بدأ وزير العدل المصري حسام عبد الرحيم خطوات إحكام سيطرته على الهيئة الوطنية الجديدة، التي ستشرف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية القادمة، باعتماد ترشيح المستشارين لاشين إبراهيم لاشين ومحمود الشريف ممثلين لمحكمة النقض في مجلس إدارة الهيئة، مما سيجعل لاشين رئيساً لمجلس الإدارة بنص القانون باعتباره أقدم ممثلي محكمة النقض.
وجاء ترشيح لاشين من قبل مجلس القضاء الأعلى تأكيداً لما سبق ونشره "العربي الجديد"، فالرئيس المنتظر للهيئة كان عضواً بالدائرة التي كان يرأسها وزير العدل إبان عمله بالقضاء، ومعروف بعلاقته الوطيدة بالوزير وبالقاضي أحمد السيسي، الشقيق الأكبر لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي.
أما الممثل الثاني لمحكمة النقض بمجلس الإدارة وهو محمود الشريف، فكان يعمل حتى الأمس مساعداً لوزير العدل للشؤون الإدارية، وكان مرشحاً فوق العادة لمنصب المدير التنفيذي للهيئة، وهو المنصب الأهم بها، إلاّ أنه استبعد منه واكتفي بترشيحه لعضوية مجلس الإدارة، بسبب المادة 24 من قانون الهيئة، التي "تحظر أن يكون أي من رئيس أو أعضاء الهيئة أو المدير التنفيذي أو نوابه أو أي من أعضاء الجهاز أو العاملين به قريباً حتى الدرجة الرابعة في أي انتخابات".
وينتمي الشريف لعائلة معروفة بترشيح أفرادها لخوض مختلف الانتخابات النيابية، وشقيقه هو النائب أحمد حلمي الشريف عضو أكثرية "دعم مصر" في البرلمان، والذي برز اسمه هذا العام بسبب تقديمه مشروع القانون الذي منح السيسي سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية لأول مرة في تاريخ مصر.
وعلى الرغم من أن هذه المادة التي جاءت تحت عنوان "حظر تعارض المصالح" لم تمنع أن يكون لعضو مجلس الإدارة شقيق أو قريب يخوض الانتخابات، إلاّ أن شغل الشريف هذا المنصب ينافي مبدأ الابتعاد عن الشبهات، وهو ما يفتح الباب للطعن في اختياره أو اللجوء لمجلس الدولة أو المحكمة الدستورية لتفسير النص –بحسب مصدر قضائي بمحكمة النقض-لأنه لا يتصور أن يشمل قيد الحظر جميع الوظائف بالهيئة عدا أعضاء مجلس الإدارة.
ولا تقتصر سيطرة وزير العدل على ممثلي محكمة النقض بطبيعة الحال، بأن يكون أحدهم عضواً سابقاً بدائرته وصديقاً له، والثاني مساعده في الوزارة، بل تمتد السيطرة إلى ممثلي محاكم الاستئناف، حيث رشح مجلس القضاء الأعلى كلاً من المستشارين محمود عبد الحميد وأبو بكر مروان، واللذين لا سابقة لهما بالعمل في أي استحقاق انتخابي.
وممثل الاستئناف الأول محمود عبد الحميد وثيق الصلة بالوزير، وسبق له العمل معه بالوزارة، أما الممثل الثاني أبوبكر مروان فهو شقيق وزير الشؤون النيابية عمر مروان، والذي كان بدوره مساعداً لوزير العدل لشؤون الشهر العقاري قبل اختياره وزيراً في التعديل الحكومي الأخير.
وكشفت مصادر قضائية لـ"العربي الجديد" قبل ساعات من إصدار قانون الهيئة، أن وزير العدل أوعز إلى المستشار مجدي أبو العلا رئيس محكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى، والذي عينه السيسي في منصبه بدلاً من القاضي الأقدم منه المستشار أنس عمارة، بترشيح 4 قضاة بعينهم من محكمة النقض والاستئناف، وأرسل له أسماءهم بالفعل، وذلك بعد موافقة الجهات الأمنية والاستخباراتية عليهم، وأن "مجلس القضاء الأعلى سيقتصر دوره في هذا الشأن على التصديق على ترشيحات الوزير التي سيقدمها أبو العلا لزملائه".
وأكدت المصادر أن رغبة وزير العدل في الاستحواذ على المناصب المهمة بالهيئة لا تتوقف عند مجلس الإدارة، فهدفه الرئيسي منصب المدير التنفيذي الذي يترأس الجهاز التنفيذي للهيئة، ويختص بجميع شؤونها الإدارية والمالية والفنية وإعداد مشروعات القرارات والوثائق والمستندات والدراسات، كما يتولى التنسيق بين الهيئة والوزارات والجهات القضائية في عملية الإشراف على الانتخابات والإعداد اللوجيستي والتأميني لها، مما يجعله المنصب رقم واحد عملياً في الهيئة، والأهم من رئيس مجلس الإدارة.
وبعد ترشيح الشريف لعضوية مجلس الإدارة، أصبح المرشح الأول لتولي هذا المنصب هو القاضي أحمد محمد رفعت قاسم، وهو قاض شاب بمحكمة النقض تربطه بالوزير صلة قرابة، وكان منتدباً في مكتبه الفني.
يُذكر أن وزير العدل حسام عبد الرحيم تولى منصبه خلفاً للمستشار أحمد الزند في مارس/ آذار 2016، وعلى عكس سابقه يلتزم عبد الرحيم الصمت ولا يدلي بأي تصريحات في وسائل الإعلام، لكنه استطاع على مدار عام ونصف إحكام سيطرته على الهيئات القضائية مدعوماً بشقيق السيسي وعدد من القضاة المعروفين بعلاقتهم بالأجهزة الأمنية والاستخبارات.
وكان للوزير دور سلبي تجاه القضاة في أزمتهم مع السلطتين التنفيذية والتشريعية لدى إصدار قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية، رغم كونه رئيساً سابقاً لمحكمة النقض ومجلس القضاء الأعلى.
واستطاع عبد الرحيم توسيع نفوذه في الحكومة بعد نيل ثقة السيسي بتنفيذ تعليمات دائرته الخاصة، فتمكن من تزكية مساعده المقرب عمر مروان ليصبح وزيراً للشؤون النيابية خلفاً للمستشار مجدي العجاتي، الذي اختلف مراراً معه حول ملف التشريعات الجديدة والعلاقة بين الحكومة والقضاء، كما تمكن من الاستحواذ على ملف التشريع بسحب اختصاص إعداد مشروعات القوانين ومراجعتها من وزارة الشؤون النيابية التي تولاها مساعده.