03 يوليو 2019
قصّة خيانة
امرأة بالزي العسكري الكامل، وحولها عشرات من مواطنيها، المغتربين في الولايات المتحدة، يستمعون منها إلى خطبة سياسية، عن إثم شعارات الحرية، وقد أوصلت سورية إلى ما أوصلتها إليه، من دمار وموت، على أيدي العصابات المسلحة. هي لا تنسى، أيضاً، أن تحيي مَن تصفهم بالمواطنين الشرفاء، الواقفين مع الرئيس الشجاع، والملهم، بشار الأسد، في حربه ضد المؤامرة الكونية.
هنا، تحديداً، يصفّق الجمهور، وجلُّهم من موظفي السفارة السورية، وزبانيتها، في واشنطن (عاصمة المؤامرة الكونية)، فيفيض وجه المرأة، بتعبيرات نشوة غامرة، لعلّها لم تشعر بمثلها، منذ كانت شابة حسناء، أو بالأحرى، منذ كان منتجو الدراما التلفزيونية يتهافتون على منحها أدوار البطولة، في مسلسلات، وتمثيليات، وأفلام، لا تكلّف البطولة فيها شيئاً.
لكن المهرجان الخطابي الصغير، على ما فيه من إثارة، يظل غير كافٍ ليعيد إلى صاحبتنا نجوميتها المفقودة. كان لا بد من تصويره، بالفيديو، وتحميله على موقع "يوتيوب"، وضمنه كلماتها عن ضرورة "اقتداء العرب بالنموذج المصري، في التعامل مع ما سمّي ثورات الربيع العربي"، لكي يصل، لا إلى أولي أمر السلطة الحاكمة في دمشق، وحسب، بل أيضاً إلى أولي أمر الإنتاج الفني، في القاهرة، حيث تنتظم، هناك، غالبية أهل الفن، مصريين وعرباً، في كورس الغناء للعسكر "تسلم الأيادي".
تسألون؛ مَن هي؟
خمّنوا، ولن يكون صعباً التعرّف عليها، كما على أخريات وآخرين، يشبهونها في خيانتهم المُثل الوطنية والقومية والإنسانية التي روّجتها أعمالهم الفنية، على مدار عقود سلفت. لقد دخلوا البيوت من أوسع أبوابها (التلفزيون)، وأشبعوا الناس دروساً في الحرية، والشجاعة والفداء، وسواها من قيم الحارة الشامية، والبلدة الصعيدية. ثم حين جدّ الجد، ووقعت المواجهة الحقيقية بين الشعوب وأنظمة الحكم القمعية الفاسدة، بعيداً عن التمثيل مدفوع الأجر، انقلبوا على أعقابهم، وانحازوا إلى العبودية، والجبن، والخِسّة، حفاظاً على مصالحهم.
وليس هؤلاء الفنانون، في واقع الأمر، إلا الجزء الظاهر، أو المرئي أكثر من سواه، في وادي النُخَب الثقافية والسياسية، القومية واليسارية، التي يُسجل التاريخ، الآن، مساهمتها في انتصار الديكتاتور العربي على كل ما كانت تتبنى من شعارات، وعلى ما كان قد ضحّى في سبيله آباؤها الشجعان الذين علّق الجنرالات بعضاً منهم على أعواد المشانق، بينما نزف معظمهم العمر في زنازين ومعتقلات المزّة، وتدمر، وأبو زعبل، وليمان طرة.
إنها قصة خيانة مكتملة الشروط الجرمية، والفنية، في آن معاً. وهي قصة بدأت، على ما بات معروفاً، بالوقوف ضد الثورة الشعبية السورية، تحت حجة الدفاع عمّا يوصف زوراً بنظام المقاومة والممانعة. حينها قال الرفاق، القوميون واليساريون، بحرج، إن مطالب الناس مشروعة. لكن، عليهم أن يكتفوا بشعارات الإصلاح، وألا يطالبوا بإسقاط نظام بشار الأسد. ولما أوغل العسكر في دم المتظاهرين السلميين، كان البترودولار الإيراني قد تكفّل باستحداث المنابر الإعلامية، وشراء الأقلام اللازمة لتبرير المذابح الجماعية، ولترويج دعاية تقول إن الربيع العربي مجرد مؤامرة صمّمها الأميركيون والإسرائيليون، ونفذها، بجهالة، ملايين المواطنين العرب، في شوارع تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية.
هكذا صارت الثورات كلها سواء، بما فيها حتى التي أسقطت "كنز إسرائيل الاستراتيجي" في مصر. وهكذا، لم يكن صعباً، في الفصل الثاني من قصة الخيانة إياها، أن تنتصر الثورات المضادة بأحذية العسكر، أو عبر صناديق الاقتراع، طالما أن دعاة الحرية التاريخيين، من أبناء النخب التي كانت حسناء، قد انتهوا إلى التحالف مع رجال الأنظمة البائدة، خوفاً من بطشهم ربما، أو طمعاً في دور مفقود، بعدما أفسد الدهر، في الوجوه والقلوب، ما أفسد. وتلك، باختصار، كانت ذروة الحبكة الدرامية للقصة المأساوية التي نعيش، لكنها ليست نهايتها، ولا هي نهاية أبطالها الحقيقيين، وأهدافها النبيلة.
هنا، تحديداً، يصفّق الجمهور، وجلُّهم من موظفي السفارة السورية، وزبانيتها، في واشنطن (عاصمة المؤامرة الكونية)، فيفيض وجه المرأة، بتعبيرات نشوة غامرة، لعلّها لم تشعر بمثلها، منذ كانت شابة حسناء، أو بالأحرى، منذ كان منتجو الدراما التلفزيونية يتهافتون على منحها أدوار البطولة، في مسلسلات، وتمثيليات، وأفلام، لا تكلّف البطولة فيها شيئاً.
لكن المهرجان الخطابي الصغير، على ما فيه من إثارة، يظل غير كافٍ ليعيد إلى صاحبتنا نجوميتها المفقودة. كان لا بد من تصويره، بالفيديو، وتحميله على موقع "يوتيوب"، وضمنه كلماتها عن ضرورة "اقتداء العرب بالنموذج المصري، في التعامل مع ما سمّي ثورات الربيع العربي"، لكي يصل، لا إلى أولي أمر السلطة الحاكمة في دمشق، وحسب، بل أيضاً إلى أولي أمر الإنتاج الفني، في القاهرة، حيث تنتظم، هناك، غالبية أهل الفن، مصريين وعرباً، في كورس الغناء للعسكر "تسلم الأيادي".
تسألون؛ مَن هي؟
خمّنوا، ولن يكون صعباً التعرّف عليها، كما على أخريات وآخرين، يشبهونها في خيانتهم المُثل الوطنية والقومية والإنسانية التي روّجتها أعمالهم الفنية، على مدار عقود سلفت. لقد دخلوا البيوت من أوسع أبوابها (التلفزيون)، وأشبعوا الناس دروساً في الحرية، والشجاعة والفداء، وسواها من قيم الحارة الشامية، والبلدة الصعيدية. ثم حين جدّ الجد، ووقعت المواجهة الحقيقية بين الشعوب وأنظمة الحكم القمعية الفاسدة، بعيداً عن التمثيل مدفوع الأجر، انقلبوا على أعقابهم، وانحازوا إلى العبودية، والجبن، والخِسّة، حفاظاً على مصالحهم.
وليس هؤلاء الفنانون، في واقع الأمر، إلا الجزء الظاهر، أو المرئي أكثر من سواه، في وادي النُخَب الثقافية والسياسية، القومية واليسارية، التي يُسجل التاريخ، الآن، مساهمتها في انتصار الديكتاتور العربي على كل ما كانت تتبنى من شعارات، وعلى ما كان قد ضحّى في سبيله آباؤها الشجعان الذين علّق الجنرالات بعضاً منهم على أعواد المشانق، بينما نزف معظمهم العمر في زنازين ومعتقلات المزّة، وتدمر، وأبو زعبل، وليمان طرة.
إنها قصة خيانة مكتملة الشروط الجرمية، والفنية، في آن معاً. وهي قصة بدأت، على ما بات معروفاً، بالوقوف ضد الثورة الشعبية السورية، تحت حجة الدفاع عمّا يوصف زوراً بنظام المقاومة والممانعة. حينها قال الرفاق، القوميون واليساريون، بحرج، إن مطالب الناس مشروعة. لكن، عليهم أن يكتفوا بشعارات الإصلاح، وألا يطالبوا بإسقاط نظام بشار الأسد. ولما أوغل العسكر في دم المتظاهرين السلميين، كان البترودولار الإيراني قد تكفّل باستحداث المنابر الإعلامية، وشراء الأقلام اللازمة لتبرير المذابح الجماعية، ولترويج دعاية تقول إن الربيع العربي مجرد مؤامرة صمّمها الأميركيون والإسرائيليون، ونفذها، بجهالة، ملايين المواطنين العرب، في شوارع تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية.
هكذا صارت الثورات كلها سواء، بما فيها حتى التي أسقطت "كنز إسرائيل الاستراتيجي" في مصر. وهكذا، لم يكن صعباً، في الفصل الثاني من قصة الخيانة إياها، أن تنتصر الثورات المضادة بأحذية العسكر، أو عبر صناديق الاقتراع، طالما أن دعاة الحرية التاريخيين، من أبناء النخب التي كانت حسناء، قد انتهوا إلى التحالف مع رجال الأنظمة البائدة، خوفاً من بطشهم ربما، أو طمعاً في دور مفقود، بعدما أفسد الدهر، في الوجوه والقلوب، ما أفسد. وتلك، باختصار، كانت ذروة الحبكة الدرامية للقصة المأساوية التي نعيش، لكنها ليست نهايتها، ولا هي نهاية أبطالها الحقيقيين، وأهدافها النبيلة.