يبدو أن بعض وسائل الإعلام الأوروبية بدأت تساهم في تبييض صورة النظام السوري، من خلال عرض صورة آمنة ومشرقة لسورية الأسد، في الوقت الذي لا يزال فيه النظام وحلفاؤه يواظبون على قصف إدلب، وارتكاب المجازر فيها؛ إذ تتجاهل هذه المنصات الإعلاميَّة تلك المشاهد الدموية، وتسلط الضوء على إنجازات وهمية للنظام، متمثلة بإعادة إعمار سورية، ودعوة اللاجئين في أوروبا للعودة إلى وطنهم الآمن.
منذ أيام، عرضت قناة "أن أو أس" التي تعتبر واحدة من أهم وكالات الأخبار الهولندية، تقريراً مصوراً مدته أربع دقائق، تم تصويره داخل حلب، وحمل عنوان "كنت أحلم دائما بالعودة إلى سورية". يصور الفيديو عائلة سورية مكونة من أربعة أشخاص، كانت لاجئة في بريطانيا، وعادت منذ أشهر إلى حلب، ورغم المدة القصيرة للفيديو، إلا أنه يحمل بين طياته العديد من الرسائل السياسية، منها:
يطرح صنّاع التقرير تساؤلاً يبدو منطقياً عن سبب عودة اللاجئين السوريين إلى مناطق النظام، فيُذكَر في التقرير: "في حين يفر ملايين السوريين بسبب الحرب، هناك أيضًا عائلات تتراجع وتعود". وضمن التقرير تتم الإجابة عن هذا التساؤل بالصورة، إذ تبدو مناطق النظام كبيئة آمنة وديمقراطية ومؤهلة لعودة اللاجئين إليها. ويرصد التقرير العائلة السورية المكونة من أربعة أفراد، هم رشا وخالد صالح وأبناؤهما، وهم يمشون بفرح وسعادة في أحياء حلب القديمة. وتسرد رشا معلومات تاريخية عن تلك الأسواق، وما حل بها من دمار وخراب خلال الحرب، وكيف عاد الأمن والأمان إلى تلك المناطق. ويركز التقرير على استعراض الحياة الكريمة والآمنة التي تنعم بها العائلة في حين يتجاهل ذكر الوضع الخدمي المتردي في مناطق النظام، والانهيار الاقتصادي للعملة السورية. فالتقرير، رغم طبيعته الخبرية، لا يمكن النظر إليه سوى باعتباره دعاية مباشرة أو غير مباشرة، تدعم رواية النظام.
تشير العائلة إلى أن سبب عودتها الأساسي هو الدور الوطني الذي يتمثل بعملية إعادة إعمار سورية، وهي ذات الفكرة التي يحاول النظام الترويج لها في مختلف وسائل إعلامه. كما تسرد العائلة بأن بريطانيا قدمت لهم كافة التسهيلات للعودة إلى سورية، لتبين أنه ليس هناك ما يعيق السوريين عن ممارسة واجبهم الوطني!
وفي الوقت الذي يتحدث التقرير عن سورية الآمنة، يختار مخرج التقرير قلعة حلب، والتي يظهر على بوابتها صورة بالحجم الكبير لبشار الأسد، كخلفية للخبر. كما يرتدي أفراد العائلة سترات عسكرية، ليبين الفيديو من خلال الصورة دور الأسد وجيش النظام بضمان الأمن والأمان في سورية. وإضافةً إلى ذلك، يتم استخدام كلمات كثيرة في التقرير تخلي مسؤولية النظام السوري عن الدمار الذي حصل في حلب، إذْ يستخدم معدّ التقرير عبارات بصيغة المبني للمجهول، للحديث عما حدث في الماضي. وجدير بالذكر أن قناة "أو أس أن" الهولندية، سبق لها أن ساهمت ببث رواية النظام الإعلامية في الأشهر الأخيرة، من خلال نقل بعض الأخبار عن الإعلام السوري الرسمي؛ كما هو الحال في الخبر الذي تداولته عن القصف الإسرائيلي لمدينة دمشق. كما أنها تجاهلت عرض أي أخبار عما يحدث في مدينة إدلب بالفترة الأخيرة، باستثناء خبر عن دخول القوات التركية إلى الشمال السوري.