24 سبتمبر 2024
قلم أحمر.. ما صححه لي طلابي عن الحياة
طويلاً رنَّ الجرس. بدأ الطلاب المنتشرون في ساحة المدرسة بالتجمع ومحاولة الانضباط كل في مكانه المحدد له مع زملائه في الصف الواحد. بدأت المدرسة تأخذ شكلها النهائي المكوّن من عشرات الطوابير التي تمثل عدد صفوفها، كانت أطراف الصفوف الأمامية هي الأكثر انضباطاً والأسرع تشكلاً، فيما كانت الأطراف الخلفية لا تزال غير مكتملة تسودها الفوضى رغم محاولات المعلمين والمعلمات المتكررة والمضنية لضبطها والسيطرة على إيقاعها غير المنتظم، ذلك الإيقاع الذي غالباً ما كان يستفزني ويجعلني دائمة السخط والتذمر.
لم أكن أستطيع كمعلمة أن أتقبّل طريقة الطلاب العشوائية في ممارسة حياتهم، التي يستحيل معها مجرد حث أنفسهم على الانتظام ولو لبضع دقائق أثناء الطابور.
هذا التذمر الذي أصبحت أحارُ بشأنه -لاحقاً- أأتنكر لإنسانيتي أم أتشبث بها كلما تذكرته؟ إذ كيف لهؤلاء الصغار أن يستطيعوا ضبط سلوكهم لعدة ساعات مدرسية يومياً، وهم الذين تشكو بل تعاني حياتهم من ترنح إيقاعها الدائم.
أيُّ حلم مثالي ذلك الذي كنت أراهم خلاله، وقد تحققت أحلام حياتهم العادية واستتب أمن فوضاهم غير العادي، ولم يعد أمامهم سوى الاستمتاع برفاهية الالتزام بقوانين مدرستهم، واتباع سنن معلّميهم وهم الذين لم يؤدوا حتى فرائض ذويهم؟ وكيف كان لي أن أسمح لنفسي ببعض عتابهم ولومهم وأنا التي ما كنت قطْ طالبة مفتونة بقوانين مدرستها، وأنا التي ما كان الانضباط المدرسي ليمثل لي سوى قناع من الوقار الظاهري، يشبه تماماً ذلك الذي نرتديه في مناسباتنا الاجتماعية، لنمثل به أمام بعضنا دور الالتزام بتقاليد نمقتها "فرادى" ونتباهى بها "مجتمعين" رغم استبدادها وفرط غبائها.
إن الانتظام الذي كان بالنسبة لي قناعاً ظاهرياً، ظلّ رغم ذلك جزءاً لا يتجزأ من أسلوبِ حياةٍ مثاليٍ -إلى حد ما- لم أستطع تجاوزه ولم أرغب حتى في محاولة تجاوزه أو انتقاده، إذ كانت مشاعري تنتهجهُ وتحياهُ في حالة من الحياد التام، ذلك النوع من الحياد الذي يختزلُ ألوانَ الحياة المتنوعة في لونينِ اثنين: أحدهما على النقيض مما نعتقد ونعيش ونعتاد ولا نكاد نرى، بينما تصبح حياتنا في ظلّ الآخر حالةً من الاستسلام لروتينٍ صارمٍ نألَفه دونَ أن نُحبه أو نكرهه، فنستوي معه وبه كالدُمى التي نصنعها على صورة الإنسان بينما ينتفي منها حسّ الإنسانية وروحها؛ تلك العروق النابضة بالدم والنفس المفعمة بالحياة فِعلاً ومعنى، المنسجمة مع أصل خلقها وفطرتها إذ تحتوي الضدين وتقبل النقيضين وتختبرُ الحياةَ بحلوها ومُرّها، خيرها وشرها، وجدها وهزلها، حيث الخطأُ جزء من التجربة، والقليلُ من الفوضى ضرورةٌ يُستعان بها على الكثير من التزاماتٍ واجبة، ثنائيةٌ تستقيم بها الحياة ويكتملُ بها الإنسان.
هكذا أدرك هؤلاء الصغار -مبكراً- فلسفتهم في اختطافِ مَرَح الحياةِ ولو للحظاتْ كي يستعينوا به على جِدّ الدراسة لساعات، فاحتفظوا بكمال إنسانيتهم وصحّحوا لي من حيث لم يقصدوا مفهوماً مجرداً عن المثالية، ظلّ إدراكه مُلتبساً ومستعصياً عليّ حتى شرحوه لي بالتجربة معايشةً وحِسّاً. إن الالتزام المُفرط بالقوانين (المثالية) يسلُبنا إنسانيتنا.
لم أكن أستطيع كمعلمة أن أتقبّل طريقة الطلاب العشوائية في ممارسة حياتهم، التي يستحيل معها مجرد حث أنفسهم على الانتظام ولو لبضع دقائق أثناء الطابور.
هذا التذمر الذي أصبحت أحارُ بشأنه -لاحقاً- أأتنكر لإنسانيتي أم أتشبث بها كلما تذكرته؟ إذ كيف لهؤلاء الصغار أن يستطيعوا ضبط سلوكهم لعدة ساعات مدرسية يومياً، وهم الذين تشكو بل تعاني حياتهم من ترنح إيقاعها الدائم.
أيُّ حلم مثالي ذلك الذي كنت أراهم خلاله، وقد تحققت أحلام حياتهم العادية واستتب أمن فوضاهم غير العادي، ولم يعد أمامهم سوى الاستمتاع برفاهية الالتزام بقوانين مدرستهم، واتباع سنن معلّميهم وهم الذين لم يؤدوا حتى فرائض ذويهم؟ وكيف كان لي أن أسمح لنفسي ببعض عتابهم ولومهم وأنا التي ما كنت قطْ طالبة مفتونة بقوانين مدرستها، وأنا التي ما كان الانضباط المدرسي ليمثل لي سوى قناع من الوقار الظاهري، يشبه تماماً ذلك الذي نرتديه في مناسباتنا الاجتماعية، لنمثل به أمام بعضنا دور الالتزام بتقاليد نمقتها "فرادى" ونتباهى بها "مجتمعين" رغم استبدادها وفرط غبائها.
إن الانتظام الذي كان بالنسبة لي قناعاً ظاهرياً، ظلّ رغم ذلك جزءاً لا يتجزأ من أسلوبِ حياةٍ مثاليٍ -إلى حد ما- لم أستطع تجاوزه ولم أرغب حتى في محاولة تجاوزه أو انتقاده، إذ كانت مشاعري تنتهجهُ وتحياهُ في حالة من الحياد التام، ذلك النوع من الحياد الذي يختزلُ ألوانَ الحياة المتنوعة في لونينِ اثنين: أحدهما على النقيض مما نعتقد ونعيش ونعتاد ولا نكاد نرى، بينما تصبح حياتنا في ظلّ الآخر حالةً من الاستسلام لروتينٍ صارمٍ نألَفه دونَ أن نُحبه أو نكرهه، فنستوي معه وبه كالدُمى التي نصنعها على صورة الإنسان بينما ينتفي منها حسّ الإنسانية وروحها؛ تلك العروق النابضة بالدم والنفس المفعمة بالحياة فِعلاً ومعنى، المنسجمة مع أصل خلقها وفطرتها إذ تحتوي الضدين وتقبل النقيضين وتختبرُ الحياةَ بحلوها ومُرّها، خيرها وشرها، وجدها وهزلها، حيث الخطأُ جزء من التجربة، والقليلُ من الفوضى ضرورةٌ يُستعان بها على الكثير من التزاماتٍ واجبة، ثنائيةٌ تستقيم بها الحياة ويكتملُ بها الإنسان.
هكذا أدرك هؤلاء الصغار -مبكراً- فلسفتهم في اختطافِ مَرَح الحياةِ ولو للحظاتْ كي يستعينوا به على جِدّ الدراسة لساعات، فاحتفظوا بكمال إنسانيتهم وصحّحوا لي من حيث لم يقصدوا مفهوماً مجرداً عن المثالية، ظلّ إدراكه مُلتبساً ومستعصياً عليّ حتى شرحوه لي بالتجربة معايشةً وحِسّاً. إن الالتزام المُفرط بالقوانين (المثالية) يسلُبنا إنسانيتنا.