على مستديرة "الغرابلي" وسط حي النزهة، أحد أحياء العاصمة الأردنية عمان، يجلس العشرات من عمال الإنشاءات الشباب صباحاً، بانتظار أرزاق تُقبل عليهم مع مواطنين يبحثون لمشاريعهم الصغيرة عن مهارات فنية. بعضهم عمالة وافدة، والبعض الآخر هم مواطنون أردنيون، شدوا الرحال من مناطق فقيرة، بحثاً عن مصادر رزق ترمم ما تصدع في حياتهم نتيجة الفقر والبطالة.
أغلب العمال من المهاجرين، مضى على رحلة هجرتهم نحو عامين، يصف أحدهم رحلة الهجرة بالإكراه، فيما يؤكد آخر، أن الهجرة كانت أفضل الخيارات عندما سدت مدينته أبواب العمل في وجهه، كما يقول لـ "العربي الجديد"، لا بسبب هشاشة اقتصادها فحسب، بل لعدم وجود دعم تنموي كالذي أغدق على مدينة مجاورة، جعلها تشهد فورة استثمارية حولتها إلى هدف جاذب لأكثر رواد الهجرة الداخلية. فيما يرفض الثالث الحديث عن تفاصيل مشكلاته، مختصراً إياها بـ "المأساة لا أكثر".
هاجر الشباب الثلاثة من مناطق أردنية متفرقة، تقع ضمن خريطة المناطق التي صنفتها الحكومة بأنها الأفقر. وفي كثير من الأحيان يصعب تتبع حركة السكان لقياس حجم الهجرة على نحو دقيق، فالتداخل بين الهجرة الموجبة والهجرة السالبة بين الأرياف والحضر ومراكز المدن، وتدفق الهجرة القسرية من دول الجوار كالعراق وسورية على مدار العقد الذي مضى، يدفع الأرقام إلى التغيير الدائم.
ولم يتضمن المسح السكاني الأخير الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة في عام 2015 أي مؤشرات تتعلق بالهجرة الداخلية أو بخصائصها، لكن بيانات مستقلة تقدر نسبة الهجرة الداخلية السنوية بنحو 9.5% من المجموع الكلي لسكان المملكة البالغ 9.5 ملايين نسمة.
تعود الدوافع المحركة لهذه الهجرة حسب الخبير الديموغرافي فيصل خلف، لأسباب اقتصادية منها عدم تنظيم سوق العمل، وارتفاع نسبة البطالة في المناطق الفقيرة، ومحدودية فرص العمل المتاحة، علاوة على عدم وجود أنشطة وفعاليات تسهم في توزيع مكاسب التنمية بشكل متوازن يدفع الناس للاستقرار في أماكن تواجدهم.
ويقول لـ "العربي الجديد": "إن الهجرة من المستقرات الريفية إلى الحضر ومن الحضر إلى مراكز المدن، تعتبر الاتجاه السائد في الأردن ولكن بنسب متفاوتة. ففيما يستمر إقليم الوسط كمركز جذب، يعتبر إقليم الجنوب باستثناء مدينة العقبة، مركزاً طارداً للسكان، حيث تعتبر الأخيرة من أهم مراكز الجذب بعدما تحولت إلى منطقة اقتصادية تستقطب الاستثمارات والمشاريع التنموية". ويضيف: "تتأثر الهجرة عموماً بتغير الظروف في الأماكن التي تصدر المهاجرين، فبعض المواقع تصبح أقل جاذبية للعيش والعمل، في حين تصبح مناطق أخرى أكثر جاذبية".
ويتركز أكثر من نصف سكان الأردن وفق أحدث الإحصاءات الحكومية في منطقتي عمان نحو 4 ملايين نسمة، وفي إربد نحو 1.7 مليون نسمة، وهما المدينتان المحركتان في الاقتصاد الوطني، حيث تضمان نحو 60.6 % من إجمالي عدد السكان، وأكثر من نصف المشاريع والمنشآت الاستثمارية والصناعية.
وتحتل العاصمة عمان، المركز الرئيس من حيث استقطابها لأعداد المهاجرين القادمين من المحافظات الأخرى. ويقول خبير قضايا السكان والتنمية قاسم الخطيب لـ "العربي الجديد": "ارتفعت الكثافة السكانية مع هجرة السوريين القسرية إلى المملكة، وبذلك قفزت الكثافة السكانية في العاصمة من 333.6 ألفاً في العام 2013 إلى 528.8 في العام 2015، ما دفع إلى الواجهة ظاهرة تركيز السكان غير المتكافئ في مناطق محددة، وهي ظاهرة ضاغطة أثرت بشكل كبير على موارد البلاد".
ارتفاع البطالة
وتشكو المناطق التي تُصدّر المهاجرين داخل الأردن، من ارتفاع نسب البطالة بين أفراد قوتها العاملة، حيث بلغت في إربد 13.0% وفي الزرقاء 13.1% وفي الطفيلة 17.1% وفي معان 15.0%.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد جبر أن هجرة الشباب أو من هم في سن العمل من مناطقهم، بسبب عدم توافق أماكن السكن حسب المحافظات مع أماكن استحداث فرص العمل، جعل التركيب العمري لها يخسر جزءاً مهماً من قوته العاملة، ربحته المناطق المستهدفة. وقد أدى ذلك، وفق جبر إلى ازدحام هذه المناطق، وظهور أزمات في قطاع الإسكان ومشكلات مرورية وضوضاء وتلوث، فضلاً عن ضغوط تعرضت لها الخدمات العامة. ويقول: "علاوة على ذلك فإن هجرة الأراضي الزراعية سببت أيضاً خللاً في التوزع السكاني داخل الدولة وظهور مساحات زراعية غير مستثمرة"، مشيراً إلى أن الهجرة من الريف إلى المدينة فرغت الريف من المزارعين.
اقرأ أيضاً:الأردنيون يشكون اقتصادهم: "أخبرونا من أين نصرف؟"
أغلب العمال من المهاجرين، مضى على رحلة هجرتهم نحو عامين، يصف أحدهم رحلة الهجرة بالإكراه، فيما يؤكد آخر، أن الهجرة كانت أفضل الخيارات عندما سدت مدينته أبواب العمل في وجهه، كما يقول لـ "العربي الجديد"، لا بسبب هشاشة اقتصادها فحسب، بل لعدم وجود دعم تنموي كالذي أغدق على مدينة مجاورة، جعلها تشهد فورة استثمارية حولتها إلى هدف جاذب لأكثر رواد الهجرة الداخلية. فيما يرفض الثالث الحديث عن تفاصيل مشكلاته، مختصراً إياها بـ "المأساة لا أكثر".
هاجر الشباب الثلاثة من مناطق أردنية متفرقة، تقع ضمن خريطة المناطق التي صنفتها الحكومة بأنها الأفقر. وفي كثير من الأحيان يصعب تتبع حركة السكان لقياس حجم الهجرة على نحو دقيق، فالتداخل بين الهجرة الموجبة والهجرة السالبة بين الأرياف والحضر ومراكز المدن، وتدفق الهجرة القسرية من دول الجوار كالعراق وسورية على مدار العقد الذي مضى، يدفع الأرقام إلى التغيير الدائم.
ولم يتضمن المسح السكاني الأخير الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة في عام 2015 أي مؤشرات تتعلق بالهجرة الداخلية أو بخصائصها، لكن بيانات مستقلة تقدر نسبة الهجرة الداخلية السنوية بنحو 9.5% من المجموع الكلي لسكان المملكة البالغ 9.5 ملايين نسمة.
تعود الدوافع المحركة لهذه الهجرة حسب الخبير الديموغرافي فيصل خلف، لأسباب اقتصادية منها عدم تنظيم سوق العمل، وارتفاع نسبة البطالة في المناطق الفقيرة، ومحدودية فرص العمل المتاحة، علاوة على عدم وجود أنشطة وفعاليات تسهم في توزيع مكاسب التنمية بشكل متوازن يدفع الناس للاستقرار في أماكن تواجدهم.
ويقول لـ "العربي الجديد": "إن الهجرة من المستقرات الريفية إلى الحضر ومن الحضر إلى مراكز المدن، تعتبر الاتجاه السائد في الأردن ولكن بنسب متفاوتة. ففيما يستمر إقليم الوسط كمركز جذب، يعتبر إقليم الجنوب باستثناء مدينة العقبة، مركزاً طارداً للسكان، حيث تعتبر الأخيرة من أهم مراكز الجذب بعدما تحولت إلى منطقة اقتصادية تستقطب الاستثمارات والمشاريع التنموية". ويضيف: "تتأثر الهجرة عموماً بتغير الظروف في الأماكن التي تصدر المهاجرين، فبعض المواقع تصبح أقل جاذبية للعيش والعمل، في حين تصبح مناطق أخرى أكثر جاذبية".
ويتركز أكثر من نصف سكان الأردن وفق أحدث الإحصاءات الحكومية في منطقتي عمان نحو 4 ملايين نسمة، وفي إربد نحو 1.7 مليون نسمة، وهما المدينتان المحركتان في الاقتصاد الوطني، حيث تضمان نحو 60.6 % من إجمالي عدد السكان، وأكثر من نصف المشاريع والمنشآت الاستثمارية والصناعية.
وتحتل العاصمة عمان، المركز الرئيس من حيث استقطابها لأعداد المهاجرين القادمين من المحافظات الأخرى. ويقول خبير قضايا السكان والتنمية قاسم الخطيب لـ "العربي الجديد": "ارتفعت الكثافة السكانية مع هجرة السوريين القسرية إلى المملكة، وبذلك قفزت الكثافة السكانية في العاصمة من 333.6 ألفاً في العام 2013 إلى 528.8 في العام 2015، ما دفع إلى الواجهة ظاهرة تركيز السكان غير المتكافئ في مناطق محددة، وهي ظاهرة ضاغطة أثرت بشكل كبير على موارد البلاد".
ارتفاع البطالة
وتشكو المناطق التي تُصدّر المهاجرين داخل الأردن، من ارتفاع نسب البطالة بين أفراد قوتها العاملة، حيث بلغت في إربد 13.0% وفي الزرقاء 13.1% وفي الطفيلة 17.1% وفي معان 15.0%.
ويرى الخبير الاقتصادي خالد جبر أن هجرة الشباب أو من هم في سن العمل من مناطقهم، بسبب عدم توافق أماكن السكن حسب المحافظات مع أماكن استحداث فرص العمل، جعل التركيب العمري لها يخسر جزءاً مهماً من قوته العاملة، ربحته المناطق المستهدفة. وقد أدى ذلك، وفق جبر إلى ازدحام هذه المناطق، وظهور أزمات في قطاع الإسكان ومشكلات مرورية وضوضاء وتلوث، فضلاً عن ضغوط تعرضت لها الخدمات العامة. ويقول: "علاوة على ذلك فإن هجرة الأراضي الزراعية سببت أيضاً خللاً في التوزع السكاني داخل الدولة وظهور مساحات زراعية غير مستثمرة"، مشيراً إلى أن الهجرة من الريف إلى المدينة فرغت الريف من المزارعين.
اقرأ أيضاً:الأردنيون يشكون اقتصادهم: "أخبرونا من أين نصرف؟"