اقرأ أيضاً: تركيا: نجاح مأسسة "العدالة والتنمية"... والانتخابات المقبلة الامتحان الأكبر
كان لافتاً أن قوائم المرشحين لـ"العدالة والتنمية" جاءت متوازنة بين رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان، مقارنة بنتائج الانتخابات الداخلية للحزب التي جرت الأسبوع الماضي، والتي جاءت بغالبية ساحقة محسوبة على أردوغان في الأطر القيادية للحزب الحاكم.
"انتفاضة" قوائم "العدالة"
وبدا "العدالة والتنمية" مصرّاً على استعادة الغالبية البرلمانية الكافية للتفرّد بالحكومة، وهو ما دفعه إلى إجراء تعديلات واسعة في قائمة مرشحيه مقارنة بقوائم الانتخابات البرلمانية التي خسر خلالها الغالبية الكافية للتفرّد بالحكم وتمرير مشاريعه، خصوصاً في مناطق جنوب وشرق الأناضول التي خسرها لصالح "الشعوب الديمقراطي"، لتبدو هذه المناطق ساحة معركة ستكون الأشرس هذه الانتخابات بدورها.
وفي وقت أعلن فيه حزب "الدعوة الحرة" (وريث حزب الله الكردي الإسلامي) عدم مشاركته في الانتخابات، تاركاً الحرية لأنصاره في التصويت، مما سيحوّل أصواتهم لحزب "العدالة والتنمية"، أقدم الأخير على تغيير قائمة مرشحيه بشكل كامل في مدينة الأناضول باستثناء إعادة ترشيح نائب رئيس الوزراء في الحكومة الانتقالية، جودت يلماز، الذي كان الناجح الوحيد على قائمة "العدالة والتنمية" في الانتخابات السابقة في المدينة، لكن هذه المرة عن ولاية بينغول (شرق البلاد).
وبالنسبة إلى قائمة "العدالة والتنمية" الجديدة في دياربكر، فقد رشح الحزب نواباً سابقين له عن المدينة ورجال أعمال منهم الرئيس السابق لغرفة التجارة والصناعة في المدينة، غالب أنصار أوغلو، النائب السابق عن "العدالة والتنمية" في انتخابات 2011، والذي لم يترشح في الانتخابات السابقة. كما رشح أبوبكر بال، إضافة إلى بعض النقابيين مثل يونس مميش (رئيس إحدى النقابات التعليمية المحافظة)، وذلك في مواجهة قائمة "الشعوب الديمقراطي"، التي اعتمدها في الانتخابات السابقة، والتي يعتبر أهم أسمائها كل من رئيس الكتلة النيابية لحزب "الشعوب الديمقراطي" وأحد أعضاء هيئة عملية السلام التابعة له، إدريس بالوكان، إضافة إلى مفتي دياربكر نعمة الله إردوغموش، والنائب الإسلامي الكردي عن الحزب ألتان تان.
أما في ولاية فان، فكانت المفاجأة بترشيح أحد أهم مشايخ "العدالة والتنمية" عن المدينة، وهو النائب السابق لرئيس الوزراء، بشير أتلاي، الذي تولى ملف عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني" منذ عام 2009، في مواجهة الرئيسة المشاركة للشعوب الديمقراطي، فيغان يوكسكداغ. كما قام الحزب بتغيير قائمته في ولاية أغري بشكل كامل لمواجهة النائبة المعروفة ليلي زانا، والتي أدت دوراً كبيراً في ترجيح كفة "الشعوب الديمقراطي" في الولاية، الأمر الذي حصل أيضاً في كل من هكاري وشرناق.
ولن تتوقف المنافسة بين الحزبين (العدالة والتنمية والشعوب الديمقراطي) على المناطق الشرقية، بل سيكون لمدن الغرب التركي التي تشهد كثافة سكانية كردية، مثل إسطنبول وإزمير، حصة الأسد من المنافسة، وذلك فيما بدأ "العدالة والتنمية" باستخدام بعض استراتيجيات "الشعوب الديمقراطي" في الحشد الجماهيري؛ إذ إنه بعد تظاهرة دياربكر المندّدة بالإرهاب، قبل أيام، دعا الرئيس التركي إلى تظاهرة مليونية حصلت أمس الأحد في إسطنبول للتنديد بالإرهاب أيضاً.
معركة الشرق الصعبة
لا تبدو المعركة الانتخابية في الشرق سهلة على الإطلاق، الأمر الذي يؤكّده الأكاديمي في جامعة دجلة في ولاية دياربكر، وهاب جوشكون، لـ"العربي الجديد"، قائلاً: "إضافة إلى أصوات (الدعوة الحرة) التي ستتحول إلى (العدالة والتنمية) في دياربكر، والتي ستضمن له مقعداً برلمانياً إضافياً، فإذا نظرنا إلى قائمة "العدالة والتنمية" عن قرب، سنلاحظ بأن الأسماء الموجودة فيها هي من الشخصيات المقربة من قواعد الحزب الجماهيرية، والتي تستطيع الخروج إلى الساحات والتواصل بشكل أفضل مع الناس، وهي المشكلة الأهم التي واجهته في الحملة الانتخابية السابقة".
غير أن جوشكون أضاف "حتى ولو كانت أسماء المرشحين مهمة، لكن علينا عدم المبالغة في أهمية ذلك، خصوصاً في جنوب وشرق الأناضول، حيث يبدو الخطاب الانتخابي والاستراتيجية أكثر أهمية في توجه الأصوات؛ فالقضية المركزية هنا هي عملية السلام، وإذا جاءت بعض الرسائل السلبية حيال الأكراد، عندها إسم المرشح لن يكون له أهمية".
مشايخ ورجال أعمال
ضمّت قائمة مرشحي حزب أردوغان، عدداً من "مشايخ الحزب" رغم أن عدداً من هؤلاء أطيح بهم في المؤتمر الحزبي الذي عُقد أخيراً. ولطمأنة طبقة رجال الأعمال، أعاد الحزب ترشيح قيادات اقتصادية مهمة، فجاء النائب السابق لرئيس الوزراء عن الشؤون الاقتصادية، علي باباجان، مرشحاً عن أنقرة إلى جانب الرئيس السابق للبرلمان جميل جيجك، والوزير السابق للمالية، محمد شيمشك، مرشحاً عن ولاية غازي عنتاب. فيما جاء بينالي يلدرم المقرب من أردوغان ووزير الاتصالات السابق مرشحاً عن إزمير. وضم الحزب توغرل توركيش إلى قائمته في اللحظات الأخيرة، مرشحاً عن أنقرة، بعدما قام الأخير بتقديم استقالته من حزب "الحركة القومية"، إثر عدم ترشيحه على قائمته.
ما بين أردوغان وداود أوغلو
ورغم غياب أحد مؤسسي الحزب، بولنت أرينج، بسبب اعتزاله للسياسة، إلا أن قوائم "العدالة والتنمية" بدت متوازنة نوعاً ما بين كل من أردوغان وداود أوغلو وعبد الله غول، فضمت من المقربين من أردوغان إلى جانب يلدرم، كلاً من وزير العدل الأسبق، بكير بوزداغ، ورئيس الكتلة البرلمانية للحزب، ماهر أونال، وأحد مستشاري أردوغان المختصين بالقانون الدستوري، برهان كوزو.
كما احتل عدد من المقربين من داود أوغلو أماكن متقدمة في القوائم الانتخابية، منهم علي ساريكايا وإبراهيم تورهان، وطه أوزهان، وإرتان أيدن، ووداد بيلغين. ومن المقربين من عبد الله غول كان كل من بشير أتلاي وعلي باباجان. ومن المعتدلين من القيادات القديمة، كان هناك كل من وزير الطاقة الأسبق، تانر يلدز، ورئيس البرلمان الأسبق، جميل جيجك، ونائب رئيس الحزب، محمد علي شاهين.
إخراج مثيري الجدل
من جهة ثانية، أخرج حزب "العدالة والتنمية" من قوائمه بعض النواب المثيرين للجدل، ومنهم النائب عبد الرحمن بويونكالن، والذي قاد عدداً من أنصار "العدالة والتنمية" الذين هاجموا جريدة "حرييت" المعارضة، والنائب أوغر إشلاك الذي تم تصويره وهو نائم في إحدى جلسات البرلمان، بعدما كان أهم تصريحاته في الانتخابات الماضية بأنه لن يدخل البرلمان لينام كباقي النواب.
لا تغيير لدى الأحزاب الأخرى
وبعد المواقف "المعتدلة" التي اتخذها من الاشتباكات الأخيرة بين الجيش التركي وقوات "الكردستاني"، إضافة إلى التغيير الكبير بموقفه من عملية السلام، يحاول حزب "الشعب الجمهوري" أن يستغل ذلك للعودة إلى المناطق الشرقية أيضاً، إذ غيّر قوائم مرشحيه في أكثر من 17 ولاية بالكامل، وهي تلك التي لم يستطع الحصول فيها على أي نائب، ولم يبق من قائمة الانتخابات السابقة إلا ثلاثة أسماء، أما المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة وإزمير فلم تشهد تغييرات كبيرة.
وكان حزب "الحركة القومية" أول الأحزاب التي تقدمت بقوائم مرشحيها، والتي لم تشهد أي تغييرات كبيرة باستثناء إخراج نائبين سابقين كان داود أوغلو قد دعاهما إلى المشاركة في الحكومة المؤقتة، فتم إخراج نائب رئيس الوزراء الحالي، توغرل توركيش، ووزير الداخلية الأسبق، ميرال أكشنر، رغم رفض الأخير المشاركة في الحكومة المؤقتة.
ولم تشهد قوائم حزب "الشعوب الديمقراطي" أي تغييرات مهمة، واستمر في الاستراتيجية السابقة التي اتبعها في الانتخابات السابقة، وأعلن دخول الانتخابات بالتحالف مع مجموعة من أحزاب اليسار التركي الصغيرة، كحزب "التضامن والحرية"، وحزب "العمل"، إضافة إلى منظمة "اتحاد الحقوق الديمقراطية". وفيما بقي لونت توزال زعيم حزب "العمل" مرشحاً عن "الشعوب الديمقراطي"، رغم رفضه لقرار الأخير المشاركة في الحكومة المؤقتة، قام الحزب بترشيح مصطفى ساري سولوك، شقيق أدهم ساري سولوك أحد قتلى احتجاجات حديقة غيزي في يونيو/حزيران عام 2013.
في ما يتعلق بآخر استطلاعات الرأي حيال نوايا التصويت، نشرت شركة "أو أر سي" المقربة من العدالة والتنمية نتائج آخر استطلاعاتها، التي جرت في 32 ولاية من أصل 80 وشملت 2760 مشاركاً، بين 12 و15 أيلول/سبتمبر، وفيها قال 44 في المئة من المشاركين أنهم سيمنحون صوتهم لـ"العدالة والتنمية"، بزيادة 3 نقاط عن نتائج الانتخابات الاخيرة، بينما حصل "الشعب الجمهوري" على 27.8 في المئة، وانخفضت نسبة أصوات كل من حزب الحركة القومية والشعوب الديمقراطي إلى 13.4 و11 بالمئة على التوالي.
اقرأ أيضاً: الأحزاب التركية "تستثمر" التوتر الأمني انتخابياً