسطينيون لا نريد أن نبحث عن البطولة في الموت، بل نريد البطولة في الحياة الشريفة الكريمة، وإن بطولتنا هي في صنع مستقبلنا وبناء أحلامنا العادية كسائر البشر على هذا الكون. بعد 39 يوما من إضراب الأسرى المفتوح عن الطعام، وعلى أبواب شهر رمضان الفضيل، لا تجعلوني استقبل جثثا قد تسقط في سجون الاحتلال، لقد أصبحوا يصارعون الموت أمام العنجهية الإسرائيلية وعدم التجاوب مع مطالبهم العادلة".
وأضاف أن "الأسرى ليسوا تحت رحمة القدر الإسرائيلي، يقتلون بهدوء وصمت وبنظام رسمي مدروس، يذوبون وينزفون ويتلاشون، وإذا سقط أسير فقد سقط العالم، يموت العالم إذا مات أسير فلسطيني، الكل يموت، لأنه لا يبقى أي شيء للمعاني الكبرى المقدسة، لا ديمقراطيات ولا حقوق إنسان، ولا خطابات ولا شعارات ولا حريات ولا ثقافات، ولا قمم صغرى ولا كبرى، لا عدالة ولا قضاء إذا سقط أسير في تلك الظلمات المتوحشة".
وكرر قراقع تحذيره: "لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، يكفي أن الدنيا كلها عجزت أن تعطينا سلاما أو أمانا، فلا ترسلوا لنا جثثا في توابيت، صرخوا وتحركوا وجاعوا ولم ينتبه لهم أحد، فالعالم يشارك في المذبحة الجارية، والعالم أغلق أبوابه ولم يسمع الشهقات الساخنة. لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، لأني أرفض أن أكون مؤبنا ومشيعا ومفوها بارزا في العزاء والجنازات. ستنتهي الجنازة، ويعود الجميع إلى أشغالهم، وتبقى في بيت الشهيد الحسرات، ألقوا الشعارات القديمة، لا أحد يقرأ أو يسمع، فالسجون خرساء كتومة".
وتابع رئيس هيئة الأسرى والمحررين: "لم تعد شروط السلام العادل بإقامة دولة فلسطينية صغيرة في محيط إسرائيل العظمى، أصبح السلام هو أن يعود الشهداء أحياء، رأسا برأس، ونحن الذين جعنا وقتلنا وأعطينا كل ما طلبت الأرض والسماء، صلينا وتعبدنا وجرينا في الشوارع والمنافي وغرقنا في البحار، ولم نأخذ سوى الموت والانزواء والتلاشي. لن أقف في جنازة لألقي خطبة الهندي الأحمر وأعلن شروط استسلامي للموت، لن أبحث عن التورية والرحمة في الكلمات والعبارات لأتجمل بالصبر والنسيان، فلن تصدقني أم الشهيد التي انتظرت وتأملت وملأت الدنيا بالرجاء، لن ترضى عني، لن تسامحني، ستخاف مني وتركض إلى ما تبقى لها من أولاد تغطيهم بلحاف حزنها، ستطردني من رضاها وتلعن عجزي.
لا تجعلوني استقبل جثثا من سجون الاحتلال، انتهى الكلام، فلا داعي للصحافة والإعلام والتحليل والتنبؤات، الأسرى يصارعون الموت الآن، اكسروا الأقلام، ابحثوا عن مسدس ورصاص، لا تنظروا إلى ساعاتكم، انتهى الوقت، لا ملح ولا ماء، جفت العروق وأغلقت الأبواب.
ها نحن في خيم التضامن، الكل جاء والكل غادر، ونبقى وحدنا مع الأمهات الخائفات المتوجسات، يحملن صور أبنائهن في أحضانهن، يطلقن الدعاء، يستنفرن إذا جاء أي مسؤول، ينظرن إلى شفتيه كي يقول شيئا، ينظرن إلى السماء كي تمطر، لا يملكن شيئا لعقد صفقة كبرى، أمهاتنا يملكن اللوعة والصبر وأرضا منقوعة بالدم، ولحما بشريا طازجا تحت التراب أو في السجن".
وأكد قراقع مواجهة انتهاكات الإدارة الإسرائيلية، قائلا: "لا تجعلوني استقبل جثثا من سجون الاحتلال، يكفي، استقبلت 10 شهداء منذ عام 2013، وحمّلنا المسؤولية ألف مرة للاحتلال، وطالبنا بملاحقته ومحاسبته وتجريمه على ما يقوم به من جرائم ضد الإنسانية في السجون، لم يحدث شيء، ظل الأسرى يخرجون صامتين مخنوقين من بوابات السجون، يكفي، ليبحث كل منا عن مسدس ورصاص.
لا أريد أن أكون شاهدا صوتيا في هذه الحياة، فالأسرى يقتلون ليس بحادث سيارة مفاجئ، ولا بنوبة قلبية حادة، الأسرى يقتلون ببطء على مدار أيام الإضراب، وكلنا نعرف ونرى، كلنا نشهد، نحمل صلباننا ومياه غسل الموتى وكفنا ووردا، نقرأ الفاتحة في ختام الموت، ولا زلنا نسمع الشهقات.
الإسرائيليون لا يريدون فقط أن يأخذوا الحياة منا، بل يريدون أن يأخذوا كل الأسباب التي جعلتنا قادرين قليلا على الحياة، سلبوا بشريتنا وإنسانيتنا، أصبحنا آليين نتحرك وفق نظامهم وتوقيتهم المسلح، وصرنا نعرف أين نموت، إعداما ميدانيا على حاجز عسكري أو في زنزانة داكنة في السجن.
الآن ألعن عجزي، أنا المواطن في (يهودا والسامرة) المعلق بين حاجز عتصيون وحوارة، المستباح من الوريد إلى الوريد، ها هم قادمون إلى غرف نومنا، ها هم يقتحمون أبراشنا في غرف السجن، ها هم يهدمون بيوتنا، ها هم يستوطنون أرضنا ويغتالون أشجار اللوز.
الآن ألعن عجزي، حياتنا تحتاج إلى تصريح من الإدارة المدنية والعسكرية الإسرائيلية كي نعيش ونعبر من هنا وهناك، وعلينا أن ندفع لهم تعويضا إذا دافعنا عن حياتنا، وأن نذهب مجرورين إلى محاكمهم العسكرية كي يتهمونا بما شاءوا، و يعلنوا أنهم ألقوا القبض علينا نحن (الإرهابيين)، يكفي، ليبحث كل واحد منا عن مسدس ورصاص.
الآن ألعن عجزي كلما طار خبر من أسير خلف القضبان، ينادي، لا أذهب، أسيرا مجنونا في الشوارع، فأرى ظلي ليس لي، وأنا منقسم كهذا المجتمع، هناك من يموت، وهناك من يلقي الخطاب الأخير على الميتين.
لا تجعلوني استقبل جثثا من داخل السجون، فقد حفظت نشيد السجون جيدا في سجن عسقلان ونفحة، لا تقتلوا كلمات معين بسيسو من فمي وقلبي ونحن نردد معه:
نعم لن نموت، نعم سوف نحيا
ولو أكل القيد من عظمنا
ولو مزقتنا سياط الطغاة
ولو أشعلوا النار في جسمنا
نعم لن نموت، ولكننا
سنقتلع الموت من أرضنا".