القلق كبير في الأحياء الشعبية الباريسية التي تقطنها أكثريّة من العرب والمسلمين، بعد صدمتهم من الهجمات الأخيرة. ومع تواصل التحقيقات التي تكشف مزيداً من الحقائق عن الفاعلين وأماكن سكنهم وأسمائهم، يزداد القلق أكثر. وقد بدا ذلك واضحاً في مدينة مونتروي في الضاحية الشرقية للعاصمة الفرنسية باريس، حيث نسبة العرب والمسلمين تقترب من الثلث، إذ أعلنت الشرطة الفرنسية عن عثورها على سيارة استخدمها أحد الإرهابيين المفترضين هناك، وما زال البحث عنه جارياً.
كثيرون تمنّعوا عن الرد على أسئلة "العربي الجديد"، وتذرّعوا أنه ليس لديهم ما يقولونه. لكن أحد المواطنين يشير إلى أنه "قلنا كل شيء قبل أقل من سنة، بعد اعتداءات شارلي إيبدو. لا نريد إلا العيش في سلام".
من جهته، يقرّ أحمد وهو صاحب محل لبيع الهواتف بمشاعر القلق، ويقول "البارحة كنت خائفاً بالفعل وأنا أتجوّل في شوارع فارغة. خوف أحسه لأول مرة. خوف من اعتداء عنصري، ومن أن يُحمّلني بعض المتطرّفين مسؤولية ما جرى". يضيف: "أنا أب، وخوفي تضاعَف على مستقبل أبنائي. من المؤكد أن الظروف ستزداد سوءاً في ما يخصّ الشغل والسكن. كذلك فإن حالة الطوارئ تجعلنا نحن الذين نحمل سحنات عربية ومغاربية، أكثر الناس عرضة للتفتيش". وعن المستقبل يقول: "سيمرّ بعض الوقت تنهمك فيه السلطات الفرنسية في معالجة القضية أمنياً، كما فعلت بعد اعتداء شارلي، قبل أن تكتشف أن ثمة مقاربات اجتماعية ضرورية معلقة منذ عقود". ويؤكد أنه "في انتظار هذه المقاربة الاجتماعية والإنسانية، سترتفع من دون شك حدّة العنصرية وكراهية الأجانب خصوصاً المسلمين".
أما رابح وهو صاحب مقهى يقع قبالة محطة مترو "روبيس بيير"، فيقول: "ما المطلوب منا فعله بالتحديد؟ الإدانة؟ نحن ندين ما حدث بأشد العبارات ونتبرأ منه".
تتغير النظرة أحياناً بين بعض المواطنين الفرنسيين ومواطنين فرنسيين من أصول عربية، ويظهر القلق الذي يعود في قسم منه إلى سوء الفهم وقلة إدراك العمق الجيوسياسي. يقول ميشال، إن أصدقاءه أكثرهم من أصول عربية، لكنه يسأل بغضب: "لماذا كل الذين يتسببون في الإرهاب والفوضى في فرنسا هم من أصول عربية ومن الديانة الإسلامية؟". ويتدخل هنا أحمدو وهو من أصول مالية، قائلاً: "سألت جاري المغربي، لماذا أنتم العرب وحدكم من يفتعل المشاكل في فرنسا؟".
الخلط على أشدّه في هذه الفترة، بين الإسلام والمسلمين من جهة وبين هؤلاء الإرهابيين الذين يتسببون في المآسي. وهذا ما لاحظناه في منطقة إيفري كوركورون التي خرج منها أحد الإرهابيين. ولم تساعد وسائل الإعلام الفرنسية التي نشرت على نطاق واسع صورة مصافحة بين إمام مسجد وحاخام وكاهن تظهر "العيش المشترك"، في تبديد قلق العرب والمسلمين.
يقول أمين بسخرية: "في كل مرة تقع فيها مشاكل، تأتي لنا وسائل الإعلام الفرنسي بشخصيات لا تمثل مسلمي فرنسا، على الإطلاق. وهذا خطأ آخر. تصوّر أن المسؤولين الفرنسيين يقولون لنا: يجب إخراج إسلام فرنسي إلى الوجود، ويذهب الرئيس، فرنسوا هولاند، إلى المغرب ويعود بمائتي إمام في جعبته".
وفي حين يفضّل كبار السن عدم التعليق، يكرّر شباب كثيرون التقتهم "العربي الجديد" ما قيل بعيد هجمات شارلي إيبدو. ويشدد سمير على أن "التبرير لا ينفع. مع كل مأساة تعرفها فرنسا، أكتشف أنني لست مواطناً كغيري، بل مواطن عربي ومسلم. ولا بدّ من أن يتوقف ذلك. لست أدري، بسبب المواطنة التي تجمعني مع ميشال وبيار، لا يكون موقفي من الإرهاب مختلفاً عنهما، خصوصاً أن الإرهاب هذه المرة لم يضرب أناساً محدّدين أو خصوماً بأسماء وعناوين ومرجعيات، بل ضرب كلَّ مَن وجد في شوارع فرنسا ومقاهيها وملاعبها، من فرنسيين وعرب ومن مسلمين وغير مسلمين".
في هذا السياق، يقول عالم الاجتماع والأستاذ المحاضر في مدارس فرنسية عليا، قدور زويلاي، لـ "العربي الجديد": "سمحتُ لطلبتي أن يقولوا في حصص الدراسة اليوم (أمس)، ما يشاؤون. كانوا أكثرهم ضد التبرير، وضد السؤال الذي يُوجَّه لمواطنين من أصول عربية وإسلامية لمعرفة مواقفهم. نحن فرنسيون، ونقطة على السطر". يضيف: "أحدهم قال لي إن على الدولة ومركز القرار السياسي أن يتوقفا عن وصمنا، في كل مرة. نحن لسنا مسؤولين".
ويؤكد أنه "وكما قلت لطلبتي، أحسّ بنوع من المسؤولية في ما حدث. أن أتحدّر من ثقافة وديانة عربية إسلامية، وهذا يجعلني مختلفاً عن المواطنين الفرنسيين الآخرين. أنا لست خائفاً، لكنني مُحرَج".
وبينما تتوارد الأخبار عن تقدم التحقيقات الفرنسية والبلجيكية والألمانية والتركية، يضع عدد كبير من الفرنسيين، من العرب والمسلمين والمهاجرين الآخرين، أياديهم على قلوبهم خوفاً مما سينكشف، وكلهم أمل في انتهاء هذا الليل الطويل، حتى لو أنهم متأكدون من أن الحلّ لن يكون قريباً وأن مآسيَّ أخرى، قد تعكّر سكينتهم في أي لحظة. هذا ما عبّر عنه العجوز الجزائري أوراغ، الذي قال إن "المآسي التي عشتها لم تتوقف منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961. ولا أتصوّر أنها ستتوقف قبل رحيلي".
اقرأ أيضاً: عرب أوروبا في عين "الإسلاموفوبيا"