لم تكن قمة الرئيسين السوداني عمر البشير والمصري عبد الفتاح السيسي، في الخرطوم، أمس الخميس، استثناءً عن أكثر من 23 لقاءً سابقاً بينهما، إذ كشفت عن تواصل التباين بينهما في عدد من الملفات، وتأجيل مناقشة عدد من المواضيع في مجالات النفط والتعاون المصرفي والتبادل التجاري.
وكانت الآمال قد ارتفعت بإمكانية حصول تقدم كبير بين الخرطوم والقاهرة، خصوصاً بعد توقف الحملات الإعلامية بينهما، وانحسار حدة المخاوف من سد النهضة الإثيوبي بعد إعلان أديس أبابا عن مشكلات فنية في تنفيذ السد. ووصف السفير السوداني في القاهرة، عبد المحمود عبد الحليم، القمة بأنها "حدث بالغ الأهمية في مسيرة العلاقات بين الدولتين"، معتبراً أن "الأمل معقود عليها لتعزيز العلاقات في كافة المجالات وجعلها نموذجاً للتعاون والتكامل في العالمين العربي والأفريقي، مع تركيزها هذه المرة على قيام مشاريع كبرى في مجالات الربط الكهربائي والحديدي وعبر وسائط النقل الأخرى، إلى جانب مشاريع الأمن الغذائي والصناعات والتجارة والاستثمار ومجالات الثقافة والتعليم وغيرها".
لكن ملامح الفشل بدأت بالظهور مع انطلاق الأعمال التحضيرية للقمة، إذ أعلن رئيس الجانب السوداني في اللجنة الفنية، ياسر خضر، عن تأجيل مناقشة عدد من المواضيع في مجالات النفط والتجارة والتعاون المصرفي، من دون تقديم توضيح عن أسباب التأجيل. وكشف البيان الختامي للجنة الوزارية، التي عقدت برئاسة وزيري خارجية السودان الدرديري محمد أحمد، ومصر سامح شكري، ومشاركة 20 وزيراً من الجانبين، عن أنه لم يتم التوصل إلى اتفاقية واحدة، إذ إن الـ12 وثيقة، التي وقعت بحضور البشير والسيسي، تتضمن 5 مذكرات تفاهم و5 برامج تنفيذية وبروتوكولاً واحداً وميثاق شرف إعلامياً. النقطة الوحيدة المضيئة في القمة، كانت موافقة البشير على رفع الحظر عن دخول المنتجات الزراعية المصرية إلى السودان، وذلك بعد أكثر من عامين على وقف استيرادها، فيما لم يعلق السيسي على الموضوع، أو على إشارة البشير لاتفاقية الحريات الأربع (التنقل والتملك والتجارة والإقامة) الموقعة منذ 14 سنة، والتي ترفض مصر تطبيقها. وعلى الرغم من إعلان السيسي، خلال المؤتمر الصحافي المشترك، دعمه لجهود الخرطوم لتحقيق السلام في جنوب السودان، فإنه سرعان ما قفز لحث البشير على العمل بشكل مشترك من أجل ضمان أمن البحر الأحمر. ويبدو أن هذا الموضوع أصبح الشغل الشاغل للقاهرة، خصوصاً بعد الحراك السوداني مع كل من روسيا وتركيا في البحر الأحمر.
وليس من بين مذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية الموقعة، ما يمكن اعتبار أنه يندرج في قائمة التعاون الاستراتيجي بين مصر والسودان. وتتضمن مذكرات التفاهم التعاون بين المركزين الدبلوماسيين التابعين لوزارتي الخارجية في الدولتين، وتبادل الخبرات بين وزارة الخارجية السودانية ووزارة التعاون الدولي والاستثمار المصرية، وبين نقطة التجارة الخارجية بوزارة الصناعة والتجارة السودانية والهيئة المصرية لتنمية الصادرات. كما تتضمن بروتوكولاً لإنشاء مزرعة نموذجية للمحاصيل البستانية بين وزارتي الزراعة في البلدين، واتفاقاً على مكافحة دودة الحشد الخريفية. وتحدث البيان الختامي عن اتفاق نظري على إنفاذ مشاريع التعاون المتمثلة في استكمال مشروع الربط الكهربائي والبدء في مشروع ربط السكك الحديدية ومشروع اللحوم الاستراتيجي والمنطقة الصناعية المصرية بالسودان والشركة السودانية المصرية للتكامل الزراعي، بغية تعظيم المصالح والمنافع بين الدولتين. وأعلن عبد الحليم أن الجانبين ألفا لجنة خاصة باسم "لجنة التشاور السياسي"، التي بحثت، خلال اجتماع برئاسة وزيري الخارجية، الأربعاء الماضي، موضوع مقتل الصحافي والكاتب السعودي جمال خاشقجي. وأكد "تطلع الخرطوم والقاهرة لمعالجة الموضوع بحكمة تفوت الفرصة على المتربصين بالعالم العربي والإسلامي، وأن تحل المشكلة في إطارها القانوني والدبلوماسي". وطالب شكري وأحمد "بإيجاد حلول سلمية للنزاعات في ليبيا وسورية واليمن"، كما عبرا عن "تطلعهما لعودة سورية للحضن العربي والجامعة العربية في أقرب وقت ممكن".
لكن يبدو أن الخلاف يتواصل بشأن الملف الليبي، إذ أوضح السفير عبد الحليم أن "أحمد عبر خلال الاجتماع عن اهتمام السودان بالتطورات في ليبيا، على اعتبار أن ما يحدث فيها يؤثر على السودان، خصوصاً من قبل بعض العناصر من متمردي دارفور التي تعمل في الساحة الليبية مع أحد الفصائل المعروفة"، في إشارة مبطنة إلى قوات برلمان طبرق التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المدعوم من مصر والإمارات. ومن أكثر الملفات التي عكرت صفو العلاقات بين الخرطوم والقاهرة، خلال السنوات الأخيرة، النزاع الحدودي حول منطقة حلايب وشلاتين، وسد النهضة الإثيوبي. ولم يتم ذكر موضوع حلايب وشلاتين خلال القمة ولا اللجنة الوزارية ولا اللجان الفنية، في حين عبر الجانبان عن تطلعهما إلى استئناف الحوار حول موضوع سد النهضة بعد إزاحة ما كان يعطل عمل المسارات الفنية واستئناف عمل الشركة الاستشارية والتكليف الذي منح لها. وتم ترك الأمور التي تحتاج للمزيد من المناقشات لاجتماعات اللجنة الرباعية التي تستضيفها الخرطوم في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.