قطاع غزّة المحرَّر الذي لا يزال محتلاً

05 يونيو 2014
لم تستطع إسرائيل التنصّل من صفة المحتلّ (الأناضول)
+ الخط -

لا يزال قطاع غزة أرضاً محتلة في ظل سيطرة وتحكّم الاحتلال ببرّه وبحره وجوّه، على الرغم من الانسحاب الإسرائيلي قبل تسع سنوات، إذ يبقى الحصار المحكم يطبق على أنفاس مليون وثمانمئة ألف فلسطيني يعيشون في بقعة صغيرة لا تتعدى مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً.

واحتلت إسرائيل القطاع في العام 1967، وضمته إلى الكيان الذي أنشئ بتواطؤ دولي في العام 1948، ولا يزال الإسرائيليون مسيطرين على كل ما يدخل إليه وما يخرج منه، رغم محاولاتهم التحلّل من الالتزامات التي يفرضها القانون الدولي على دولة الاحتلال.

ولم ينفع القطاع، في أزماته المتكررة، اشتراكه مع بلد عربي في حدود، فكانت هذه الحدود والمعبر الذي فيها، جزء من الأزمة لا من الحل.

ويقول رئيس "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، الدكتور رامي عبده، إن قطاع غزة لا يزال تحت الاحتلال، طبقاً لاتفاقية لاهاي الرابعة عام 1907، التي تقول إن الأراضي تعتبر محتلة عندما توضع تحت سلطة الجيش المعادي، وليس للأحداث التي حصلت بعد ذلك أي أثر يغيّر هذه الحالة، وهذا ما ينطبق على قطاع غزة.

ويضيف عبده، لـ"العربي الجديد"، أن إسرائيل، ورغم إعلانها "فك الارتباط" أو الانسحاب أحادي الجانب عام 2005، إلا أنها من الناحية العملية، وبحكم الأمر الواقع، هي مَن يسيطر على معابر وسواحل وفضاء القطاع، وبالتالي، فوفقاً للمادة 42 من اتفاقية لاهاي نفسها، فإن القطاع يبقى أرضاً محتلة وينطبق عليه ما ينطبق على الأراضي المحتلة من أحكام القانون الدولي الإنساني، على حد تعبيره.

ومع أن إسرائيل ليست طرفاً في اتفاقية لاهاي، إلا أنها مُلزمة بها، لأن هذه الاتفاقية تعدّ تسجيلاً للأعراف السائدة بين الدول، وفق عبده، الذي يستشهد بدراسة للبروفسور جون دوغارد، مقرر الأمم المتحدة الخاص بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، والذي أكد، في بحث نُشر عام 2011، على أن "المجتمع الدولي كله موحَّد على أن اتفاقية جنيف الرابعة والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال، مُلزِمة لإسرائيل في ما يتعلق بتعاملها مع الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، وغزة".

ولم تنسحب إسرائيل من القطاع في إطار العملية السلمية، فهي، كما يرى عبده، انسحبت وفي ذهنها إعادة التموضع وتقليل التبعات العسكرية والمالية والبشرية التي كانت ترهقها في القطاع، مشيراً إلى أن دولة الاحتلال كانت تعتقد أن الخروج من القطاع وفرض حصار خارجي عليه وتنفيذ عمليات، من دون الوجود على الأرض، من شأنه أن يقلّل من الخسائر، ويُظهرها أمام المجتمع الدولي كطرف معني بإنجاح العملية السلمية.

وختم الحقوقي الفلسطيني حديثه بالقول إنّ هناك تغيّراً جوهرياً في البنية الديموغرافية ورؤية المقاومة الفلسطينية للتحرر في القطاع، إلا أنه من الناحية القانونية، ورغم ما مارسته تل أبيب من إجراءات منذ النكسة وحتى اللحظة، "بقيت الحالة القانونية للقطاع على ما هي عليه، ولم تفلح محاولات إسرائيل بالتخلي عن مسؤوليتها كقوة احتلال".

وتجهّزت إسرائيل باكراً في القطاع لعملية "فك الارتباط"، إذ أغلقت، بالتتابع، ثلاثة معابر تجارية كانت تسد حاجة القطاع، وبدأت في العام 2005 العمل على تجهيز معبر كرم أبو سالم كمعبر تجاري وحيد، لتكون المتحكّم الأول والأخير في ما يدخل إلى غزة وما يخرج منها، ليسهّل ذلك عملية معاقبة السكان وفرض الحصار، وفق المحلل الاقتصادي الدكتور ماهر الطباع.

ويوضح الطباع، لـ"العربي الجديد"، أن حصر دخول البضائع إلى غزة عبر معبر وحيد من قبل إسرائيل، فُهم مبكراً على أنه رغبة إسرائيلية بالتهرّب من التزاماتها وفق القانون الدولي كدولة احتلال، كما أنها إشارات باكرة جداً إلى نواياها تجاه القطاع، والتي لم تتوقف بانسحابها منه. ويلفت الطباع إلى أن ربط الاقتصاد الفلسطيني الهزيل، بالاقتصاد الإسرائيلي القوي والصاعد، كان خطأً كارثياً تدفع غزة والضفة ثمنه غالياً الآن.

دلالات
المساهمون