قرية انتظرت ابنها المناضل ليدفن في أرضها، وكأنها تزف عريساً، لكن إلى الدار الآخرة. الكل هنا في هذه القرية مجند لاستقبال نجم أفل عن عمر ناهز الـ89 عاماً، حيث قضى في مدينة لوزان السويسرية الأربعاء قبل الماضي.
قرية هادئة، مسالمة، وتحفة طبيعية في قلب جبال جرجرة بمنطقة القبائل الكبرى، وسط الجزائر. تبعد عن مقر ولاية تيزي وزو 65 كيلومترا جنوب الولاية، تضم منحدرات وجبال وعرة، وهو ما صعّب من مهمة الجيش الفرنسي إبان الاستعمار، في الوصول إلى مجموعات المجاهدين، حسب شهادة أومحند الحسين، أحد أقرباء المناضل آيت أحمد.
اقرأ أيضاً: الجزائر: عقوبات لمنع التجنيد في بؤر التوتر بالخارج
هناك في تلك القرية التي ظلت تتذكر إلى اليوم شهداءها، تستذكر مناقب الراحل، آيت أحمد، وتبكيه اليوم، فعودة الابن المنفي في مدينة لوزان السويسرية، أربك هدوءهم، واهتزت له الربوة المنسية واستعادت معه أشعار لونيس آيت منقلات، وكتابات مولود فرعون، الذي سماها يوماً في كتابه "ابن الفقير" بأنها "قطعة من الجنة".
حزن كبير بعد الفاجعة، وفاة آيت أحمد، ليست بالهيّنة على قلوب سكان قريته. ومن تصاريف القدر، أن يخرج المناضل الراحل قريته الصغيرة من السكينة والنسيان إلى الأضواء، رغم أنها من القرى الجزائرية التي قاومت الاحتلال الفرنسي، إبان الفترة الاستعمارية، وقدمت الآلاف من الشهداء من أجل استقلال الجزائر، يقول حسان زيزي، أحد سكان المنطقة.
الأقارب وأهل المنطقة تقبّلوا العزاء طوال الأيام الماضية، عند سماعهم خبر وفاة "الدا الحسين"، كما يحلو لسكان "آيت يحيى" مناداته، أي كبير المنطقة، لأنه أفنى حياته في النضال ضد المستعمر، وأخذ بيده رفقاء السلاح، لتأسيس الدولة الجزائرية الديمقراطية، عقب استقلالها في سنة 1962.
اقرأ أيضاً: رحيل في 2015: وقفة عند شاعرَين ومفكّر
عزاء سكان المنطقة الوحيد هو عودة ابنهم ليدفن في مقبرة العائلة، بجانب ضريح الشيخ محند أو الحسين، فيما يعترف الكثيرون هنا في هذه القرية بأن آيت أحمد سيظل في قلوب سكان ولاية تيزي وزو وفي قلب كل الجزائريين.
بالقرب من بيت العائلة، لا زال أحد المنازل يحتفظ بتاريخ الثورة الجزائرية، حيث تتواجد فيها أنفاق كان المجاهدون يدبّرون فيها عملياتهم، وينسحبون منها للمرور إلى القرى المجاورة.
وكان الشاب حسين آيت أحمد، أحد قادة مجموعة قريته في الجهاد ضد الاستعمار الفرنسي، حيث يروي أبناء المنطقة بأن حسين آيت أحمد دخل سجن الاستعمار الفرنسي، وهو يدرس في المرحلة الابتدائية، لأنه كان متشبّعاً بالقيم الوطنية، كما أنهم أكدوا بأن الراحل كان يحفظ القرآن في المدرسة القرآنية ويتعلّم اللغة العربية هناك، حيث تشبع بالقيم الروحية، وارتباطه بدينه الإسلامي الحنيف، وهو ما ترجمته تصريحاته في نبذ الجهوية في الجزائر بسبب اللغة الأمازيغية لغة أجداده.
اليوم تزينت قرية "آيت أحمد"، لاستقبال جثمان ابنها المناضل وأحد رموز الثورة الجزائرية ورجالاتها، في رحلة عودة "البطل"، فالرجال العظماء لا يموتون، لتكون بذلك، نهاية سنة 2015، موعد سقوط ورقة أخرى من مجموعة قادة الثورة الجزائرية.
اقرأ أيضاً: الجزائر... مشروع دستور لما بعد بوتفليقة ترفضه المعارضة