وأعلن كل من "مصرف الريان"، و"بنك بروة"، وهما مدرجان في بورصة قطر، ويعملان في الصيرفة الإسلامية، وبنك قطر الدولي، عن نيتهم بحث إمكانية دمج أعمالهم، والعمل على تكوين كيان مصرفي إسلامي يعمل بكفاءة أعلى.
وتراهن قطر، عبر الكيان الجديد وكيانات مصرفية إسلامية أخرى، منها المصرف وقطر الدولي الإسلامي، على استقطاب الاستثمارات الخارجية والمحلية والدخول في منافسة مع عواصم دول عربية وعالمية تحاول أن تكون مركزا للصيرفة الإسلامية حول العالم، ومن بين هذه الدول: ماليزيا وتركيا وبريطانيا والإمارات والبحرين وأخيرا المغرب.
وشهدت المعاملات المصرفية الإسلامية، التي تقوم على اتباع أحكام الشريعة وتوفير القروض الميسرة، نموا قوياً في السنوات الأخيرة في قطر، وسط الدعم الحكومي الكبير الذي يتم تقديمه لها، وبصفة خاصة بعد صدور قرار رسمي عام 2011، باقتصار المعاملات الإسلامية على هذه البنوك فقط، الأمر الذي انعكس على تحقيقها نسبة نمو ملحوظة، تفوق نمو البنوك التقليدية، التي تفوقها عدداً.
وبحسب مصرفيين قطريين، فإنه من شأن الاندماج بين الكيانات المصرفية القطرية الثلاثة – في حال اكتماله – أن يؤدي إلى تكوين أكبر بنك إسلامي في دولة قطر، بقيمة أصول تزيد على 44 مليار دولار، وثالث أكبر بنك إسلامي في منطقة الشرق الأوسط، بحسب البيان الصحافي المشترك.
وقال هؤلاء المصرفيون إن هذه الخطوة بعد استكمالها تشير إلى أمرين هامين، الأول: تنامي دور الصيرفة الإسلامية في الدول العربية، خاصة الخليجية، أما الأمر الثاني، فهو نمو الصناعة المالية الإسلامية في قطر بشكل متسارع، مشددين على أن نجاح المصارف الثلاثة في الاندماج، علامة تدل على أن قطر تتجه في السنوات المقبلة لقيادة صناعة الصيرفة الإسلامية في المنطقة.
وبالأرقام، نجحت قطر في السنوات الماضية في زيادة حجم الصيرفة الإسلامية، إذ تكفي الإشارة إلى أنه في العام 2015، بلغ حجم الصيرفة الإسلامية في الدولة الخليجية 53.9 مليار دولار، مشكلا نحو 11% من حجم سوق الصيرفة الإسلامية في دول الخليج البالغ حجمه 490 مليار دولار، وفق بيانات صندوق النقد الدولي حول العمليات المالية والصيرفة الإسلامية في دول مجلس التعاون.
وبحسب موقع "سي أي بي" فاينانشيال الاقتصادي، فإن الصيرفة الإسلامية القطرية تحمل ميزة تنافسية قوية في الأسواق المحلية والإقليمية.
وفي أحدث تصنيف لوكالة "فيتش" الائتمانية، تم التأكيد على نمو تلك الفئة من البنوك مقارنة بالمصارف التقليدية، مع حدوث زيادة طفيفة في التمويل الإسلامي للمشروعات المحلية بوجه عام.
دور متنام
وفق البيان المشترك للمصارف الثلاثة في قطر، والتي أعلنت نيتها تأسيس مصرف إسلامي كبير في المنطقة، فإن هذه الخطوة ستجعل من البلاد محط أنظار المستثمرين العاملين في مجال الصكوك والاستثمارات الإسلامية، وكذا أدوات الدين الصادرة طبقا لأحكام الشريعة كالسندات والأذون.
ومن المقرر أن تخضع المبادرة المصرفية القطرية قبل إتمام عملية الدمج، لموافقة العديد من الجهات الرسمية في قطر، من بينها مصرف قطر المركزي، وهيئة قطر للأسواق المالية، ووزارة الاقتصاد والتجارة، إلى جانب موافقة المساهمين في كل من البنوك الثلاثة (مصرف الريان، وبنك بروة، وبنك قطر الدولي).
ويعد مصرف الريان ثاني أكبر بنك في قطر من حيث القيمة السوقية وأكبر المؤسسات القطرية المدرجة على مؤشر إم.إس.سي.آي للأسواق الناشئة. وبلغت قيمة أصول البنك 87 مليار ريال في 30 سبتمبر/ أيلول وفقا لقوائمه المالية.
ومصرف الريان وبنك بروة من المؤسسات الإسلامية، لكن بنك قطر الدولي يتبع حاليا المبادئ المصرفية التقليدية. ولا تسمح اللوائح التنظيمية القطرية لأي مصرف بالعمل بالطريقتين الإسلامية والتقليدية معا، ومن ثم سيتعين على قطر الدولي أن يحول أنشطته إلى أنشطة متوافقة مع أحكام الشريعة إذا مضت الصفقة قدما.
وأكد البيان أن الكيان الجديد سيحافظ على تعاملاته كافة وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وكان حاكم المصرف المركزي القطري عبدالله بن سعود آل ثاني، قد أكد في مناسبات عديدة، دور قطر في تنمية الصيرفة الإسلامية. وأشار إلى أن السلطات المالية تعمل على تنويع مصادر دخلها بعيداً عن النفط والغاز، وبذلك تولي اهتماماً كبيراً بالصيرفة الإسلامية.
وكانت قطر سباقة في مجال الصيرفة الإسلامية، وتأسس مصرف قطر الإسلامي في عام 1982، وتلا ذلك إنشاء بنوك أخرى هي بنك قطر الدولي الإسلامي، ومصرف الريان، وبنك بروة، وتستحوذ هذه البنوك الأربعة على ما يتجاوز 25% من إجمالي موجودات الجهاز المصرفي بالدولة، إضافة إلى أن هناك عدة مؤسسات تمويل تعمل في قطر وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية.
وبحسب حاكم المصرف المركزي القطري، فقد حصلت قطر على المراكز الأولى للصيرفة الإسلامية في منطقة مجلس التعاون الخليجي، إذ تمكنت ثلاثة مصارف قطرية من الحصول على مراكز هامة وفق تصنيفات نسبة الكلفة إلى الدخل، ووفق القائمة، جاء مصرف الريان وبنك قطر الدولي الإسلامي في مقدمة المؤسسات المالية الإسلامية في منطقة مجلس التعاون الخليجي بنسبتين بلغتا 20.6% و24.4% على الترتيب.
وتعرف نسبة الكلفة إلى الدخل بأنها المؤشرات المالية الرئيسية المستخدمة لقياس كفاءة البنوك، إذ يجري حسابها استناداً إلى أساس الكلفة التشغيلية من غير الفوائد مقسوماً على مجموع صافي إيرادات الفوائد والإيرادات التشغيلية من غير الفوائد. وتعطي هذه النسبة رؤية واضحة بشأن مدى كفاءة عمليات البنك وما هي نسبة التكاليف التي يمكن تغطيتها عن طريق الدخل، وإيجازاً كلما انخفضت النسبة، زاد تصنيف البنك.
الصيرفة الإسلامية
تعرف الصيرفة الإسلامية بأنها مؤسسات مالية مصرفية، كغيرها، غير أنها لا تتعامل بالفائدة أو الربا، وتقوم على قاعدة المشاركة، لا الربح. وتهدف هذه المؤسسات إلى جمع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية. ويتشارك البنك والمودِع في الأعمال، وبالتالي يتقاسمان الأرباح والخسائر. وحققت الصيرفة الإسلامية في السنوات العشر الماضية قفزة نوعية، إن لتوسعها في المنطقة، او لحجم الأنشطة والأعمال.
وزاد عدد المؤسسات التي تقدم الخدمات المالية الإسلامية في العالم من نحو 349 مؤسسة في العام 2013 إلى 360 مؤسسة بنهاية العام 2014 تعمل في 37 دولة، بحسب مجلة The Banker، وهي تقسم بين 250 مؤسسة مسجلة إسلامية بالكامل، و110 مؤسسات تقليدية تقدم خدمات مالية إسلامية عبر نوافذ متخصصة.
ووفقاً لتقرير التنافسية العالمي للمصارف الإسلامية لعامي 2013-2014، بلغ عدد عملاء المصارف الإسلامية حول العالم 38 مليون عميل. ومع ذلك لا تزال 80% من قاعدة العملاء المحتملة للتمويل الإسلامي غير مستغلة ولا يزال القطاع يتمتع بسعة كبيرة تستوعب المزيد من المتعاملين عربياً ودولياً.
وبلغ حجم الأصول المتوافقة مع الشريعة حوالي 1.267 مليار دولار في العام 2013 بزيادة 8.7% عن العام 2012 وحوالي 1.392 مليار دولار بنهاية العام 2014 بزيادة 10.0%. كما بلغ معدل النمو السنوي للأصول الإسلامية خلال الفترة 2007-2014 حوالي 15.7%.
ومن المتوقع أن يصل حجم هذه الأصول بنهاية عام 2018 إلى 3.4 تريليونات دولار، بحسب تقرير صادر عن شركة إرنست أند يونغ للاستشارات المالية.
وتشكل المصارف الإسلامية الجزء الأهم والأكبر من النظام المالي الإسلامي، وتحتل أصول هذه المصارف حوالي 80% من إجمالي أصول التمويل الإسلامي، تليها السندات الإسلامية (أو الصكوك) بنسبة 15%، ثم صناديق الاستثمار الإسلامية بنسبة 4%، وأخيراً صناعة التأمين الإسلامي (أو التكافل) بنسبة 1%.
وبحسب مجلة the banker المالية، يتركز التمويل الإسلامي العالمي بشكل كبير في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث توجد حالياً حوالي 78.9% من أصول المؤسسات المالية.
وتستحوذ دول الخليج العربية على نسبة 40.3% من أصول المؤسسات الإسلامية حول العالم، في حين أن باقي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تستحوذ على نسبة 38.6% من الأصول المالية الإسلامية.
ووفق دراسة أجراها صندوق النقد العربي، فإن إجمالي أصول المصارف الإسلامية حول العالم يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار.
وتقول الدراسة التي صدرت في سبتمبر/ أيلول 2016، "انعكاسات تنامي صناعة الصيرفة الإسلامية على إدارة السياسة النقدية في الدول العربية"، إن "الفترة التي تلت الأزمة المالية العالمية عام 2008، شهدت نمواً ملحوظاً لنشاط الصيرفة الإسلامية بمعدل نمو مركب يبلغ 17% خلال تلك الفترة، بما يعكس اهتماماً عالمياً واسع النطاق بفرص التمويل المصرفي الإسلامي".