في حديقة منزلها في منطقة جباليا (شمال غزة)، تبدأ بسمة يومها في كلّ صباح وهي تتأمل الأشجار والطيور التي تغرّد على أغصانها، قبل أن تمسك بقلمها وتخطّ على الأوراق شعرها الذي "يحاكي القضيّة".
هي بسمة مصطفى الكرد التي لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها، والتي بدأت تكتب الشعر قبل ثماني سنوات وهي بعد في السابعة من عمرها. حصل ذلك في خلال أحداث الانقسام الفلسطيني (2007). على الرغم من صغر سنّها في حينها، إلا أنها عبّرت بطريقتها عمّا يحدث. كتبت خاطرة فوجئ أهلها بها، تناولت فيها روح الأخوّة التي افتقدها الشعب الغزّي في خلال الاقتتال.
وتتذكّر بسمة الحادثة التي دفعتها إلى الكتابة، "عندما كانت في منطقة قريبة من منزلها وقطع التواصل بينها وبين الموجودين في منزلها. تخبر: "كنت أقف في الشارع وسط إطلاق النار، كنت أرتدي زيَّ المدرسة. حينها كنت في الصف الثاني ابتدائي ولم أستوعب ما يجري. جدّتي وإخوتي لم يتمكنوا، أيضاً، من العودة إلى المنزل بسبب إطلاق النار وخطر التجوّل. وكتبت ما شعرت به".
وراحت بسمة تتابع نشاطها الكتابي، كانت في الصف الرابع عندما شاركت للمرة الأولى في مهرجان للأطفال، وألقت قصائدها أمام الجميع. وفي الصف السابع بدأت انطلاقتها في عالم الأشعار والقصائد، وراحت تكتب بشكل مكثف.
تشير بسمة إلى أنها تتقن الشعر الحرّ والخواطر والعمودي. وهذا ما أكده عدد من الشعراء والشاعرات الفلسطينيين خلال تواصلها معهم. تقول: "ليس سهلاً على تلميذ في الثالثة عشرة من عمره، أن يكتب الشعر العمودي. وكنت أعرضه على المختصين، وهم يشجعونني أكثر ويدفعونني إلى الأمام".
وعندما كانت في الصف الثامن، حلّت في المركز الرابع في مسابقة شعرية شملت منطقة الشمال، على الرغم من صغر سنها. وقد شاركت بعدها في مسابقات عديدة، وحلّت في المركز الثاني في مسابقة شعر في مدرستها، في حين كانت منافساتها أكثر خبرة.
لأن "القضية الفلسطينية تصنع الشاعر الفلسطيني"، فإنها محور كتابات بسمة الرئيسي. وراحت
في هذا الإطار تقدّم أعمالها في المهرجانات والحفلات والمناسبات الوطنية، حول الوطن والأسرى والجرحى والشهداء وحول الأمل والأحلام.
من قصائدها أيضاً، "نراكم الآن وبعد حين" الخاصة بالأسرى، والتي تحكي عن أمّ الأسير والأسير ومعاناته ومدى اشتياقه وصبره وأمله بالعودة. "نداء اللهيب"، أيضاً، قصيدة حول نداءات الأسرى وعدم الاستجابة لها.
ولم يغب العدوان الإسرائيلي المتكرر على غزة، عن أشعار بسمة. وخلال العدوان الأخير في عام 2014، كتبت قصيدة "أريد أن أعيش" تحكي فيها عن طفل فلسطيني يرغب في العيش مثله مثل بقيّة العالم. وكانت، أيضاً، قصيدة "زهور متناثرة" التي تناولت اللاجئين الذين هربوا من بيوتهم وشرّدوا كزهور تناثرت في الطرقات. "رسالة للأحياء" قصيدة ثالثة هي عبارة عن رسائل يوجّهها طفل ميت إلى العالم من قبره.
أما في خلال العدوان الثاني (2008 - 2009)، فكتبت قصيدة "لربما كانت أيام جميلة" لصديقتها التي أصيبت، استعرضت في خلالها ذكرياتهما الجميلة معاً، لعلّ ذلك يمنحها القوّة.
إلى ذلك، كتبت بسمة عن أصول الهوية الفلسطينية قصيدة "سلني ما شئت". ولأنها لاحظت انتشار ظاهرة الهجرة بين الشباب ورغبتهم الشديدة بها، قدّمت قصيدة بعنوان "بداية النهاية"، تحكي عن الشاب الفلسطيني الذي تحطّمت كل طموحاته في داخل وطنه، ويطمح إلى الهجرة بعدما خسر كل شيء في حياته. وهي تعرض أشعارها باستمرار على عدد من الشعراء منهم الشاعرة سمية وادي الملقبة بـ "شاعرة غزة". هي تشجّعها وقد أعجبت بكتاباتها، كما تفعل، أيضاً، الشاعرتان ألاء القطراوي وأمل أبو عاصي والشاعر محمد دويدار.
اللغة العربية حلمها
في عامها الدراسي الأوّل من المرحلة الثانوية، جمعت بسمة معدّل 97.5 في المائة. وعلى الرغم من أن ذلك يتيح لها دراسة تخصص علمي، إلا أن حبّها للشعر يدفعها إلى اختيار تخصص أدبي، بالإضافة إلى التعمّق في اللغة العربية في المرحلة الجامعية. تقول: "أطمح إلى الالتحاق بدورات في اللغة العربية بمستوى محترف، والحصول على مركز عضو في اتحاد الكتّاب والشعراء الفلسطينيين. وبالتأكيد، إصدار دواويني الشعرية".
اقرأ أيضاً: فرح بكر.. مراهقة فلسطينيّة "تغرّد" تحت القصف