أدّت العمليات العسكرية في سيناء، شرقي مصر، إلى بروز إشكاليات عدة على هامشها، ومنها تحوّل عدد من القرى في المنطقة إلى مناطق مهجورة، بفعل تهديم العديد من البيوت، "بحثاً عن إرهابيين" وفق أدبيات الجيش المصري.
وفي السياق، باتت قرى رمانة والجناين ونجيلة والخربة والحسنة والجفجافة والريسان والريسة والشلاق والخروبة والمهدية، في العريش، والشيخ زويد ورفح، ساحة عمليات عسكرية بين الجيش والمسلّحين، التي باتت تتخذ وتيرة متصاعدة.
ودفع ذلك العديد من الأهالي إلى النزوح عن قراهم، مع تصعيد العمليات في شهر رمضان ومداهمات الأمن، خشية من حدوث أعمال انتقامية ضد قواتها. ولم تتمكن الدولة من استيعاب حالات النزوح الكبيرة، ما يؤشر إلى أزمة اجتماعية قريبة في سيناء.
وتُمثّل قرية المهدية، التي تبعد 35 كيلومتراً عن العريش، نموذجاً لعمليات النزوح التي تشهدها قرى سيناء، إذ دُمّر فيها حوالي 160 منزلاً، من بين منازلها الـ400. ويقول محمد إسماعيل، أحد سكان قرية الحسنة، إن "قرى سيناء باتت مدن أشباح. لا سيارات تتحرك، والمحال التجارية مغلقة، مما زاد من معاناة الأهالي في الوصول إلى احتياجاتهم اليومية". وأضاف "الكل خايف.. مفيش حد بيجيب خضار للإعداد للإفطار.. معظم الأهالي تجيب حاجاتها من المدن مثل العريش، بسبب وقْف حركة البيع والشراء بالقرى". وتابع "الجميع يضطر إلى قطع مسافات طويلة إلى العريش، ثم يعود سريعاً، أو يضطر أحياناً إلى المبيت هناك بسبب تطبيق الحظر اليومي بدءاً من الساعة الرابعة ظهراً".
ولا تساعد الحواجز الأمنية المنتشرة للجيش على الطرق الرئيسية المؤدية إلى القرى، بتسهيل عملية التنقل، كونها لا تترك مساحة لأي سيارة من الاقتراب منها. كما تعمد العناصر الأمنية إلى اطلاق النار في الجوّ لإجبار أي مواطن يخالف التعليمات على العودة والابتعاد عن الطريق. وتبقى بالتالي الطرق الجانبية وغير المُمهّدة، الطريق الوحيد للأهالي للوصول إلى قراهم وبيوتهم، بعيداً عن طائرات الأباتشي والدبابات.
وتقوم العملية الأمنية المشددة في قرى ومدن شبه جزيرة سيناء، على حصار ميداني براً وجواً، مع إجراء عمليات تفتيش دقيقة لجنود وضباط فرق الصاعقة والعمليات الخاصة، ويتمّ إخراج الأهالي يومياً من داخل البيوت، التي تُفيد المعلومات بأن أصحابها من المسلحين أو المهربين، من أجل تدمير المنزل عن طريق القصف بالطائرات أو بمدفعية الدبابات.
ويصف رئيس اتحاد قبائل سيناء، إسماعيل المنيعي، الوضع لـ "العربي الجديد"، بالقول "بات الوضع وكأننا في حالة حرب، فما يحدث لم نره في عامي 1967 و1973، وهرب الكثير من الأهالي إلى خارج مناطق سكنهم". ويُشير إلى أن "لكل قبيلة ديوان عائلات، أو ما يُطلق عليه مقعد، حيث يتم تجهيز الإفطار الجماعي، ولاستضافة الغرباء، إلا أن الوضع اختلف هذا العام بسبب العمليات الأمنية وحظر التجوال، وأُقفلت كل الدواوين".
وكشف المنيعي أن "نصيب المواطنين من المياه العذبة قلّ، لأن الضخّ يتمّ مرة واحدة أسبوعياً ولنصف ساعة للقرى، بفعل استيلاء المسلّحين على الصهاريج التي كانت توزّع المياه بغرض تفخيخها. ويعوّض الأهالي النقص الحاد في مياه الشرب بشراء المياه من جرارات أهلية غير مراقبة صحياً، كما أن قطاع الزراعة انهار، خصوصاً زراعة الزيتون والخوخ والخضراوات، بعد أن بوشر استخدام المزارع كمقرّات أمنية".
اقرأ أيضاً: صواريخ "كورنيت" الموجّهة تدخل حرب سيناء