قطر والحصار الخائب
مها محمد
انقضى أربعة عشر شهرا على الحصار البري والجوي والبحري الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر، والذي قام أساسا على أن الدوحة لن تصمد أكثر من تسعين يوما، وستوافق على تلك الشروط التي أقل ما يمكن وصفها به أنها بنود انتداب مستنسخة من عقود غابرة، لسلب سيادة دولة مستقلة.
يرغب كثيرون اليوم بمعرفة أبرز آثار هذا الحصار على المواطنين والمقيمين في قطر، والحال في أسواق الدوحة وشوارعها وبناها التحتية، وما إذا كانت هناك مقدمات لرضوخ القطريين لشروط دول الحصار، وهل انكفأت بلادهم على مستوى السياسة الخارجية. وعمليا، يمكن معرفة ذلك كله من وسائل الإعلام و"السوشال ميديا"، غير أن هناك مواقف ومحطات يحسن التوقف عندها قليلا.
تفيد التقارير المختصة بأن تراجعا يحدث في مستويات التنمية والاقتصاد وأرباح البنوك والأسواق في دول محور الثورات المضادة لطموحات الشعوب العربية، بزعامة الإمارات، وهي نفسها دول الحصار الحالية، وذلك بفعل سياسة عشوائية وصدامية، يستند بعضها إلى أهواء وأمزجة شخصية لزعماء دول الحصار. تأتي الأرقام المعلنة من البنك الدولي ووكالات تصنيف مالية عالمية، هذه الأيام، بغير ما يشتهي هذا التحالف بشأن قطر، وتؤكّد أن الدوحة حققت تقدما ماليا عاليا، ونموا اقتصاديا وارتفاعا في معدلات الاستثمار في البلاد. وإلى هذا الأمر، تجاوز القطريون الحصار، ورموه وراء ظهورهم، وهذه مسلّمة لا تحتاج لشرح مستفيض.
خطاب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة،
في السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول الحالي، والاهتمام العالمي به، والاجتماعات الجانبية التي عقدها الأمير مع قادة كثيرين، صورة واضحة لفشل عزل قطر دوليا، ونقض للاتهامات التي ساقتها دول الحصار، وحاولت عبثا إقناع العالم بها. كما قدّم وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، درسا مهما من الطراز الرفيع في إدارة واحدٍ من أخطر صراعات الخليج العربي السياسية منذ سنوات، ونجح في إقناع العالم بزيف ادعاءات دول الحصار ومزاعمها بكل جدارة.
اقتصاديا، حقق القطريون في الحصار ما لم يتحقق سابقا، فالاكتفاء الذاتي من منتجات مهمة تحقق، وزادت المصانع، وباتت عبارة "صنع في قطر" حاضرة في المتاجر والأسواق. وسجلت قطر هذا العام نمواً تجاوز 2.5%، حتى عُد من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، في تقرير صدر عن البنك الدولي، متوقعا أن يصل النمو فيها إلى 2.8% في نهاية العام الحالي (2018). وعلى الرغم من أسلوب الصدمة الذي اعتمدته دول الحصار، استطاعت قطر تأمين الاحتياجات الغذائية لكل من يعيش على أرضها منذ الأيام الأولى للحصار. وتطورت صناعاتها الغذائية لتصل إلى نسبة 300%، مع قرب تحقق الاكتفاء الذاتي لبعض المنتوجات الغذائية، كالحليب الذي اعتمدته دول الحصار بسذاجة تكتيكية مذهلة إحدى أدوات نجاح الحصار.
ويعد حصول قطر على المركز الثاني عربيا في مؤشّر التنافسية السياحية من الدلائل القوية على فشل هذا الحصار، وتحقق ما سبق ذكره، خصوصا مع إعفائها مواطني ثمانين دولة من تأشيرة الدخول المسبقة. كما أن حلول قطر في المرتبة الأولى عربيا على مؤشر الأمن والسلم، على الرغم من الحصار، ساهم في هذا الجذب السياحي الذي أثراه ما تشهده قطر من تطور مستمر على المستويات، المعماري والحضاري والثقافي والاقتصادي. ولا يغفل هنا دور الخطوط الجوية القطرية التي تحتل مرتبة متقدمة عالمياً.
في المحصلة، جاء الحصار بنتائج معاكسة لما خطّط له، كما كسبت قطر سمعة فريدة زادت
من قوتها الناعمة، ومساحة وجودها في صدارة العالم. وقد استطاعت قطر بقيادة أميرها، الشيخ تميم بن حمد، أن تحافظ على سيادتها، وتطورها التنموي بالتقدم نحو أهداف رؤية 2030 بشكل واقعي، ملموس.
في المقابل، يرى المراقبون أن دول الحصار باتت تبتعد عن أية أهداف تنموية، أو تطويرية لدولها وشعوبها، في ظل سياسة مصلحة الفرد الواحد التي أدت إلى تداعيات خطيرة، بدأت في استنزاف مقدرات هذه الدول وثرواتها فعلياً، ما ينبئ بنتائج خطيرة إذا لم يتم التصدّي لهذه السياسات الرعناء، وإيقافها، خصوصا وأن ضررها لا يقتصر على المدى القريب، بل وعلى المدى البعيد أيضا.
ومثال على ما حدث في الفترة نفسها، يمكن النظر من الداخل إلى السعودية، وملاحظة ارتفاع معدلات الدين العام والبطالة بالتوازي مع الترهيب الذي يتعرّض له أصحاب الرأي والكلمة، والاعتقالات التي طاولت عشرات من المثقفين والدعاة الذين يرون في قيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، بلادهم مهلكة. وبينما لا تحتاج أحوال البحرين ومصر شرحا كثيرا، يمكن القول إن الإمارات ليست في حال أفضل من السعودية، ماليا وتنمويا واقتصاديا. والأهم من ذلك سياسيا، فصورتها أمام الشارع العربي تراجعت من دولة ناهضة إلى دولة متورطة في التدخل في دول عربية وأفريقية معروفة.
اليوم، وبعد أربعة عشر شهرا من الحصار، يمكن القول رب ضارة نافعة، حيث كان الحصار محفزا لنجاح وتطورٍ أسرع في كل مفاصل البلاد.
يرغب كثيرون اليوم بمعرفة أبرز آثار هذا الحصار على المواطنين والمقيمين في قطر، والحال في أسواق الدوحة وشوارعها وبناها التحتية، وما إذا كانت هناك مقدمات لرضوخ القطريين لشروط دول الحصار، وهل انكفأت بلادهم على مستوى السياسة الخارجية. وعمليا، يمكن معرفة ذلك كله من وسائل الإعلام و"السوشال ميديا"، غير أن هناك مواقف ومحطات يحسن التوقف عندها قليلا.
تفيد التقارير المختصة بأن تراجعا يحدث في مستويات التنمية والاقتصاد وأرباح البنوك والأسواق في دول محور الثورات المضادة لطموحات الشعوب العربية، بزعامة الإمارات، وهي نفسها دول الحصار الحالية، وذلك بفعل سياسة عشوائية وصدامية، يستند بعضها إلى أهواء وأمزجة شخصية لزعماء دول الحصار. تأتي الأرقام المعلنة من البنك الدولي ووكالات تصنيف مالية عالمية، هذه الأيام، بغير ما يشتهي هذا التحالف بشأن قطر، وتؤكّد أن الدوحة حققت تقدما ماليا عاليا، ونموا اقتصاديا وارتفاعا في معدلات الاستثمار في البلاد. وإلى هذا الأمر، تجاوز القطريون الحصار، ورموه وراء ظهورهم، وهذه مسلّمة لا تحتاج لشرح مستفيض.
خطاب أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة،
اقتصاديا، حقق القطريون في الحصار ما لم يتحقق سابقا، فالاكتفاء الذاتي من منتجات مهمة تحقق، وزادت المصانع، وباتت عبارة "صنع في قطر" حاضرة في المتاجر والأسواق. وسجلت قطر هذا العام نمواً تجاوز 2.5%، حتى عُد من أسرع الاقتصادات نموا في المنطقة، في تقرير صدر عن البنك الدولي، متوقعا أن يصل النمو فيها إلى 2.8% في نهاية العام الحالي (2018). وعلى الرغم من أسلوب الصدمة الذي اعتمدته دول الحصار، استطاعت قطر تأمين الاحتياجات الغذائية لكل من يعيش على أرضها منذ الأيام الأولى للحصار. وتطورت صناعاتها الغذائية لتصل إلى نسبة 300%، مع قرب تحقق الاكتفاء الذاتي لبعض المنتوجات الغذائية، كالحليب الذي اعتمدته دول الحصار بسذاجة تكتيكية مذهلة إحدى أدوات نجاح الحصار.
ويعد حصول قطر على المركز الثاني عربيا في مؤشّر التنافسية السياحية من الدلائل القوية على فشل هذا الحصار، وتحقق ما سبق ذكره، خصوصا مع إعفائها مواطني ثمانين دولة من تأشيرة الدخول المسبقة. كما أن حلول قطر في المرتبة الأولى عربيا على مؤشر الأمن والسلم، على الرغم من الحصار، ساهم في هذا الجذب السياحي الذي أثراه ما تشهده قطر من تطور مستمر على المستويات، المعماري والحضاري والثقافي والاقتصادي. ولا يغفل هنا دور الخطوط الجوية القطرية التي تحتل مرتبة متقدمة عالمياً.
في المحصلة، جاء الحصار بنتائج معاكسة لما خطّط له، كما كسبت قطر سمعة فريدة زادت
في المقابل، يرى المراقبون أن دول الحصار باتت تبتعد عن أية أهداف تنموية، أو تطويرية لدولها وشعوبها، في ظل سياسة مصلحة الفرد الواحد التي أدت إلى تداعيات خطيرة، بدأت في استنزاف مقدرات هذه الدول وثرواتها فعلياً، ما ينبئ بنتائج خطيرة إذا لم يتم التصدّي لهذه السياسات الرعناء، وإيقافها، خصوصا وأن ضررها لا يقتصر على المدى القريب، بل وعلى المدى البعيد أيضا.
ومثال على ما حدث في الفترة نفسها، يمكن النظر من الداخل إلى السعودية، وملاحظة ارتفاع معدلات الدين العام والبطالة بالتوازي مع الترهيب الذي يتعرّض له أصحاب الرأي والكلمة، والاعتقالات التي طاولت عشرات من المثقفين والدعاة الذين يرون في قيادة ولي العهد، محمد بن سلمان، بلادهم مهلكة. وبينما لا تحتاج أحوال البحرين ومصر شرحا كثيرا، يمكن القول إن الإمارات ليست في حال أفضل من السعودية، ماليا وتنمويا واقتصاديا. والأهم من ذلك سياسيا، فصورتها أمام الشارع العربي تراجعت من دولة ناهضة إلى دولة متورطة في التدخل في دول عربية وأفريقية معروفة.
اليوم، وبعد أربعة عشر شهرا من الحصار، يمكن القول رب ضارة نافعة، حيث كان الحصار محفزا لنجاح وتطورٍ أسرع في كل مفاصل البلاد.