داخل ورشته يجلس الخمسيني الغزي، أبو عوني علون، بين أكوام من البطاريات التالفة، إذ يكسب قوت يومه، من تجميع الألواح الرصاصية المتهالكة تمهيدًا لإعادة صهرها وبيعها، رغم خطورة عمله على صحته، إذ أصيب بتسمم دموي في عام 2012، والسبب ارتفاع نسبة ترسب الرصاص في دمه، كما أوضحت الفحوصات والتحاليل التي أجراها في مشافي الأردن، بسبب نقص الإمكانيات الطبية في غزة.
ولم تقف أضرار عمل أبو عوني في إعادة تدوير البطاريات التالفة، عند حد مرضه، إذ أصيب طفله أحمد ذو التسعة أعوام بإعاقة حركية، لكون منزل الأسرة يقع أعلى ورشة الوالد، كما أوضح الطبيب زياد الخزندار، رئيس قسم الأورام السرطانية السابق في مشفى الشفاء بغزة، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن سبب الإصابة يعود لترسب مادة الرصاص بعظام أحمد، ما أدى إلى إعاقته، حسب ما ظهر في صورة الأشعة ونتائج التحاليل.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، عن خطورة ورش إعادة تدوير البطاريات في قطاع غزة، على العاملين فيها وأسرهم ومحيطهم البيئي.
اقــرأ أيضاً
حياة وسط الرصاص
عبر جولة ميدانية، حصر معد التحقيق 47 ورشة تعمل في مجال إعادة تدوير البطاريات، في 4 محافظات من إجمالي 5 في قطاع غزة، وبينما خلت محافظة رفح من أي تواجد لتلك الورش، جاءت محافظة غزة بالمركز الأول، إذ تتواجد بها 30 ورشة، بينما حلت محافظة الشمال في المركز الثاني بـ"12 ورشة"، وتلاها محافظة الوسطي بـ"3" ورش، وجاءت خان يونس في المركز الأخير بعدد ورشتين، "ويعمل في كل ورشة من ثلاثة إلى ستة عمال تتراوح أعمارهم بين 11 سنة و50 عاما، وتتحدد القدرة الإنتاجية للورشة بناء على عدد العاملين بها"، كما أوضح أبو رشدي الرياشي، صاحب ورشة إعادة تدوير بطاريات في منطقة عسقولة بمحافظة غزة، كما يمتلك أخرى في جمهورية السودان.
والرياشي المصاب بتسمم الرصاص في دمه بنسبة 320 ميكروغرام/100 ملليتر، ما أدى إلى تلف في جهازه العصبي، ما يجعله واحداً من بين الحالات المرضية التي توصلت "العربي الجديد" إليها، إذ يعاني 23% من بين 188 عاملاً في هذا المجال من تسمم الرصاص الذي أدى إلى إصابتهم بأمراض مزمنة، على رأسها تلف الجهاز العصبي والمصاب به 7 عمال، بينما يعاني 5 من الفشل الكلوي كما توجد إصابتان بعجز ذهني وأخرى بسرطان الدم.
ومن بين هؤلاء المصابين محمود الحلو، الذي يعاني فشلا كلويا، جراء عمله في جمع البطاريات التالفة وفصل الألواح الرصاصية المشبعة بحامض الكبريتك وصهرها، في ورشته الكائنة أسفل منزله شرق حي الشجاعية في غزة، من أجل بيعها لأصحاب محال تصليح وتجديد البطاريات الموزعين بالقطاع، بمبلغ يتراوح بين 15 شيكلاً (4 دولارات) و18 شيكلاً (قرابة 5 دولارات) وفقا لجودة المنتج وسعر السوق، كما يروي لـ"العربي الجديد". ويشير الحلو إلى أنه اعتاد العمل وسط الدخان والغازات الخانقة التي تنتج أثناء صهر البطاريات، إذ ليس أمامه سوى خيارين إما الموت جوعا أو من عمله الذي لا يجد له بديلا.
وغير بعيد عن منزل الحلو، تقع ورشة ابن عمه شاهر، والذي أصيب بتسمم الرصاص (Lead poisoning) بنسبة 360 ميكروغرام/100ملليلتر في الدم، بينما يفترض ألا تتجاوز نسبة الرصاص في الدم حاجز 10 ميكروجرام/100ملليلتر، وفقا لما يؤكده أستاذ الكيمياء بجامعة الازهر الدكتور حسن طموس، والذي أوضح أن ارتفاع نسبة الرصاص في دم شاهر، أدت إلى خلل في الجهاز العصبي جعله غير قادر على التحكم في أعصابه، غير أن شاهر يستمر في إدارة ورشته، إذ يجني من وراء بيع البطارية فئة 100 أمبير والمعاد تدويرها، 450 شيكلا (120 دولاراً)، فيما يبلغ سعر الجديدة منها 950 شيكل (250 دولارا)، ويبيع البطارية فئة 150 أمبيرا بسعر 550 شيكل (145 دولاراً)، بينما يبلغ سعر الجديدة منها 1100 شيكل (290 دولارا)، وفئة 200 أمبير المعاد تدويرها بسعر 675 شيكل (179 دولارا)، ويبلغ سعر الجديدة منها 1350 شيكلا (358 دولارا)، ولفت إلى عدم تجديد ما دون ذلك من أحجام البطاريات بسبب عدم جدوى تجديدها اقتصاديا.
وأشار إلى أن إغلاق مصر الأنفاق، ومنع كيان الاحتلال دخول البطاريات السائلة التي تعد من "المواد ثنائية الاستخدام" مدنيا وعسكريا بحسب زعم الاحتلال، أدى إلى نمو عملهم في إعادة تدوير السبائك الرصاصية داخل القطاع، وزيادة مكاسبهم، إذ يعمل التجار على جمع البطاريات التالفة من محال الخردة والباعة المتجولين، بأسعار زهيدة تصل إلى 5 شيكلات (1.5 دولار) للبطارية متوسطة القدرة (100 أمبير) ويبلغ سعر البطارية الكبيرة 10 شواكل (2.5 دولار)، ويقدر المهندس خالد أبو غالي مسؤول ملف البيئة في سلطة جودة البيئة بغزة، عدد البطاريات المستعملة المتوفرة في السوق بـ 70 الف بطارية.
ويشعر الدكتور حسن طموس، بخطورة عشوائية جمع البطاريات المستعملة بشكلب غير آمن، ومخالف للمعايير البيئية المنصوص عليها في اتفاقية بازل لعام 2002 والخاصة بالتخلص من النفايات الخطرة "البطاريات"، والتي تنص على التخلص من النفايات الخطرة عبر مراحل تجميع بواسطة مختصين في مناطق بعيدة عن التمركز السكاني حتى تتم عملية المعالجة الآمنة لها، ودفعت مخالفة تلك المعايير الدكتور محمد أبو ندى رئيس قسم الاعصاب بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، إلى مطالبة الجهات الحكومية بإلزامية نشر الوعي حول خطورة تعامل الأطفال والعمال غير الآمن مع البطاريات، خاصة بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية مادة الرصاص في الترتيب الثاني للمواد السمية بعد مادة الزرنيخ.
تدمير البيئة والإنسان
تكمن خطورة الرصاص المصهور في البخار المتطاير خلال عملية الصهر الذي لا يرى بالعين المجردة، كما يفيد الدكتور جمال صافي المختص في العلوم البيئة بجامعة الأزهر في غزة، والذي أضاف لـ "العربي الجديد":"من يستنشقون تلك الغازات معرضون للخطر، ما يهدد حياة الأهالي في المنطقة المحيطة بورشة إعادة تدوير البطاريات".
وتفيد منظمة الصحة العالمية عبر موقعها الرسمي، في ملخص دراسة عالمية صدرت في آب/ أغسطس 2015 بأن الرصاص مادة تراكمية التأثير، ولفتت إلى أن معدل تعرض الأطفال عالميا للرصاص يسهم سنويا في اصابتهم بنحو 600 ألف حالة جديدة من العجز الذهني، كما يؤدي إلى 143 ألف وفاة، سنويا بين الأطفال لكونهم الأكثر عرضه للإصابة.
ودفعت خطورة عملية صهر الرصاص في غزة البروفسيور صافي إلى إجراء فحص دم لـ 1500 طفل بغزة لكشف مدى إصابتهم بتسمم الرصاص، وأظهر الفحص الذي أجرى قبل 3 أعوام في مشفى الرنتيسي الحكومي، إصابة 1230 طفلا بأعراض متباينة الخطورة، من بينهم 650 طفلا تستدعي حالتهم، تلقي العلاج على أسرع وجه، وفرت وزارة الصحة لثمانين منهم علاجا عاجلا بحسب الدكتور محمد أبو ندى والذي ساعد جمال صافي في دراسته.
وبسبب عدم توفر الأجهزة الخاصة بفحص تسمم الرصاص لدى البالغين أجرى الدكتور صافي فحصا لـ "12 عاملأ" في ورش إعادة تدوير البطاريات في مختبر خاص في القدس، وكشفت العينات عن إصابة كافة العمال بتسمم الرصاص، وهو ما دعا صافي إلى مطالبتهم بالابتعاد عن ذلك العمل، "لكن مناشداته ظلت بدون جدوى" كما قال.
اقــرأ أيضاً
تأخر التشخيص ونقص الأجهزة
بحسب آخر إحصاء صادرعن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2013 ، فإن عدد مرضي السرطان في قطاع غزة بلغ 10.780 مريضا، ويؤكد رئيس قسم السرطان بمشفى الرنتيسي الدكتور خالد ثابت لـ "العربي الجديد" أن نسبة الإصابة بالسرطان في تزايد بسبب التلوث الذي يتعرض له القطاع، ومن بين أسبابه، انتشار مادة الرصاص.
ويحذر الدكتور محمد أبو ندى من تأخر تشخيص تسمم الرصاص في غزة، قائلا "بسبب غياب الأجهزة اللازمة والوعي الطبي الناقص في ظل الحصار المفروض على القطاع، لا يتم تشخيص المرض إلا بعد تزايد الترسبات الرصاصية بالعظام، ووفقا للناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، فإن الجهات الطبية الحكومية والخاصة لا يتوفر لديها أجهزة فحص ترسبات الرصاص، إذ يحتاج القطاع إلى جهاز Atomic absorption spectrometry، أو جهاز Inductively coupled plasma mass spectrometry.
غياب الرقابة
ينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنه 1999 في المادة (7) على أن "تقوم الوزارة (سلطة جودة البيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة على المستوى الوطني بما في ذلك تحديد أساليب ومواقع التخلص منها، وكذلك الإشراف على تنفيذ هذه الخطة من قبل الهيئات المحلية". كما نصت المادة (11) على أنه "لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أية مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية والمحددة من الجهة المختصة إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة". وشكلت سلطة جودة البيئة، لجنة لمتابعة ورش صهر الرصاص، برئاسة المهندس خالد أبو غالي، والذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أنهم غير قادرين على رقابة الورش لقلة الإمكانيات، ويقتصر دورهم على إرشاد العاملين بخطورة تعاملهم غير الآمن مع الرصاص".
وعلى الرغم من أن ورش إعادة تدوير البطاريات تخضع لوزارة الاقتصاد الوطني، فإن المهندس عبد الفتاح زريع وكيلها المساعد، نفى لـ"العربي الجديد" مسؤوليتهم عن عمل تلك الورش، محددا دورهم في الإشراف على جودة البطاريات ومستلزمات إعادة التجديد الداخلة للقطاع، كاشفا عن دخول 107 أطنان من مستلزمات تجديد البطاريات حتى شهر أبريل الماضي، في حين دخل 73 طنا من تلك المستلزمات في 2015، وهو ما يعني تزايد عمليات إعادة تدوير البطاريات لما فيها من رزق للعاملين وخطر يهدد حياتهم وعائلاتهم.
ولم تقف أضرار عمل أبو عوني في إعادة تدوير البطاريات التالفة، عند حد مرضه، إذ أصيب طفله أحمد ذو التسعة أعوام بإعاقة حركية، لكون منزل الأسرة يقع أعلى ورشة الوالد، كما أوضح الطبيب زياد الخزندار، رئيس قسم الأورام السرطانية السابق في مشفى الشفاء بغزة، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن سبب الإصابة يعود لترسب مادة الرصاص بعظام أحمد، ما أدى إلى إعاقته، حسب ما ظهر في صورة الأشعة ونتائج التحاليل.
يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، عن خطورة ورش إعادة تدوير البطاريات في قطاع غزة، على العاملين فيها وأسرهم ومحيطهم البيئي.
حياة وسط الرصاص
عبر جولة ميدانية، حصر معد التحقيق 47 ورشة تعمل في مجال إعادة تدوير البطاريات، في 4 محافظات من إجمالي 5 في قطاع غزة، وبينما خلت محافظة رفح من أي تواجد لتلك الورش، جاءت محافظة غزة بالمركز الأول، إذ تتواجد بها 30 ورشة، بينما حلت محافظة الشمال في المركز الثاني بـ"12 ورشة"، وتلاها محافظة الوسطي بـ"3" ورش، وجاءت خان يونس في المركز الأخير بعدد ورشتين، "ويعمل في كل ورشة من ثلاثة إلى ستة عمال تتراوح أعمارهم بين 11 سنة و50 عاما، وتتحدد القدرة الإنتاجية للورشة بناء على عدد العاملين بها"، كما أوضح أبو رشدي الرياشي، صاحب ورشة إعادة تدوير بطاريات في منطقة عسقولة بمحافظة غزة، كما يمتلك أخرى في جمهورية السودان.
والرياشي المصاب بتسمم الرصاص في دمه بنسبة 320 ميكروغرام/100 ملليتر، ما أدى إلى تلف في جهازه العصبي، ما يجعله واحداً من بين الحالات المرضية التي توصلت "العربي الجديد" إليها، إذ يعاني 23% من بين 188 عاملاً في هذا المجال من تسمم الرصاص الذي أدى إلى إصابتهم بأمراض مزمنة، على رأسها تلف الجهاز العصبي والمصاب به 7 عمال، بينما يعاني 5 من الفشل الكلوي كما توجد إصابتان بعجز ذهني وأخرى بسرطان الدم.
ومن بين هؤلاء المصابين محمود الحلو، الذي يعاني فشلا كلويا، جراء عمله في جمع البطاريات التالفة وفصل الألواح الرصاصية المشبعة بحامض الكبريتك وصهرها، في ورشته الكائنة أسفل منزله شرق حي الشجاعية في غزة، من أجل بيعها لأصحاب محال تصليح وتجديد البطاريات الموزعين بالقطاع، بمبلغ يتراوح بين 15 شيكلاً (4 دولارات) و18 شيكلاً (قرابة 5 دولارات) وفقا لجودة المنتج وسعر السوق، كما يروي لـ"العربي الجديد". ويشير الحلو إلى أنه اعتاد العمل وسط الدخان والغازات الخانقة التي تنتج أثناء صهر البطاريات، إذ ليس أمامه سوى خيارين إما الموت جوعا أو من عمله الذي لا يجد له بديلا.
وأشار إلى أن إغلاق مصر الأنفاق، ومنع كيان الاحتلال دخول البطاريات السائلة التي تعد من "المواد ثنائية الاستخدام" مدنيا وعسكريا بحسب زعم الاحتلال، أدى إلى نمو عملهم في إعادة تدوير السبائك الرصاصية داخل القطاع، وزيادة مكاسبهم، إذ يعمل التجار على جمع البطاريات التالفة من محال الخردة والباعة المتجولين، بأسعار زهيدة تصل إلى 5 شيكلات (1.5 دولار) للبطارية متوسطة القدرة (100 أمبير) ويبلغ سعر البطارية الكبيرة 10 شواكل (2.5 دولار)، ويقدر المهندس خالد أبو غالي مسؤول ملف البيئة في سلطة جودة البيئة بغزة، عدد البطاريات المستعملة المتوفرة في السوق بـ 70 الف بطارية.
ويشعر الدكتور حسن طموس، بخطورة عشوائية جمع البطاريات المستعملة بشكلب غير آمن، ومخالف للمعايير البيئية المنصوص عليها في اتفاقية بازل لعام 2002 والخاصة بالتخلص من النفايات الخطرة "البطاريات"، والتي تنص على التخلص من النفايات الخطرة عبر مراحل تجميع بواسطة مختصين في مناطق بعيدة عن التمركز السكاني حتى تتم عملية المعالجة الآمنة لها، ودفعت مخالفة تلك المعايير الدكتور محمد أبو ندى رئيس قسم الاعصاب بمستشفى عبد العزيز الرنتيسي التخصصي للأطفال، إلى مطالبة الجهات الحكومية بإلزامية نشر الوعي حول خطورة تعامل الأطفال والعمال غير الآمن مع البطاريات، خاصة بعد تصنيف منظمة الصحة العالمية مادة الرصاص في الترتيب الثاني للمواد السمية بعد مادة الزرنيخ.
تدمير البيئة والإنسان
تكمن خطورة الرصاص المصهور في البخار المتطاير خلال عملية الصهر الذي لا يرى بالعين المجردة، كما يفيد الدكتور جمال صافي المختص في العلوم البيئة بجامعة الأزهر في غزة، والذي أضاف لـ "العربي الجديد":"من يستنشقون تلك الغازات معرضون للخطر، ما يهدد حياة الأهالي في المنطقة المحيطة بورشة إعادة تدوير البطاريات".
ودفعت خطورة عملية صهر الرصاص في غزة البروفسيور صافي إلى إجراء فحص دم لـ 1500 طفل بغزة لكشف مدى إصابتهم بتسمم الرصاص، وأظهر الفحص الذي أجرى قبل 3 أعوام في مشفى الرنتيسي الحكومي، إصابة 1230 طفلا بأعراض متباينة الخطورة، من بينهم 650 طفلا تستدعي حالتهم، تلقي العلاج على أسرع وجه، وفرت وزارة الصحة لثمانين منهم علاجا عاجلا بحسب الدكتور محمد أبو ندى والذي ساعد جمال صافي في دراسته.
وبسبب عدم توفر الأجهزة الخاصة بفحص تسمم الرصاص لدى البالغين أجرى الدكتور صافي فحصا لـ "12 عاملأ" في ورش إعادة تدوير البطاريات في مختبر خاص في القدس، وكشفت العينات عن إصابة كافة العمال بتسمم الرصاص، وهو ما دعا صافي إلى مطالبتهم بالابتعاد عن ذلك العمل، "لكن مناشداته ظلت بدون جدوى" كما قال.
تأخر التشخيص ونقص الأجهزة
بحسب آخر إحصاء صادرعن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في العام 2013 ، فإن عدد مرضي السرطان في قطاع غزة بلغ 10.780 مريضا، ويؤكد رئيس قسم السرطان بمشفى الرنتيسي الدكتور خالد ثابت لـ "العربي الجديد" أن نسبة الإصابة بالسرطان في تزايد بسبب التلوث الذي يتعرض له القطاع، ومن بين أسبابه، انتشار مادة الرصاص.
ويحذر الدكتور محمد أبو ندى من تأخر تشخيص تسمم الرصاص في غزة، قائلا "بسبب غياب الأجهزة اللازمة والوعي الطبي الناقص في ظل الحصار المفروض على القطاع، لا يتم تشخيص المرض إلا بعد تزايد الترسبات الرصاصية بالعظام، ووفقا للناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة في غزة، الدكتور أشرف القدرة، فإن الجهات الطبية الحكومية والخاصة لا يتوفر لديها أجهزة فحص ترسبات الرصاص، إذ يحتاج القطاع إلى جهاز Atomic absorption spectrometry، أو جهاز Inductively coupled plasma mass spectrometry.
غياب الرقابة
ينص قانون البيئة الفلسطيني رقم (7) لسنه 1999 في المادة (7) على أن "تقوم الوزارة (سلطة جودة البيئة) بالتنسيق مع الجهات المختصة بوضع خطة شاملة لإدارة النفايات الصلبة على المستوى الوطني بما في ذلك تحديد أساليب ومواقع التخلص منها، وكذلك الإشراف على تنفيذ هذه الخطة من قبل الهيئات المحلية". كما نصت المادة (11) على أنه "لا يجوز لأي شخص أن يقوم بتصنيع أو تخزين أو توزيع أو استعمال أو معالجة أو التخلص من أية مواد أو نفايات خطرة سائلة كانت أو صلبة أو غازية والمحددة من الجهة المختصة إلا وفقاً للأنظمة والتعليمات التي تحددها الوزارة بالتنسيق مع الجهات المختصة". وشكلت سلطة جودة البيئة، لجنة لمتابعة ورش صهر الرصاص، برئاسة المهندس خالد أبو غالي، والذي أوضح لـ"العربي الجديد"، أنهم غير قادرين على رقابة الورش لقلة الإمكانيات، ويقتصر دورهم على إرشاد العاملين بخطورة تعاملهم غير الآمن مع الرصاص".
وعلى الرغم من أن ورش إعادة تدوير البطاريات تخضع لوزارة الاقتصاد الوطني، فإن المهندس عبد الفتاح زريع وكيلها المساعد، نفى لـ"العربي الجديد" مسؤوليتهم عن عمل تلك الورش، محددا دورهم في الإشراف على جودة البطاريات ومستلزمات إعادة التجديد الداخلة للقطاع، كاشفا عن دخول 107 أطنان من مستلزمات تجديد البطاريات حتى شهر أبريل الماضي، في حين دخل 73 طنا من تلك المستلزمات في 2015، وهو ما يعني تزايد عمليات إعادة تدوير البطاريات لما فيها من رزق للعاملين وخطر يهدد حياتهم وعائلاتهم.